مشاهد عبثية تستعصي علي الفهم هي لسان حال ما يحدث الآن فلا ندري من يشتبك مع من؟ حيث أختلط الحابل بالنابل واختلفت الأقوال عن الأفعال وتحولت الأفراح بديمقراطية الانتخابات إلي دكتاتورية المواقف، وخطوات الانطلاق والبناء إلي التخريب والحرق حتى للتاريخ ومن الوعود إلي مخالفتها بضراوة، ومن إحياء الضمير الوطني إلي تفضيل الذات، فلقد سقط الجميع في حب الوطن وتحولت المفاهيم إلي الغاز مغلوطة تحتاج إلي نور الثورة المصرية المتوهج في فبراير الماضي، والتي تكافح كل الأطراف علي الساحة لإخماده ورجوع عقارب الساعة إلي الخلف وأبدا لن تعود. فمع نهاية اليوم الثاني للمرحلة الثانية لانتخابات برلمان الثورة "طوق النجاة" تتغير بوصلة الأخبار للإعلان عن موقعة جديدة هي "الحواوشي" بعد تسمم سبعة وتسعون من معتصمي شارع مجلس الوزراء اثر هجوم قادته سيدة أو سيدتان أو سيدة ورجلان فقد اختلفت الراويات والنتيجة "لهو خفي" وتصيح الجموع "مش هنمشي ولا بالحواوشي"، ثم الإعلان عن جمعة تحت شعار "اشتر مصري عشان ننقذ اقتصادنا وننهض ببلدنا" لدعم شعار "صنع في مصر" وإحداث رواج في الأسواق الراكدة فإذ تتغير لجمعة حزن يدمي قلب الوطن بشرارة مكشوفة "موقعة عبودي" احد معتصمي مجلس الوزراء الذي حاول يحضر كورته الشراب بعد أن دخلت مبني مجلس الشعب بعد إستذان حراسته لإعادتها التي رفضت فكان مصيره الضرب المفرط ليكون حبيس غرفة العناية المركزة وتنطلق جحافل العسكري لفض الاعتصام بالقوة لينتهي كالعادة بكارثة وشهداء ومصابين وخسائر في الممتلكات العامة والخاصة رغم الوعد "العسكري" بضبط النفس وبلم ولن نستخدم أي طلقات أو نستهدف ثوار مصر و"الجنزوري" ذو الصلاحيات الكاملة بلن يفض الاعتصام بالقوة أو حتى باللفظ، ولكنه بعد المهزلة في فضه لم يعلق علي إلا بعد مرور 20 ساعة كاملة في بيان هزيل بأن قوات الجيش لم تطلق النار والطلقات جاءت من وسط المعتصمين "يا حلاوة" ومطالبة "الاستشاري" بالتحقيق بعد استقالة وتعليق عضوية كثير من أعضائه. ونري الآن مشاهد وأحداث تشيب لها الولدان في بطون أمهاتها 12 شهيدا من شباب الثوار قدم حياته فداء للحرية التي ينشدها بعد أن استقرت في أجسادهم وخاصة الرأس والصدر رصاص "لهو خفي" منهم الشهيد الشيخ عماد الدين عفت مدير إدارة الحساب الشرعي بدار الإفتاء والدكتور علاء عبدالهادي طالب في خامسة طب عين شمس واحمد محمود منصور بكالوريوس إعلام وغيرهم ومئات من المصابين بكسور وحروق وكدمات شديدة، من جراء الحجارة التي تتطاير يمينا وشمالا في كل الاتجاهات وكأنها حرب الحجارة بين المحتجين مع قوات الجيش و"اللهو الخفي" من فوق أسطح مجلسي الوزراء والشعب وبين كر وفر بين شوارع القصر العيني والتحرير حتى وسط البلد، حتى وصل الأمر إلي اشتعال الحريق في المجمع العلمي "تاريخ مصر" الذي أنشئ في 20 أغسطس 1798 بقرار من نابليون بونابرت ويضم مكتبة ضخمة لنحو 400 ألف كتاب من أمهات الكتب في مختلف العلوم علي رأسها كتاب وصف مصر 20 مجلدا بعنوان وصف مصر أو مجموع الملاحظات والبحوث التي تمت في مصر خلال الحملة الفرنسية تمت كتابتها وتجمعيها من قبل 150 عالما وألف متخصص من خيرة الفنانين والرسامين والتقنيين وتعد هذه المجموعة أكبر وأشمل موسوعة للأراضي والآثار المصرية، والجمعية الجغرافية التي تضم مكتبتها 40 ألف كتاب أبرزها أطلس باسم مصر الدنيا والعليا مكتوب 1752 وأطلس ألماني عن مصر وإثيوبيا 1842 وأطلس ليسوس وهو ليس له نظير في العالم، ومباني مجلس الشعب وهيئة الطرق والكباري، كل هذه المباني والممتلكات الحكومية ولم يتحرك أحدا لحمايتها بمجرد استشعار بدء هذه الأحداث أو إخماد حرائقها وإتلافها "فما الهدف للهو الخفي؟!" وخلاصة القول إذا المجلس العسكري لم يستطع إدارة الفترة الانتقالية وحماية الثورة كما ينبغي وأصبح دوره محل ريبة ولم يستطع منع قواته من قتل المتظاهرين، وحماية المنشآت العامة فاحترق بين يديه ثروات مصر العلمية والبرلمانية، وأخفق في التعامل مع كل الاعتصامات السلمية التي تعهد بعدم مسها فإذ به يتعامل بقسوة من ماسبيرو للعباسية للتحرير لمجلس الوزراء والقصر العيني، ولم يحسم تحقيق مطالب الثورة أو محاكمة الفاسدين وقتلة الثوار وأطلق رجال النظام السابق يركبوا الثورة من أجل إجهاضها، وأكتفي بتحميل كل خطاياه مرة علي شباب الثورة "البلطجية" أو الإعلام سواء بأنواعه، وفشل في تحقيق الأمن للمواطن والمنشآت والطرق والموانئ ولم يقيم اقتصادا.. فلكل هذه الأسباب أدعو الجميع بعد أن فشل في حب الوطن علي حب الذات لقراءة التاريخ جيدا فمصر لن تتراجع أو تستسلم لتحقيق أهداف ثورتها خشية علي مصالحهم سواء كانوا من الداخل أو من الخارج، وسيأتي يوما تنكشف الحقائق كاملة مهما كانت مفزعة ونعرف حينها تفاصيل المخططات ووسائل تمويلها وبعض أبطالها من مفسدي الفرحة وإجهاض الأمل من أجل الالتفات علي الثورة وحب كرسي الحكم أو صفقة للخروج الآمن. المزيد من مقالات محمد مصطفى