في انتظار قرض صندوق النقد الدولي تتعدد الآراء ومواقف القوي السياسية خاصة بعد طلب بعثة الصندوق مقابلة ممثلي الأحزاب والقوي المدنية, وتتناقض المواقف بين مؤيد ومعارض وفقا للمواقف السياسية من الحكومة. حيث يتجاهل البعض الحقائق الاقتصادية في سبيل الطعن في مواقف معارضيه, وهو ما يجعل الموقف مشوشا أمام مسئولي الصندوق في مدي جدية المواقف كلها سواء الحكومة أو المعارضة في علاج الأزمة الاقتصادية التي نعاني منها وهل الأولوية هي الخروج من الأزمة الاقتصادية أم النيل من المعسكر المضاد, ومن الملاحظات التي توضح مدي تجاهل الحقائق: 1- بدأ الحديث عن قرض من الصندوق مع أول وزارة بعد الثورة وقت التعاطف العالمي مع الثورة حيث الاستعداد للمساعدة بشروط قليلة, ولكن المجلس العسكري رفض القرض بحجة عدم زيادة الأعباء علي الأجيال التالية, ثم مع تزايد المشكلات عاد الحديث عن ضرورة القرض مع زيادة مبلغه, ولكن رفض الإخوان المسلمين ذلك بحجة أن الحكومة انتقالية ثم تراجعوا وطالبوا به بعد وصولهم للحكم, ولكن الأحوال كانت قد تغيرت وتفاقمت المشكلات السياسية والاقتصادية مما أدي إلي شروط أكثر قسوة ودخلنا في متاهات التفاوض والاتفاق وعدم قدرة الحكومة علي تنفيذ ما اتفقت عليه لتطلب التأجيل وإعادة التفاوض, ويوضح ما حدث عدم القدرة علي اتخاذ القرار في الوقت المناسب, وتغليب المصالح الخاصة بكل طرف سياسي علي مصلحة الاقتصاد القومي, وإذا استمر الحال علي ذلك فالنتيجة واضحة وهي المزيد من الفشل الاقتصادي والسياسي وعدم ثقة الأطراف الخارجية في القوي السياسية. 2- من العبث الذي استجد علينا تدخل الشيوخ بفتاوي حرمة القرض لاحتوائه علي فائدة ثم التراجع وتبرير ذلك بأن هذه الفائدة هي مصاريف إدارية حيث لا تتعدي11% بينما المتخصصون يعرفون أن هذه النسبة تعد فائدة سواء انخفضت أم ارتفعت وان هذه النسبة هي في حدود الفائدة علي الدولار في الأسواق العالمية, كما أن الصندوق وهو الذي سيمنحنا القرض يسميها فائدة فلماذا تجاهل الحقائق. 3- ومن غرائب المواقف الحديث عن شروط القرض, حيث تؤكد الحكومة أن الصندوق لا يفرض عليها شروطا ويتهمها المعارضون بالخضوع لشروط الصندوق التي ستضر بالفقراء لتقسم الحكومة أنها ستضع من البرامج ما يسعد الفقراء, بينما الحقيقة أن الصندوق لن يمنح القرض إلا إذا وافق علي البرنامج الإصلاحي الذي تضعه الحكومة وبالتالي فعلي الحكومة أن تلتزم بما يراه الصندوق صوابا وتتعهد الحكومة بذلك من خلال تقديم ما يسمي بخطاب النوايا الذي تتعهد فيه بنيتها في تنفيذ السياسات التي التزمت بها والتي يريدها صندوق النقد, ولكي يضمن الصندوق ذلك فإن الحكومة تحصل علي القرض علي دفعات تتناسب مع تنفيذ تعهداتها, فإذا تأخرت الحكومة عن تنفيذ تعهداتها امتنع الصندوق عن تقديم دفعات القرض, ولقد كانت مديرة الصندوق واضحة في ذلك من خلال تصريحها عقب لقائها برئيس الجمهورية بأن القرض والبرنامج الذي تقدمه الحكومة مرتبطان للموافقة علي القرض, فإذات كانت إذا هذه التصريحات بأنه لا شروط للصندوق, فلماذا لا تلتزم الحكومة بسياسة المصارحة وتعلن عن الشروط أو البرنامج الذي يطلبه الصندوق لكي يعرف الشعب الالتزامات والأعباء التي عليه تحملها للحصول علي هذا القرض ولو كان الجميع يحرصون علي مصلحة الوطن لكان النقاش حول عناصر الإصلاح وليس الشروط فالكل يدرك مدي الحاجة إلي تغيير شامل لنظام الدعم وأننا نحتاج إلي إجراءات قوية وقاسية للخروج من الأزمة وهو ما يحتاج إلي البحث وليس الحديث عن الشروط 4- ومما يدخل في نطاق الكيد السياسي ما يصرح به قادة المعارضة من موافقتهم علي القرض إذا توجه لإقراض الفلاحين وللمشروعات الصغيرة بنفس معدل الفائدة القليل, بينما الحقيقة أن صندوق النقد يمنح القروض للدول التي تعاني من العجز في موازنتها وميزان المدفوعات, وان هناك ما يسمي بالبنك الدولي وهو المختص بإقراض مشروعات التنمية للدول النامية, فلماذا يتجاهلون ذلك مما يعرضنا للمزيد من المواقف السلبية للعالم الخارجي. 5- ومن أخطاء الحكومة الحديث عن أن هذا القرض هو بمثابة الشهادة لاقتصادنا مما يمكنها من الحصول علي المزيد من القروض وان هناك المليارات التي تنتظر الاتفاق مع الصندوق لتنهال علينا, وبغض النظر عن خطأ الاعتماد علي الاقتراض فإن الجهات التي تلوح للحكومة بالمساعدات عند الاتفاق مع الصندوق, هي في الحقيقة تمارس ضغوطا بهذا الموقف علي الحكومة لتوافق علي ما يريده الصندوق, ثم بعد موافقة الحكومة ستجد هذه الأطراف من الحجج الكثير لتأجيل المساعدات وهكذا ستظل الحكومة تحت رحمة المانحين وهو ما يتطلب سياسة مختلفة 6- من المعروف أن من شروط الصندوق تقليص حجم الدعم وهو ما تتهرب منه الحكومة إلي ما بعد الانتخابات, وهي في ذلك تخدع الشعب. هل تستطيع الحكومة والمعارضة مواجهة الحقائق وإدراك أن الشعب هو ضحية هذا الانهيار الاقتصادي وإذا كان قرض الصندوق نحتاجه لعلاج العجز فإن هناك من السياسات ما هو مطلوب لنتحول من الاقتراض إلي الإنتاج لنستطيع سداد جزء مما علينا وليس أن نستمر في الاقتراض لسداد فوائد ما اقترضنا فمتي يبحثون عن هذه السياسات؟. لمزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل