الناطور هو الحارس اي الشرطي بلغة هذا الزمان الذي لم يدركه المتنبي عندما رثا احوال بلادنا بقوله: نامت نواطير مصر عن ثعالبها.. فما بشمت وما تفني العناقيد. يريد ان يخبرنا ان الحراس تركوا اللصوص يستنزفون ثرواتنا دون ان يشبعوا ومع ذلك فان خير مصر لم ينضب. ولان التاريخ يعيد نفسه فليس غريبا ان يكرر نواطير الداخلية ما فعله اسلافهم. فلابد ان نواطير المتنبي كانوا ايضا في حالة اضراب او اعتصام وإلا ما تركوا اللصوص يمرحون, غير ان لغته لم تسعفه باستخدام هذه التعبيرات العصرية الجديدة رغم فحولته الشعرية. نحن مدينين بالشكر للشاعر الكبير لأنه قدم تسجيلا موثقا علي اننا امة يرتع في ربوعها اللصوص منذ قديم الازل ولا ينفد خيرها. وان لشرطتها سوابق في النوم او التناوم او الاضراب او الاعتصام لا فرق فكل ذلك في الاثم سواء. في كل الاحوال هنيئا لثعالب مصر وذئابها البشرية وبلطجيتها ولصوصها بهذا الكرم الامني قديما وحديثا. هذه ليست محاولة لجلد الشرطة او السخرية منها فلديها من المشاكل والمظالم والمتاعب ما يكفي. الشرطة مفتري عليها وهذا ما يجب ان نعترف به. ولكنها ايضا افترت علينا وهذا ما ينبغي ان تعترف هي به. هذه اذن دعوة للمصارحة مهما كانت مؤلمة, لأنها السبيل الوحيد للعلاج. ومادام الامر كذلك فإننا نقدم ما لدينا من حقائق مريرة في جرعات مكثفة. اولاها ان جانبا كبيرا من الشعب يكره الشرطة والشرطة تكره الاخوان وهؤلاء لا يثقون فيها. ولكن الاطراف الثلاثة مضطرة للتعامل معا. الحقيقة المريرة الثانية ان هناك ثأرا مبيتا بين الاطراف الثلاثة. الشعب ذاق صنوف العذاب والهوان والقتل علي ايدي الشرطة طيلة العقود الماضية وخلال الثورة. والشباب يعتقدون انها الان في اضعف حالاتها وان الوقت هو الانسب للانتقام منها. رجال الامن ايضا لديهم احساس بالإهانة. وقد انتقموا لأنفسهم من الشعب الذي ثار عليهم. وجاء انتقامهم في صورة اضراب غير معلن بعد الثورة. كثيرون لديهم ذكريات مريرة عن هذه الايام التي تفشت فيها جرائم القتل والاختطاف والسطو المسلح في ظل غياب امني متعمد. التيار الاسلامي وفي مقدمته الاخوان لديه ايضا حساب قديم مع الشرطة التي نكلت به لسنوات طويلة ومن غير المستبعد انه يتحين الفرصة للرد. في المقابل فان الكثير من قيادات الداخلية خاصة امن الدولة لا يمكنها استيعاب ان اعداء الامس اصبحوا حكام اليوم. ومن غير المستبعد ان تعمل علي اسقاطهم او علي الاقل تهيئة المسرح لذلك. الحقيقة الثالثة اننا الان في الموجة الثانية لتمرد الشرطة او انتقامها. وهي الاخطر لأنها معلنة وجماعية وتكتسي بمطالب سياسية مريبة. يقولون انهم يريدون استقالة وزير الداخلية الاخواني ويرفضون اخونة الوزارة. ولم يعلنوا متي وكيف قاموا بالتحريات التي افضت لنتيجة بهذه الخطورة, اي اخونة الوزارة. ما هي مظاهر هذه الاخونة ومتي ظهرت اعراضها علي الوزير!. لا يمكن افتراض البراءة فيما يجري. ولا يمكن تجاهل ما يتردد من تحذيرات بشأن الثورة المضادة بمشاركة قيادات في الداخلية وباقي الفلول. ليس من الحكمة دائما اتهام من يردد هذا الكلام بأنه مهووس بنظرية المؤامرة. الآن انفجرت قنبلة الغضب في وجه الجميع. وسواء فجرها المتآمرون او المظلومون في الوزارة فان النتيجة واحدة. والحل لن يخرج عن المصارحة والمصالحة. وقبلها الاستجابة للمطالب المشروعة للشرطة مثل التسليح المناسب لمواجهة البلطجية والمخربين. لا يمكن تحت اي ظرف ومهما تكن اخطاء القيادات السابقة السماح بالاعتداء علي رجل الشرطة او اهانته. انهيار الامن يعني انهيار الدولة وأننا اصبحنا في غابة بلا قانون او اخلاق او امان. هذه كارثة لا يمكن تحملها علي المستويين الفردي والقومي. الشرطة كمؤسسة وطنية اصابها في عهد مبارك ما اصاب غيرها من مؤسسات الدولة التي تفشي فيها الفساد. ولم يقل احد انها بؤرة للفاسدين فما زال فيها الكثير من النبلاء والشرفاء والمخلصين. وبأيدي هؤلاء وإرادتهم يمكن إصلاح كل اخطاء الماضي.