لاشك أن خطاب المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي وجهه للشعب جاء متوازنا ومعقولا إلي حد كبير, وإن كانت صورته لدي النخبة وشباب الثورة قد تراجعت لبطء المجلس وضعف الحكومة وسوء إدارة الشرطة والانفلات الأمني وانتشار البلطجة. فما يحدث في مصر شيء غير قابل للتصديق, وأقرب إلي اللا معقول, فلا يعقل أن يخرج الناس للتظاهر أو الاعتصام السلمي فيواجهون بمن يقتل أو يصاب سواء بفعل الشرطة أو فلول البلطجة المضادة, لدرجة أن بعض الشباب يسجل علي ذراعه اسمه وعنوانه ورقم تليفونه لإمكان التعرف عليه في المشرحة. ويتساقط القتلي والجرحي دون حساب أو مسئولية. ولاشك أن المطالبة برحيل القوات المسلحة أمر يصعب تنفيذه, خاصة وأن البلاد تعيش الآن في حالة من الغليان والفوضي, وفي حالة رحيل المجلس العسكري من سيحمي البلاد. وإذا سقط الجيش سقطت الدولة. وإذا تخلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة عن السلطة فإن ذلك يعد خيانة للأمانة. وللأسف بدأ خطر الانقسام, فالثوار بميدان التحرير يطالبون برحيل العسكري وفي العباسية يدعون لبقائه, والخلاف يسود المحافظات. والبعض يؤيد الدكتور الجنزوري رئيسا لحكومة الإنقاذ, والبعض يرفضه, ويطالب بآخر من قلب الميدان. والجنزوري يعلن بعد تكليفه بتشكيل الحكومة أن صلاحياته تتجاوز أي رئيس وزراء سابق وقد قبل التكليف لثقته في التزام المجلس العسكري بتسليم السلطة. ومهما تكن أخطاء المجلس العسكري, وتهاونه وبطأه فلابد أن نغفرها باعتباره المؤسسة الوحيدة المتماسكة الآن, ولابد من التهدئة وانتظار تنفيذ الوعود التي أعلنها المجلس العسكري وعدم الحكم عليها مسبقا باعتباره خطأ كبيرا في تلك الظروف, حتي وإن كان البعض قد رفض خطاب المشير علي أساس أنه جاء متأخرا. وإن كان خطاب المشير لم يلب طموح البعض إلا أنه لا يخلو من إيجابيات, في مقدمتها تحديد موعد الانتخابات الرئاسية وتسليم السلطة في منتصف عام2012 وإقالة حكومة الدكتور شرف وتشكيل حكومة إنقاذ وطني يكون لها جميع الصلاحيات وإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المحدد. والمؤكد أن المجلس العسكري ليس امتدادا للنظام السابق وليسوا طلاب سلطة أو راغبين في وراثتها, والمجلس قبل السلطة من منطلق وطني في وقت لم تكن هناك مؤسسة قائمة غير القوات المسلحة. ولابد أن نعلم أن هناك قوي خطيرة محلية وأجنبية تبذل مجهودات ضخمة وتنفق الملايين لانهيار الدولة المصرية. لذلك يجب علي المصريين الوعي والحرص علي أن يتم المجلس العسكري مسئولياته ويسلم السلطة إلي سلطة منتخبة ويعود إلي ثكناته ومهماته الوطنية والقومية, بعد أن يؤدي الرئيس الجديد المنتخب اليمين الدستورية أول يوليو.2012 ولقد أصدر المجلس بيانا واتفقت عليه القوي السياسية مع الفريق سامي عنان تعهد فيه المجلس بتشكيل حكومة إنقاذ وطني تحقق أهداف الثورة بعد قبول استقالة حكومة الدكتور شرف. ووضع خطة زمنية لتسليم السلطة في موعد غايته نهاية يونيو2012 والوقف الفوري لجميع أعمال العنف ضد المتظاهرين والإفراج عن المقبوض عليهم وصرف معاشات لأسر الشهداء وعلاج مصابي الأحداث الأخيرة علي نفقة الدولة. ودعا المجلس جميع القوي السياسية والوطنية إلي التكاتف لمواجهة الظروف الحالية التي تواجهها مصر للنيل من استقرارها في هذا التوقيت وإعلاء النظرة القومية علي المصالح الخاصة, للحفاظ علي كيان الدولة وسرعة التحول لبناء النظام الديمقراطي الذي ينشده الجميع لمصر وشعبها العظيم. والحمد لله ان القوات المسلحة نجحت بامتياز في اجراء المرحلة الاولي من الانتخابات البرلمانية والأمل أن تبدأ حكومة الدكتور الجنزوري حكومة الإنقاذ الوطني مهامها لانتشال البلد من خطر التشتت والانقسام والوصول بالثورة إلي بر الأمان.