حرمني لص مثقف من اتمام كتاب الدكتور جلال أمين ماذا حدث للمصريين? الذي ألفه قبل ثورة يناير بعشر سنوات, بعد أن أمتعني تشريحه لأمراض المجتمع المصري في التسعينيات, وقال أنها مقدمات الثورات الكبري في التاريخ, فخرجت من الأهرام مترجلا وقاصدا سور الأزبكية لشراء الكتاب ثانية, وفي الطريق نط السؤال ماذا حدث للمصريين؟ فشارع عبدالخالق ثروت الذي كان سفارة لأحدث خطوط الموضة العالمية حيث كانت الشركات تتنافس في طلب باعة مؤهلين بقدر من الجمال, يستقبلون زبائنهم بابتسامات مميزة لعاشقي الجودة والفسحة, أصبح امتدادا لوكالة البلح, يختلط الباعة اللاجئون بالنشالين والمحتالين, واختفت واجهات المحلات وفخامة مداخل العمارات خلف صناديق البضاعة, وتلال القمامة ومطاعم بير السلم, ووقع نهر الشارع ورصيفه في أسر ترولات الملابس ومرابط الكارو وأكوام الخردة والحدايد.. وبصعوبة بالغة عبرت نفق محطة مترو العتبة بين الأحذية والمنظفات والباعة السريحة, وبعد خنقة في سرداب طويل صعدت إلي حيث كان سور الأزبكية وفي ذاكرتي أصوات أم كلثوم وعبد الوهاب ونجاة وحليم والحجار تعلن عن أروع رئات مدينة الألف كتاب والألف بائع بالإشارة يغوصون لاستخراج جواهر الكتب, فوجئت بلدغ أصوات تنطلق من ميكروفونات المفارش تؤذي سمعك بنفس لزاجة المحتل الدخيل علي التجارة في قمصان النوم والصنادل وكروت الشحن ومفكات ومسامير العدد والمرايات والجوارب.. والثلاثة بعشرة..., وأهرب من عروض الشراء بالإكراه: أين باعة الكتب؟ فيحيلني بائع الموبايلات الصيني في ضيق إلي بائع الجينز التركي مكشوف الصدر الي مغارة محشورة, وأسأل هل لديك كتاب ماذا حدث للمصريين؟ فيجيب في أسف نادر: جاي بكرة, ويضيف باحتراف: عندي الأحدث منه لجلال أمين, هو ماذا حدث للثورة المصرية؟ فأشتري معه عجائب الآثار للجبرتي, الذي يتناول أخطر فصول احتلال الفرنساوية للقلعة, ثم أفر بجلدي عائدا عبر مستوطنات الباعة العاطلين بشارع فؤاد, وأمام مقهي الأمريكين أسأل بائع كتب سوداني: ماذا حدث للمصريين ياعم عاصم؟ فأجابني بخفة ظل نوبية: انتكسوا ولا يعلمون أنهم انتكسوا, وينقلني مكر الإجابة إلي مخطط حشو قلب القاهرة التاريخي بجيوش العاطلين, فيما أسماه جلال أمين مكر التاريخ, وأن ما تعيشه الثورة الآن من فوضي يشبه انتكاسة يونيو67, لأن الذين تسلموا الإدارة بعد حرمان, نسوا الثورة, وأغوتهم حلاوة المال والسلطان! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف