عدم القدرة علي حل المشكلات, هي أكبر مشكلة تواجه الأطفال المحرومين من الرعاية الأسرية والمودعين بمؤسسات الإيواء, نتيجة ليتمهم أو لتصدع أسرهم, فعدم القدرة علي تخطي الأزمات التي تواجههم في مختلف مراحل حياتهم وفي مواجهتهم للمشكلات اليومية الصغيرة هي أهم ما يميزهم, وأهم علامة من علامات شخصياتهم. وكما تؤكد د. داليا يوسف البيسي, الأستاذ بقسم علم النفس التربوي بكلية التربية فرع دمياط- جامعة المنصورة, أن القدرة علي حل المشكلات من المطالب الأساسية في حياة الفرد, حيث إنه يواجه الكثير من المشكلات والمواقف الصعبة في حياته اليومية, والتي تحتاج إلي الجهد والمثابرة حتي يصل لحل المشكلة. ويعتبر مفهوم القدرة علي حل المشكلات من المفاهيم المهمة, ومن القدرات الأساسية التي يجب تنميتها عند الأفراد, حيث يكتسب الفرد من خلالها العديد من المعارف النظرية والمهارات العملية المرغوب فيها, كما أن القدرة علي حل المشكلات هي واحدة من أهم الأنشطة التي تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات, ويقصد بها إيجاد طريقة لتخطي صعوبة ما أو تحقيق هدف غير ميسور المنال, ويمكن النظر إلي القدرة علي حل المشكلات بأنها الناتج العملي للذكاء البشري والدالة عليه, وما الحياة إلا سلسلة من المشكلات المتفاوتة الصعوبة, التي يسعي الفرد إلي التغلب عليها وتجاوزها أملا في تحقيق التكيف والوصول إلي الأهداف المنشودة. وتشكل الأسرة دورا رئيسيا بإسهاماتها الفعالة في عملية التطبيع الاجتماعي للفرد بما تقدمه من محاولات لتعليم الأبناء كيفية التمييز بين الصواب والخطأ, وكيفية تكوين اتجاهات سليمة نحو الجماعات والمؤسسات, وتكوين المفاهيم والمدركات الخاصة بالحياة اليومية, وتعلم فن المشاركة في الحياة, والتدرب علي ممارسة الاستقلال الذاتي ونمو واكتساب اتجاه سليم نحو الذات, وكلها عوامل تمكنه من حل المشكلات, فشخصية الطفل ما هي إلا انعكاس للواقع وللظروف البيئية والأسرة التي يحياها الطفل, والأسرة هي الجماعة الاجتماعية الأولي التي لها أكبر الأثر في تكوين شخصية الطفل. وتؤكد د. ولاء أحمد, الأستاذة بمعهد الدراسات التربوية جامعة القاهرة, أن هؤلاء الأطفال المودعين بدور الإيواء غير قادرين دائما علي حل المشكلات التي تعترضهم, وذلك لحرمانهم من الرعاية الأسرية نتيجة ليتمهم أو لتصدع أسرهم إما بالطلاق أو للعجز عن توفير الرعاية السليمة, أو نتيجة لفقدهم هويتهم, حيث إنهم في بعض الأحيان مجهولو النسب ضالين أو معثور عليهم, وبرغم الخدمات التي تقدمها لهم هذه المؤسسات حكومية أو أهلية من توفير أماكن لإيوائهم وإشباع احتياجاتهم الضرورية, فلا يزال هؤلاء الأطفال هم أكثر الأفراد حاجة لفهم مظاهرهم الشخصية وأساليبهم السلوكية, أيضا هم في حاجة إلي فهم المزيد عن ذواتهم, والأهم من هذا كله هم الأكثر حاجة إلي من يساعدهم علي تنمية قدراتهم علي حل المشكلات التي تواجههم بتوليد وإنتاج الأفكار العلمية وإيجاد حلول مقترحة لحل المشكلات, وذلك بهدف إعداد أفراد أسوياء يستطيعون مواجهة مشكلاتهم بوعي واقتدار وبطرق علمية سليمة تعتمد علي التفكير أولا وأخيرا, ويقصد بحل المشكلات قدرة الفرد علي إكتساب المعلومات والمهارات المتاحة بشكل صحيح, وتوظيف ذلك في قدرته علي مواجهة وحل موقف تعرض له, وتعتمد القدرة علي حل المشكلات علي الملاحظة الواعية والتجريب, وجمع المعلومات وتقويمها, كما أنها تعتمد علي عملية الاستقصاء والاكتشاف من أجل الوصول إلي الحل, فالقدرة علي حل المشكلات هي العامل الأكبر الذي يساعد الفرد علي إحداث التوازن مع البيئة التي يعيش فيها والمثيرات التي يتعرض لها. والفرد الذي يسعي دائما لحل المشكلات التي تواجهه يمتلك العديد من المفاهيم أهمها نظرته الثاقبة نحو المستقبل والتنبؤ بما سيحدث له ويواجهه من مشكلات, مما يجعله في حالة تخطيط دائم لوضع حلول لأي مشكلة قد تعترض طريقه. ومن هنا تؤكد د. داليا يوسف ضرورة الاهتمام بأطفال المؤسسات الإيوائية حتي يكونوا عناصر فعالة في المجتمع, وذلك بإجراء المزيد من الدراسات لتنمية قدراتهم علي حل المشكلات ومحاولة فهمهم, وبث الثقة في نفوسهم وتشجيعهم علي الاعتماد علي أنفسهم, وإعطائهم فرصة التعبير عن ذواتهم وطموحاتهم وكيفية تحقيقها من خلال عقد مزيد من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي تهتم بهؤلاء الأطفال, مع الاهتمام بتدريب المشرفين والمشرفات بالمؤسسات الإيوائية علي الأساليب الحديثة التي تمكنهم من تنمية فعالية الذات لدي هؤلاء الأطفال, ومحاولة تعويضهم عن دور الأسرة في جميع الاتجاهات, ومحاولة تنمية قدرتهم علي حل مشكلاتهم لأن لكل منهم ذكور وإناث موقعه في الحياة الذي يتطلب أن يكون فعالا وذا قدرة ومهارة علي حل المشكلات. وعلي القائمين بمؤسسات دور الإيواء مهمة محاولة تعزيز سلوك هؤلاء الأطفال وتزويدهم بالمعلومات التي تزيد من مهاراتهم وقدرتهم علي حل المشكلات, والإستراتيجيات المتنوعة التي تمكنهم من إكتشاف قدراتهم ومهاراتهم لحل مشكلاتهم اليومية والمستقبلية العادية والمركبة التي تختلف بطبيعة الحال في طبيعتها عن مشاكل الأشخاص العاديين.