داخل مستشفي قصر العيني اختلطت دموع الحزن بدموع التباهي والتفاخر بين المصابين الذين تعرضوا للقذف بالأسلحة النارية والخرطوش, مما ترتب عليه اصابة العديد منهم في العين والصدر وغيرها, حيث يتكدس العشرات داخل عنبري الرمد بالمستشفي. وينتظر الضحايا مصيرا مجهولا, ورغم علمهم بأن الثمن قد يكون ذهاب البصر والعيش بعاهة مستديمة الي أبد الدهر إلا أن نبرة فرحة وتباهي تخرج من أفواه الضحايا, وهم يتفاخرون بأنهم مستعدون للموت كي تحيا مصر. المشاهد إنسانية والبعض منها تدمي القلوب أبطالها صبية لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة تركوا دراستهم ومدارسهم وشدوا الرحال للميدان ليشتد العود الأخضر, ويشارك رفاقه في التحرير. البطل الصغير إسلام رمضان15 سنة كان يجلس مع والديه لمشاهدة التليفزيون ومتابعة ما يدور في ميدان التحرير, وثارت النيران في دمائه الطاهرة عندما شاهد القتلي والجرحي يتساقطون في الميدان, فقرر ان يشارك معهم وأدرك أنه لو كشف عن أمنيته لوالديه سوف يرفضان, واستيقظ في الصباح وجمع داخل حقيبته المدرسية كمية كبيرة من المأكولات كي يوزعها علي رجال الميدان, وتوجه صباحا ومعه مجموعة من زملائه, وأثناء اشتراكه في الهتافات طالته يد باطشة تحمل فرد خرطوش وأمطرته بوابل من الشظايا لتخترق جسده النحيل, وسالت الدماء علي الأرض, حيث قام رفاقه بنقله الي مستشفي قصر العيني لاسعافه, وأبلغت إدارة المستشفي أسرته التي التفت حوله وهو علي فراش المرض في انتظار من يخرج هذا الكم من الشظايا من جسده النحيل. ولأن دماء الثورة تسري في عروق الصبية فقد دفع الابن الوحيد قدميه وعقله فداء لمصر, حيث خرج خالد عبدالناصر15 سنة من منزله بمنطقة بولاق الدكرور متوجها الي مدرسته الاعدادية كعادته إلا أنه سمع في الشارع أن العشرات يتساقطون داخل ميدان التحرير, فألقي بحقيبته المدرسية في الشارع وهرول الي الميدان وكأن قدرا مكتوبا كان ينتظره فلم ترحم الرصاصات الغادرة صغر سنه أو انه الابن الوحيد لوالديه, واستقرت الرصاصة في عنقه, وأخري في ظهره, وعلي أثرها اصيب بغيبوبة واصيب بالشلل ويرقد داخل المستشفي في عالم آخر ووالدته تسكب الدموع من عينيها. عبدالله محمد16 سنة طالب بالثانوية العامة اصيب بشظايا الطلقات في عينه اليمني ونزفت الدماء من عينيه ومازالت الشظايا تسكن عينيه وينتظره مصير مجهول, فقد يتعرض لفقد عينيه ورغم انه يدرك ذلك إلا أنه فخور بنفسه ويتمني الشفاء ليعود ثانية الي الميدان. شريف فوزي18 سنة طالب بالسنة الأولي بكلية التجارة جامعة حلوان, كاد أن يفقد عقله عندما شاهد المتظاهرين يتعرضون للضرب عبر شاشات التليفزيون وأدرك انهم خرجوا لحماية الشعب والدفاع عنه وهو ليس أقل منهم شجاعة وليس أقل منهم حبا لمصر, وفي اليوم التالي خرج للمظاهرات, ومرت الساعات الأولي من النهار بسلام وهو يهتف ويشارك, وفي لمح البصر حدث ما أفقده البصر, حيث فوجئ بكميات هائلة من الشظايا والخرز تخترق عينه اليمني, وسالت الدماء من عينه وحمله عدد من المتظاهرين الي مستشفي قصر العيني ورغم علمه بأنه قد يفقد إحدي عينيه إلا أنه أكد أنه مستعد للتضحية بحياته من أجل مصر. عمرو فتحي16 سنة عامل بسيط بمصنع سيراميك يبحث عن قوته اليومي ليسد الأفواه الجائعة لأسرته البسيطة, وعلم من اسرته ان صديقه الوحيد استشهد في الميدان, وتوجه مع أسرة صديقه الي الميدان للبحث عنه وبمجرد أن وطأت قدماه أرض الميدان كانت رصاصات غادرة في انتظاره, واستقرت في عينه اليمني وبطنه وقدميه, ورغم ان غيبوبة تنتابه إلا انه عندما يفيق يسأل عن صديق عمره المتوفي ثم يدخل في غيبوبته مرة أخري. محمد طارق19 سنة دبلوم تجارة عامل رغم انه لم ينل حظه الوافي من الدراسة إلا أنه اشترك في ثورة25 يناير ولم يغادر الميدان يوما واحدا, ورغم توسلات أسرته بعدم الذهاب الي الميدان إلا أنه أصر وأقسم ألا يغادر الميدان إلا محمولا علي اكتاف زملائه وبالفعل تحققت رغبته, حيث اخترقت كليته رصاصة غادرة افقدته الوعي ويرقد حاليا داخل المستشفي بين الحياة والموت. هذه كانت بعضا من قصص مئات الضحايا الذين يرقدون داخل مستشفي قصر العيني يتلقون العلاج.