بعد شهور من المماطلة والإنذارات والاتهامات المتبادلة بين الجانبين, تسلمت أفغانستان رسميا مسئولية سجن باجرام سييء السمعة من القوات الأمريكية الأسبوع الماضي. وتعد حادثة حرق جنود أمريكيين لنسخ من القرآن الكريم داخل باجرام والتي أثارت عاصفة من الاحتجاجات داخل أفغانستان وخارجها, هي بداية مطالبة أفغانستان بعودة السجن إلي سيادتها. تساؤلات واحتجاجات عديدة أثارها الحادث إلي جانب انتهاكات فاضحة شهدها باجرام الذي يعتبر أكبر سجن أمريكي في العالم خارج الولاياتالمتحدة والذي تم وصفه ب جوانتانامو المنسي وأبو غريب الأفغاني, دفعت الرئيس الأفغاني حامد كرزاي إلي توجيه إنذارات متعاقبة بتسليمه للأفغان منذ أكثر من عام. سجن باجرام المترامي الأطراف والذي يبعد50 كم عن العاصمة كابول, وبعد أن كان رمزا للغزو السوفيتي في الثمانينيات, أصبح رمزا للاحتلال الأمريكي في أفغانستان يعتقل ويستجوب فيه المشتبه بانتمائهم لحركة طالبان وتنظيم القاعدة دون محاكمة. الأفغان اعتبروا السجن مسألة كرامة وطنية وسيادية, لكن الطرف الأقوي قرر التسليم بعد وضع شروطه الخاصة. وبعد إصرار كرزاي علي تسليم السجن وسط تعنت أمريكي ورفض حلف شمال الأطلنطي الناتو, قررت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون تسليم باجرام جزئيا وليس بشكل كامل إلي السلطات الأفغانية بعد التوصل لاتفاق بنوده غير معلومة لكنه أرضي الطرفين وأغلق فصلا من العلاقات المتوترة بين واشنطنوكابول. شروط الاتفاق المعلنة تقضي بمنح حكومة كرزاي تطمينات خاصة للأمريكيين بعدم إطلاق سراح السجناء الخطيرين من القيادة الوسطي والعليا لطالبان والقاعدة. وكانت المعضلة الأكبر التي وقفت في وجه الاتفاق هو مطلب الأمريكيين الحصول علي حق الفيتو حول هوية من تنتوي أفغانستان إطلاق سراحه من مركز الاعتقال في باروان, وهو الاسم الذي يطلقه الأمريكيون علي باجرام. بالإضافة إلي السماح للأمريكيين بحق الدخول للسجن للتأكد من عدم وقوع انتهاكات وتعذيب ضد السجناء داخل المنشأة. بينما احتفظ الأمريكيون لأنفسهم بحق إدارة مبني في السجن يضم50 سجينا ممن تعتبرهم القوات الأمريكية خطيرين. وبعد ساعات قليلة من الاحتفالات بتسليم السجن ورفع العلم الأفغاني فوقه, عقد كرزاي مؤتمرا صحفيا وديا مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال زيارته المفاجئة لأفغانستان. التقارب الواضح الذي عمل الأمريكيون من أجل الوصول إليه, كان ثمرة سياسة إعادة الهيكلة للسجن وكذلك سحب قوات العمليات الخاصة من مقاطعة وراداك المثيرة للجدل. لم تظهر الخلافات بين كرزاي وكيري مثلما برزت بين الرئيس الأفغاني وتشاك هاجل وزير الدفاع الأمريكي الجديد منذ ثلاثة أسابيع خاصة قبيل تسليم باجرام وفي ظل مزاعم بانتهاكات ارتكبتها القوات الخاصة في وراداك. خلال المؤتمر الصحفي بين كرزاي وكيري ظل الاثنان حوالي ساعة يغدقان الثناء علي بعضهما البعض. أعرب الرئيس الأفغاني عن شكره للولايات المتحدة حكومة وشعبا وألقي اللوم علي وسائل الإعلام التي أساءت ترجمة تصريحاته السابقة حول تورط أمريكا مع طالبان لإضعاف أفغانستان. وحول هذه التصريحات السابقة, شدد كرزاي علي أنه كان يوجه تحذيراته إلي طالبان فقط, مؤكدا أن تفجيراتها الانتحارية تعطي سببا للأمريكيين للبقاء طويلا علي الأراضي الأفغانية. الرئيس الأفغاني أعرب عن بالغ سعادته من تسليم السجن للأفغان مؤكدا أهمية ذلك للشعب الأفغاني. وفي المقابل أعرب كيري عن ارتياحه من تفسير الرئيس واعتبر أنه لا خلافات بين واشنطنوكابول. الحفاوة التي أظهرها كرزاي وتفسيره لعداء استمر أكثر من عام بين الحليفين بسبب أخطاء الترجمة, كرس لوجود أمريكي طويل المدي في أفغانستان. فقد اختار الأمريكيون استمرار تواجدهم في أفغانستان بديلا عن التمسك بقضايا شائكة مثل باجرام ووراداك. إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وضعت هذا كأولوية استراتيجية نصب عينيها حتي بعد الانسحاب في2014 بذريعة أن ذلك سيسمح لها بوضع إيران وباكستان والمناطق القبلية الحدودية تحت المراقبة. باجرام ظل رمزا فاضحا لخروج أفغانستان من تحت سيطرة كرزاي فقد اعتقل الأمريكيون آلاف الأفغان في السجن ولم يمتلك كرزاي القدرة علي إطلاق سراحهم. حتي الذين تمكن من الإفراج عنهم كانوا ورقة ضده ومن بينهم مولاي سعيد خايل الذي أصبح قائد طالبان في وارداك, ومولاي شاهر الذي حول منطقة باداخشان من ساحة سلام إلي ساحة حرب. تسليم السجن كان مثل غصن سلام بين الأمريكيين والأفغان لكنه يؤذن بفصل جديد من الانتهاكات الأفغانية داخل السجن المثير للجدل والذي شكل رمزا للاحتلال علي مدي أكثر من30 عاما والأدهي أنه شكل مقايضة كرزاي الفاشلة مقابل استمرار الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.