دخل كرسي الرئاسة الإيطالية علي حسابات المشهد السياسي المعقد في البلاد. فمنذ الانتخابات العامة التي جرت في24 25 فبراير الماضي, تعاني ايطاليا حالة من الفراغ الدستوري المركب و المزمن, بعدما شقت اجراءات الانضباط المالي المدعومة من الاتحاد الأوروبي صف الشعب بصورة خطيرة. وبدت قوي البرلمان المنتخب و كأنها تتحدث بلغات مختلفة.. مما عرقل ميلاد حكومة جديدة لما يقارب الشهرين حتي الآن. وأصبحت البلاد في حالة من الشلل التشريعي والتنفيذي, زاد عليه تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية طبقا للدستور الايطالي- مع دخول ولايته أيامها الأخيرة.. لتضطر البلاد الي الانتظار لحين إعلان رئيس جديد من ثم ظهور معطيات جديدة في المشهد. و ربما تكون أولي مهام الرئيس القادم هي حل البرلمان و الدعوة الي انتخابات مبكرة. واليوم, مع بدء أولي جلسات البرلمان لانتخاب خليفة للرئيس جورجيو نابوليتانو- الذي تنتهي ولايته منتصف مايو المقبل- حمي الوطيس بين القوي السياسية في محاولة لادارة المشهد بما يخدم مصالحها و يزيد من مكتساباتها في كلا الحالتين: التوصل الي اتفاق لتشكيل حكومة جديدة, أو اللجوء الي انتخابات مبكرة( وما يتعلق بها من تعديل في قانون الانتخابات و تحديد موعد اجرائها). وبينما تتعدد أسماء المرشحين, يحتل صدارة المشهد رومانو برودي رئيس الوزراء الأسبق, و رئيس المفوضية الأوروبية الأسبق, و مبعوث الأممالمتحدة الحالي لمنطقة الساحل الافريقي. و رغم فرصه العالية و قبوله الشعبي بين الايطاليين, الا أن اسمه قد يكون مجرد' كارت' في المفاوضات الجارية بين القوي السياسية( وبخاصة تحالف اليسار و تحالف اليمين) من أجل تشكيل حكومة جديدة, في ضوء الآتي: يسعي بيير لويجي بيرساني زعيم الحزب الديمقراطي و تحالف اليسار أكبر قوي بالبرلمان- بكل السبل الي تشكيل حكومة جديدة برئاسته دفاعا عن مستقبله السياسي.ويخشي من قيام رئيس الجمهورية الجديد بسحب هذا التفويض منه, و الدعوة الي انتخابات مبكرة, لأن ذلك سيطيح به من زعامة حزبه مع تصاعد نجم منافسيه داخل الحزب اليساري. لكنه في الوقت نفسه يحاول الضغط علي تحالف اليمين بزعامة سيلفيو بيرلسكوني(القوي الثانية بالبرلمان) لقبول تشكيل حكومة أقلية بقيادة اليساريين مع تكرار رفضه للانضمام مع تحالف بيرلسكوني في حكومة موسعة. و يستغل بيرساني كارت'برودي' في هذا الصدد. وبينما تتعالي الاتهامات بعدم رغبة بيرساني في الدفع بشخصية علي درجة عالية من الاستقلال' لمنصب الرئاسة, فإنه يواجه ضغوطا عديدة داخل حزبه, ممن يدينون بالولاء لبرودي, الذي ترأس حكومتي اليسار السابقتين. حتي نيكي فيندولا زعيم حزب' يسار بيئة حرية' وشريك بيرساني الرئيسي في تحالف اليسار, أكد أن اسم رومانو برودي لا يمكن تنحيته جانبا من السباق, حتي انه أعرب عن خشيته من اعلان دعمه له مبكرا حتي لا يحرق اسمه. أما بيرلسكوني زعيم حزب شعب الحرية, فقد اختلفت نبرته بصورة كبيرة الآن مقارنة عما كان عليه الحال قبل أيام من بدء السباق نحو الرئاسة. فبعد أن هدد و توعد اليساريين بمعركة شوارع اذا لم يؤيدوا مرشح يميني لخلافة نابوليتانو, و بعد أن اتهمهم بالقيام' باحتلال عسكري للمناصب القيادية السياسية', صار يتحدث بصوت منخفض.و أعلن عدم ممانعته في وصول يساري الي قصر الرئاسة, بشرط أن يكون معتدل, مع استمرار عرضه بتشكيل حكومة موسعة تضم الفريقين. ويرجع هذا التغيير الي خوف بيرلسكوني من وصول برودي تحديدا الي مقعد الرئيس. حتي أن صحيفة كورييرا ديلا سيرا الايطالية قد وصفت فوز برودي حال تحققه, بأنه من شأنه' أن يمحو بيرلسكوني من الخريطة الجغرافية', علي حد تعبيرها. وقد حذر بيرلسكوني من انتخاب برودي قائلا: إنه سيوجد حالة نزوح جماعي للايطاليين الي الخارج. و لا يغيب عن أحد أن برودي كان الخصم السياسي الأكثر شراسة لبيرلسكوني منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي. وتزداد مخاوف اليمين من لجوء اليسار إلي انتخاب مرشح, لا يحظي بموافتهم, خاصة أن الهيئة الناخبة للرئيس الجديد المكونة من أعضاء البرلمان بغرفتيه اضافة الي58 ممثلا من الأقاليم الايطالية, تضمن لليسار الدفع منفردا بمرشحه, بفارق9 أصوات فقط عن الرقم المطلوب, وهو ما يمكن ضمانه بالتفاهم مع كتلة' الخيار المدني' بقيادة ماريو مونتي(10% من مقاعد البرلمان) أو حركة خمس نجوم(25% من المقاعد). وبينما تتحدث خمس نجوم( القوي الثالثة بالبرلمان) كعادتها بلغة مختلفة, يظل برودي أحد ابرز9 مرشحين بالنسبة لها. و قد دعا جريللو أعضاء حركته الذين سجلوا أسماءهم قبل نهاية عام2012 نحو48 ألفا- الي التصويت علانية عبر شبكة الانترنت للمرشح الذي يفضلونه من بين ال9( الذين تم التوصل إلي اسمائهم في تصويت سابق عبر الانترنت), ليكون الفائز من بينهم هو مرشح الكتلة البرلمانية للحركة عند انتخاب الرئيس. لكن هذه الانتخابات ستضع خمس نجوم امام اختبار جديد ازاء تماسكها الداخلي, بعدما تعالت الأصوات المنتقدة لأسلوب' العناد المطلق' في الخطاب مع سائر قوي البرلمان. ويخشي عدد من قيادات الحركة من سقوط' خمس نجوم'علي الهامش و خروجها من اللعبة داخل البرلمان, خاصة اذا ما توصل الحزب الديمقرطي(يسار) وحزب شعب الحرية(يمين) الي' اتفاق لطيف بينهما يسحق البلاد' حسب تعبير فابريتسيو بوكينو عضو مجلس الشيوخ الايطالي عن حركة خمس نجوم. و يحذر بوكينو من ان يفضي الأمر الي وصول ماسيمو داليما أحد رموز اليسار المرشحين للمنصب- لسدة الحكم.