يقول الكاتب والروائي النيجيري شنوا اتشيبي الذي رحل عن عالمنا قبل أيام قليلة سوف يكون أمرا مرضيا لي تماما إذا كانت رواياتي لم تفعل أكثر من أنها علمت قرائي أن ماضيهم بكل نواقصه لم يكن ليلا واحدا طويلا من الهمجية التي جاء الأوروبيون الأوائل ليتشلوه منها نيابة عن الله ويقول في موضوع آخر, إنه ليس لديه شك في أن هناك من سيري أنه من الأفضل نسيان مرارات الماضي وإدارة الأذهان للنظر نحو عمليات المصالحة وإعادة البناء إلا أنه يختلف مع هذا الرأي موضحا أنه يعتقد أنه في وضع كوضعنا هذا فإن أعظم الأخطار تكمن ليس في تذكرنا لما حدث ولكن في نسيانه. وأضاف قائلا: إن نيجيريا التي تقع كثيرا في حالات من مخادعة النفس تقف في حاجة ماسة إلي من يذكرها. وأعتقد أنه علينا إذا ما أردنا أن يكتب لنا البقاء كأمة أن نبحث عن معني مأساتنا. أن ما نحتاج إليه هو أن ننظر للوراء ونحاول التعرف علي موضع خطئنا ونتساءل أين سرنا في اتجاهه وأين بدأ المطر يلقي بحباته علينا. ولعل هذا السياق ما يفسر ما نجده في روايات اتشيبي خاصة في روايته الأشياء تتداعيThingsFallApart وسهم اللهArrowOfGod من ولع بماضي الحضارة الإفريقية ومن انشغال بإبراز ما كان بها أحيانا من حكمة إنسانية( دون تجميل زائف للماضي, حيث أنه كان يشير بأصابعه لبعض النواقص التي تسرب منها الغزو الغربي). وهو الأمر الذي يتناوله من خلال اللحظات التاريخية التي شهدت بداية الصدام مع الغرب وعمليات تفكك المجتمعات التقليدية ومعها الثقافات والديانات التقليدية وتغلغل الرجل الأبيض في مختلف نواحي الحياة الروحية والمادية للشعوب المستعمرة. وهذه العودة للماضي كما يوضح اتشيبي ليس هدفها الانصراف بطبيعة الحال عن الحاضر لصالح الماضي وأنها هدفها مساعدة المجتمع والأمة علي إعادة قراءة تاريخها واستعادة ثقتها في ذاتها وإعادة إيمانها بنفسها من أجل تجاوز صحي لمرارات الماضي. ولعل موقف اتشيبي هذا والداعي للعودة إلي الجذور يذكرنا بآراء د.عابد الجابري والتي أورد فيها أن جميع النهضات التي عرف عن تاريخها قد بدأت بالانتظام في التراث وبالعودة للجذور ليس لأن تنتكص إلي الوراء ولكن لتقفز منه إلي المستقبل. وحول دور الكاتب في المجتمع وردا علي ما يثار من جانب النقاد الغربيين من انتقادات يري اتشيبي أن الجدية ونقيضها الخفة قد لا تكون في ذاتها جيدة أو سيئة ولكنها اما ملائمة أو غير ملائمة وفقا للظروف المحيطة بها. وأضاف لقد رأيت من الدقيقة الأولي حين بدأت الكتابة الأدبية أن هذه الجدية ملائمة لوضعي. ويوضح قائلا: إن السبب في هذا الاختيار, إني أعتقد أنه بداخلي احتياج كامن عميق لأن أغير وضع الأشياء من حولي وفي أن أجد لنفسي مساحة أكبر قليلا من تلك التي سمحت لي في العالم. ويضيف أن عضو الارساليات التبشيرية من ترك الحياة المريحة في أوروبا ليتجول في غاباتنا كان في قمة الجدية. وكان عليه أن يكون كذلك. فقد جاء ليغير من عالمي. أن هؤلاء ممن شيدوا الامبراطورية وحولوني إلي شخص يرزخ تحت الحماية البريطانية كانوا يعرفون الجدية. ويستطرد قائلا والآن فالأمر يبدو لي شديد الوضوح إذا رغبت في أن أغير الدور والهوية التي شكلت لي من جانب هؤلاء العملاء الجادين للاستعمار سوف أكون في حاجة لأن استعير بعضا من حسمهم. ومع ذلك لم يتوقف انتاج اتشيبي عند اللحظات التاريخية المبكرة للصدام بين الحضارة الإفريقية والحضارة الغربية, ولكنه تناول في أعمال روائية أخري مثل رواية رجل الشعبAmanofThePeople مرحلة ما بعد الاستقلال الوطني, ورصد خيبة الأمل التي منيت بها الشعوب في العالم الثالث من جراء تورط النخبة الوطنية الحاكمة في الفساد وفي علاقة تبعية للغرب. وأخيرا إذا كان اتشيبي قد قال إنه سيكون أمرا مرضيا تماما له لو حقق هذه الأهداف في رواياته.. فتقول له لقد حققت فإرقد بسلام.. فماضينا لم يكن ليلا واحدا طويلا من الهمجية!