ملعب مدينتنا المغطي بالنجيل الصناعي وتغمره الأضواء الكاشفة ليلا, انصرف عنه الجمهور منذ فترة, رغم المدرجات المبنية علي أحدث القياسات العالمية ودورات المياه النظيفة والبراقة. فاللاعبون الذين حظوا علي رواتب مجزية وتمتعوا بالشهرة والأضواء وبغرف تبديل الملابس الرحبة اللامعة, ترهلت أجسادهم وفقدوا مهاراتهم, أما الملعب السري المهجور الذي علي أطراف المدينة, فقد ارتفعت جدرانه لتحجب لاعبيه عن الأنظار, وعلت أصوات جماهيرهم المشجعة, وارتفع الغبار الذي تثيره أقدام لاعبيهم حينما يلعبون علي الأرض الترابية, واختفت الشائعات الساخرة التي كانت تتناول ملابسهم ولعبهم وأحذيتهم, وحلت محلها شائعات تضفي أسطورية علي أدائهم( أقل لاعب عندهم يحرز5 أهداف في المباراة.. يستطيعون اللعب ست ساعات متواصلة.. لو تعادل فريقهم يطرد المدرب فورا)... وعندما حدث الزلزال الكبير وفر أغلب لاعبي فريق المدينة, حل محلهم معظم لاعبي الملعب السري, وفي تلك اللحظة انكشفوا علي الجمهور العام واضطروا إلي اللعب طبقا لقواعد اللعب الدولي, وتركوا خلفهم عشوائيتهم وعنتريتهم والتزموا بالقانون العام, فزالت عنهم أسطوريتهم وبدوا كاللاعبين العاديين, مثلهم مثل اللاعبين السابقين علي رأي المثل الطينة من نفس العجينة. وما يحدث الآن في الساحة السياسية يكاد يكون طبق الأصل من هذه الحكاية.. بعد ثورة يناير الأخوة السلفيون الذين كانوا يحرمون الانتخابات ويعتبرون الديمقراطية رجسا من عمل الشيطان, لم يقاطعوا الانتخابات وانتهزوا الفرصة ودخلوها وربحوا في دوائر كثيرة, وعادوا وأفتوا بأن الديمقراطية المصرية حلال!( كأن الديمقراطية جورب صوفي من السهل جعله حلالا أو حراما تبعا للظروف).. أما فصيل الاخوان المسلمين فقد لعبوا هذه المرة بمهارة وهم يضعون قدما في التحرير وقدما في اللجان الانتخابية, نددوا ببعض الممارسات لكن في النهاية أشادوا بالعملية الانتخابية, وحدهم اخواننا الليبراليون والديمقراطيون والمفكرون والأحرار هم الذين قلبوها مناحة كبري.. وأسهبوا في إطلاق مخاوف كبري بأن الإسلاميين ستكون لهم الأغلبية في البرلمان وسيرجعون بنا إلي الخلف مئات السنين, أولا هم السبب الرئيسي في هذه المصيبة كما يصفونها, فهم الذين تركوا الساحة أمامهم.. فمنهم من قاطع الانتخابات ومنهم من جري خلف غنائم رخيصة, وبعضهم ارتكن علي الأقباط الذين لاتزال غالبيتهم تتعامل بسلبية مع ما يحدث بمصر من حراك سياسي, ومنهم من راهن علي الصوفيين الذين خذلوا منظر الحزب الوطني السابق أحمد عز الذي كان يتباهي بعددهم أثناء الأزمات السياسية مع النخب, حتي الصوفيين خذلوكم أيضا بعدما ارتضيتم أن تحاربوا التشدد بالخرافة!! عيب كبير أن تختلف النخبة مع نفسها وألا تتحد في مواجهة القوي الظلامية, وأن تحتكر الديمقراطية لنفسها, كما أن النخب الحقيقية الوحيدة التي خرجنا بها من الميدان هي نخب الشباب الذين قاوموا وصمدوا وضحوا بحياتهم وانتصروا في النهاية, ولابد أن نقف معهم حتي يختاروا مستقبلهم بأيديهم, أيتها النخبة.. محتكرة الأضواء ومتسيدة الفضائيات.. من فضلك أهجري المخاوف واتركوها تنكشف أمام الجمهور العام.. دعوهم يتقدمون بطلبات لفصل النساء عن الرجال في العمل, وبمنع التدخين في الأماكن العامة, وبضرورة انشاء البنوك الاسلامية, اتركوهم يتعاملون مع الملفات الشائكة كالاتفاقيات الدولية التي يجب احترامها, وحقوق المرأة التي نالتها بعد جهد وكفاح ويجب المحافظة عليها, دعونا نري هل هم قادرون علي فرض ما يتشدقون به من أقوال, مثل ضرورة الزام السائحين بارتداء ما يتناسب مع ذوق المجتمع الشرقي, من فضلكم إن طالبوا ببقاء المرأة في البيت والاستغناء عن العمل, اتركوهم يواجهون أكثر من ثلاثة ملايين عاملة, نصفهن علي الأقل مطلقات وأرامل يعلن أطفالهن, دعوهم يلقون بتنظيراتهم المرعبة عن الساحة غير المرغوب فيها, ليصبحوا وجها لوجه أمام5 ملايين عامل ومستفيد من هذا القطاع الذي يشكل ربع عائدنا القومي, دعونا نري كيف سيتعاملون مع ملف الأقباط شركائنا في الوطن, دعونا نتعرف علي أفكارهم وحلولهم لمشاكلنا الكبري كالبنية التحتية والبطالة والتنمية والإستقرار, لقد أهملتهم النظم السياسية السابقة كثيرا, وبات من حقهم أن يشاركونا في بناء الوطن, فهذه هي الطريقة المثلي لنجعلهم يتخلون عن تطرفهم أو أحلامهم المثالية, صدقوني لن يستطيعوا أن يفعلوا بنا ما فعلوه بالسودان, عندما حكمت الجبهة القومية تحت شعار الاسلام هو الحل, وأنشأوا في بداية حكمهم الهيئة العامة للتضرع إلي الله, وهي هيئة لكشف الغمة عن الأمة مهمتها الدعاء والتبتل إلي الله عند الحاجة إلي سقوط المطر أو إنهاء الأوبئة أو طلب الرخاء الاقتصادي, مما انتهي بالسودان الواحد إلي سودانين, الشباب الذي ساهم في نجاح الثورة باستخدامه التكنولوجيا والتقنيات الحديثة, قادر علي مواجهتهم وردعهم وتهذيب آدائهم, والعمل أسفل النور سيختلف تماما عن العمل السري, فلا قلق.. وأنت أيتها النخبة المقدسة, دعي كل مخاوفك خلفك واتحدي, فهذا ما يجب عليك القيام به الآن. المزيد من مقالات مكاوى سعيد