ما لم يكن ما سمعته من محدثي مؤيدا بصور كنت لا أصدق ما قاله لي حين صلي الجمعة في أحد المساجد, ومن بين المصلين كان هناك رجل خرج بعد الصلاة يمتطي سيارة ضخمة ذات الدفع الرباعي وقد يكون الأمر حتي هنا عاديا, ولكن الأمر غير العادي هو أن السيارة تحمل أرقام أتوبيس ويستخدمها راكبها كسيارة خاصة, والأدهي أن عليها شعار مجلس الشعب, مما يبين أن مالكها من السادة النواب أو أن أحدا وضع عليها هذا الشعار لتوسيع السكة أمامه ومن لزوم الأبهة. وتساءل محدثي: هل يجوز أن يستخدم أحد سيارة ضخمة مثل هذه تلتهم مئات اللترات من البنزين المدعم في اليوم, فضلا عن جمركتها وترخيصها سيارة أتوبيس بملاليم؟ وكيف يجري هذا, بينما المفترض الدفاع عن حقوق المواطن وحقوق الدولة وتوصيل الدعم إلي مستحقيه وإلي أن يسدد كل مواطن الالتزامات الملتزم بها دون التفاف علي القوانين. إن هناك ثغرة يستفيد منها بعض الأغنياء حين يستوردون هذه السيارة الضخمة ويلتفون علي القانون الذي يسمح لسيارات ذات ال11 مقعدا بالترخيص أتوبيس, وهو أقل بكثير جدا من رسوم ترخيص أرخص وأقل سيارة, واختتم محدثي كلامه: هل الحصانة دخلت إلي الأتوبيس؟ إننا نطالب بوقف هذه المهزلة, ولاتوجد صعوبة في البيانات, فهي بالتأكيد متوافرة لدي سلطات الجمارك وسلطات المرور, والأمر يقتضي فقط وجود لجنة مرور وتعليمات إلي رجال المرور بسحب تراخيص هذه السيارات الفارهة. إن هذه القصة لا تفسر فقط كيف أن بعض الأغنياء يجترئون علي حقوق الدولة تحت مظلة قوانينها, ولكنها تفسر لنا أيضا مسالك ومسارات نهب الدعم واستحلال ذلك, ووقوف الدولة والعقول عاجزة عن إحقاق الحق في الدعم لمن يستحقه فقط. ومن ثم هذا الأمر يقودنا إلي التساؤل: هل عجزنا عن وضع الدعم في نصابه الحقيقي؟. دعونا أولا نعطي صورة رقمية سريعة عن هذا التسرب واستيلاء الأغنياء علي الدعم ثم نطرح ثانيا بعض الأفكار غير التقليدية لإحاطة الدعم بسياج لا يستطيع أن ينفذ إليه أغنياء هذا البلد. صحيح أن هناك تحولا اقتصاديا نحو اقتصاد السوق, وأن فترات التحول عادة تشهد تحولات اجتماعية مماثلة بظهور طبقات جديدة واتساع نطاق طبقات أخري, بل وفوارق بين الطبقات, غير أن هذا لاينفي وجود آليات لدي الدولة لمواجهة الآثار السلبية لتلك التحولات, وقد ظهر جليا أن الأغنياء يزدادون غني, بينما تتسع دائرة الفقراء. هذه الظاهرة ترتبط بأن جزءا من الغني يعود إلي وضع يد بعض الأغنياء علي مستحقات الفقراء من دعم, واستغلال بعض ثغرات القوانين لتحقيق ايرادات ضخمة أو توفير نفقات كان يجب قيامهم بأدائها( مثل حالة جمارك الأتوبيس), وبالتالي فإن الفقراء يرددون المثل: يا نحلة لا تلسعيني ولا عايز عسل منك. الاسئلة تدور منذ أكثر من40 عاما ولاتزال الاجابة عنها غامضة أو تائهة, وحتي لو كانت موجودة فإن البعض لا يجرؤ علي اتخاذ القرار, باعتبار أنه قرار سياسي وحساس. وإذا كانت الدولة تفكر جديا في قضية الدعم سواء من حيث ترشيد نفقاته, حيث بلغ ثلث إنفاق الدولة أو من حيث ضمان وصوله إلي مستحقيه أو بعبارة أخري إبعاد واستبعاد الاغنياء من استغلاله فإنها وهذه هي النصيحة يجب أن تضع يدها علي موطن الداء, و القربة التي يتسرب منها الدعم وثغراته, وهي دعم المنتجات البترولية. وهنا أسوق هذه الحقائق نقلا عن دراسات مركز معلومات مركز الوزراء: مصر تحتل المركز التاسع من حيث الدول الأكثر دعما للبنزين مصر تحتل المركز الخامس من حيث أكثر الدول دعما للسولار, أيضا وهذا هو الاهم أن الدعم يتضمن العديد من السلع والخدمات, ولكن المنتجات البترولية وحدها تستحوذ علي75% من إجمالي الدعم. إن قضية الدعم وإصلاحه تكمن أولا وأخيرا في قطاع المنتجات البترولية, وفي رأينا أن هذا يمكن علاجه وضمانا لوصوله إلي مستحقيه علي النحو التالي: 1 دعم البوتاجاز: يمنح كل مواطن له بطاقة تموينية عدد2 كوبون يحصل بهما علي انبوبتي بوتاجاز مدعمة شهريا بشرط ألا يكون مسكنه قد دخل إليه الغاز الطبيعي. وبذلك نستبعد الذين يستخدمون إسطوانات البوتاجاز في محال الفول والطعمية والمقاهي والمطاعم وفنادق الخمس نجوم, والذين يقدمون الطعام علي الرصيف... فإن هذا تصحيح لابد منه. 2 فيما يتعلق بالبنزين فإن هناك اتفاقا عاما علي استغفال الدعم في سيارات الأغنياء... وليكن البنزين المدعم من حق السيارات الأقل من1600 سي.سي. ويمكن استخدام الكوبونات أيضا كوسيلة ومعيار للتوزيع بمعني أن كل سيارة تقل سعتها اللترية عن1600 سي.سي تحصل عند تجديد ترخيصهاسنوياعلي دفتر كوبونات بمعدل مائة لتر بنزين علي سبيل المثال شهريا وكل شهر كوبوناته لها لون خاص, ويحصل صاحبها بمقتضاها من محطات البنزين علي تلك الكمية شهريا بسعر مدعم. أما إذا أراد أكثر من ذلك فليدفع السعر الحر للبنزين, وكذلك كل السيارات ذات السعة اللترية الأكثر من1600 سي.سي. 3 حتي فيما يتعلق بالخبز المدعم فإنه يمكن تكليف مخابز الدولة المنتجة له بإنتاج الخبز المدعم, وإلي جانبه تدخلها, كمنافس بتكليفها بإنتاج خبز بمواصفات أخري يتم تغليفها وبيعها في منافذ البيع الحكومية كالجميعات الاستهلاكية باسعار السوق, وهي بذلك تدير عملية الدقيق وإنتاج الخبز بشكل اقتصادي يحقق عائدا تستطيع أن تنفق منه علي الدعم, والمعني هنا أن تنويع الانتاج وتنويع الاسعار من الممكن أن يشيل بعضه, بل ويحقق عائدا إذا ما تمت إدارته بشكل منضبط, وهو أمر ممكن. دعونا نجرب مرة حلولا غير تقليدية لمشكلات مزمنة لن تجدي معها الحلول التقليدية. إن حجب الدعم عن الأغنياء سوف يوفر مليارات للميزانية يجب أن توجه بجد إلي مدارس الفقراء ومستشفيات الفقراء دون أية أعباء علي الدولة.