سنوات طويلة مرت علي تلك الحادثة, التي لم تكن غريبة, علي مجتمع محافظ مثل الاناضول, رغم الطابع العلماني الذي وصف بالمغالي لتركيا الكمالية, في ذلك الزمن كان يوجد قطاع مجتمعي شديد التطرف. بيد أنه رأي أي الخروج عن ما ألفت عليه البلاد والعباد من قيم وأخلاق حميدة جريمة شنعاء, ربما لا يترصدها القانون ولكن العرف وحده كان يعاقب مرتكبيها بإزدرائهم تارة, وملاحقتهم قضائيا تارة أخري, ففي منتصف الستينيات من القرن الفائت, اتهمت ممثلة بالزنا كونها شاركت في مشهد درامي أعتبروه منافيا للتقاليد, وشاهده الآلاف في دور العرض, ولولا ضغط قوي المناوئة للظلام والمناصرة للابداع وحرية التعبير, لكانت تلك الفنانة ومعها مدير التصوير الذي صور الشريط والذي يعد الان من كلاسيكيات السينما التركية, وراء القضبان, وها هو مهرجان إسطنبول في دورته الثانية والثلاثين, والتي أستهلت فعالياتها السبت الماضي, يدشن تكريما خاصا لليلي بلقيس بطلة تلك الحادثة الشهيرة والتي تبلغ من العمر الآن الرابعة والسبعين وفيلمها قلبي هو السيدEfendisiKalbimin, وكذا مصوره أيتكين شاكماكتشي وفيلمه المهدي لمسقط راسه حكاية طرابزونBirTrabzonHikayesi الإحتفاء لم يقتصر علي ذلك فحسب بل إمتد ليشمل رموز التلك الحقبة نفسها لما بذلوه من جهد لأجل إثراء الفن السابع, إذ تم منح زهرة التوليب الذهبية لكل من المخضرم أحمد مكتين الذي تجاوز الثمانين من عمره, وفيلمه ذائع الصيت آنذاكBirTrkeGnlVerdim الذي دق مبكرا ناقوس الانذار مبكرا علي الهوة الشاسعة بين ثقافة المهاجرين الاتراك في المانيا وتلك المفترض أنهم يعيشون فيها, وتكريم مزدوج لعائشة ساسا صاحبة سيناريو فيلم اسطنبول كم أنت جميلةAhGzelstanbul وعاطف يلماز الذي قام بإخراج الفيلم عام(1969), ومن الخارج بدا كوستا جافراس الفرنسي اليوناني الاصل, والذي بلغ عامه الثمانين, هو نجم إسطنبول بلا منازع, وربما كان توقيت إختياره ليحل ضيفا علي المهرجان مصادفة, إلا أنه جاء ليتزامن مع التطورات العاصفة بمنطقة الشرق الأؤسط, وهو الذي تصدي لقضايا كانت مضامينها ومازالت جزءا لا يتجزأ من إرهاصات الغضب التي تجتاج بلدان الربيع العربي, بدءا من زد(z) الشهير الجزائري الفرنسي(1969) بطولة جان إيف مونتان وإيرين باباس, والذي يصور اشتراك عملاء من أجهزة الأمن التابعة للطغمة العسكرية في اليونان بالاشتراك مع عناصر من اليمين المتطرف في اغتيال احد النواب اليونانيين اليساريين, مرورا بالفيلم الأمريكي المفقودMissing(1982) تمثيل الراحل جاك ليمون, والذي حمل إدانة مباشرة للبيت الابيض لضلوعه في الإطاحة بالرئيس التشيلي المنتخب الإشتراكي سلفادور الليندي والذي كان لا يطيقه ريتشارد نيكسون كونه ماركسيا بغيضا, وأخيرا شريطه الرائع غرب عدن(2009) ويحكي بلغة زاوجت بين الكوميديا والتراجيديا هروب الهجرة غير الشرعية لشباب بائس هرب من الجنوب إلي أوروبا املا في عمل وحياة فإذ بهم يفاجأون بأن القارة العجوز لا تقل قسوة عن اوطانهم التي لفظتهم, ومن المتوقع أن يلتقي جافراس بعد غد السبت مع جمهور المهرجان وحوار يتمحور حول أعماله وبعدها يعرض فيلمه الأخير كابيتالLeCapital.