بقدر ما امتلأ الأسبوع الماضي بالأحداث المؤسفة التي تثير الاكتئاب والتشاؤم من القادم، إلا أنني انتهيت من قراءة رواية رائعة للمستشار الأديب أشرف العشماوي، الذي انسحب كقاضي تحقيق من قضية الجمعيات الأهلية في فترة حكم المجلس العسكري بعد سفر الأجانب وتكييف القضية على أنها جنحة .. هي الرواية الثالثة للكاتب بعد رواتين سابقتين الثانية منهما المعنونة " تويا " وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية. أما الرواية محل المقال التي نفدت طبعتها الأولى من السوق وتم توزيع الطبعة الثانية منها، فتحمل عنوان " المرشد "، وفكرتها التى أراد العشماوي توصليها إلى القارئ هي القناعة بأن مصر تسرق منذ عقود بعيدة وبصورة ممنهجة من خلال طرفين : الفساد والتطرف، اللذان يمثلهما الشخصيتان الرئيسيتان في الرواية " ماهر السوهاجي" و"صادق عبد الحق "، وتستعين بهما الشرطة كمرشدين على غيرهما من اللصوص والإرهابيين، أما الفترة الزمنية التي تمتد خلالها الرواية بأبطالها فهي منذ نهاية الستينيات وحتى عدة أشهر بعد ثورة يناير 2011. الأسلوب الأدبي القائم على الحوار هو البطل في هذه الرواية فهو يوضح ويسلط الضوء على الكثير من الأحداث والأساليب المتبعة في إدارة الدولة، وربما يجيب على الكثير من الأسئلة التي نطرحها اليوم أو التي عرف إجابتها الناس وأيقنوا أنها الحقيقة مهما حاول الكثيرون إنكارها أو إخفاءها. إن أمتع الحوارات التي دارت في هذه الرواية كان بين لواء شرطة متقاعد وعميد مازال بالخدمة يحاول الاستفادة من خبرة من سبقوه ولكنه في نهاية الأمر يترك نفسه ليسبح مثل الباقين في نهر الفساد .. كانت كلمات اللواء معبرة وذات معنى عندما قال : " الحقيقة أنكم وهذه التيارات الدينية تؤدون دورا في مسرحية هزلية .. وأنتم تصنعون منهم كرة ثلج وتتركونها تتدحرج بينما هي تكبر يوما بعد يوم، وعندما تتضخم ستسد عليكم كل المنافذ فلن تجدوا حينئذ مفرا من المواجهة، ووقتها لن تصمدوا طويلا.. أما المواطنون فيكتشفون أن الكرة خاوية رخوة لن تنفعهم بل ستغرقهم في بحورها". كلمات العشماوي على لسان اللواء لا تنتهي بل تزداد عمقا عندما يقول للعميد : " هذا شأنك ولكن لا تقل لي أن هؤلاء يحمون المقدسات فهي كلمات حق يراد بها باطل دائما .. اقرأ تاريخك جيدا هل تعرف لماذا قتل الطبري وصلب الحلاج وحبس المعري وسفك دم جابر ابن حيان وحرقت كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني ؟ كل ذلك كان باسم الدين وباسم حماية المقدسات .. استغل فراغك في قراءة تاريخك قبل أن تخطو نحو مستقبلك خطوة واحدة حتى تستشرفه جيدا "، وينهي حديثه بدرر في مقام الحكم فيقول : " هم يراهنون على أننا شعب عاطفي ويحب دينه بالفطرة .. وأنتم تقامرون باعتبار أننا شعب عاطفي أيضا ولكنه ينسى بسرعة، ويصبر كثيرا، وكل طرف منكم يعزف على الوتر الذي يناسبه.. وفي النهاية سنصبح كلنا خاسرين ..". تنتهي الرواية بعد الثورة بعدة أشهرعلى مشهد أشبه بالنهايات المفتوحة حيث يتلون الفساد بلون جديد، ويتخفى وكأن الرسالة التي أرادها المؤلف هي أن هذا الفساد الذي استشرى في كل مناحي الحياة والمؤسسات في الدولة لن يكون اجتثاثه سهلاً، لأنه لا يزال يضرب بقوة ويهدد جذور دولة بأكملها، ولكن السطر الأخير من الرواية يبعث بالأمل حيث يشبه الكاتب الوضع ب " سحابة صيف ثقيلة... ولكن مظهرها هذه المرة لا يوحي بأنها ستبقى طويلا " .. نرجو الله أن تكون بشرى وتتحقق بإذن الله .. الرواية رائعة وقراءتها ممتعة .. شكرا للعشماوي على هذا العمل الرائع ونرجو الله أن يفرغ علينا صبرا حتى تنقشع سحابة الصيف ... · حفظ الله لنا البابا تواضروس الثاني وحفظ لنا فضيلة شيخ الأزهر الدكتور الطيب وحمى لنا الكاتدرائية المرقصية والأزهر الشريف من كل سوء وكل معتد أثيم لا يدرك مدى عظمة هذه المؤسسات ومدى أهميتها لدى الشعب المصري ... العار سيلاحق كل من دبر وتواطأ وتستر على الذين قاموا بالهجوم على هاتين المؤسستين .. [email protected] لمزيد من مقالات رشا حنفى