شقق وفيلات في كومباوندز فاخرة.. بحيرات وحدائق وملاعب جولف شاسعة.. ببساطة هي حياة عنوانها الراحة والرفاهية والفخامة.. هوعالم اخر يحيط بأطراف العاصمة, يطالعنا بغزارة في الصحف وقنوات التليفزيون, من خلال اعلانات عن مشروعات اسكان ضخمة تضم آلاف الوحدات السكنية بأثمان باهظة, في بلد يعيش نصف سكانه تقريبا في احضان الفقر, اما الطبقة المتوسطة التي تتآكل مع الزمن, فقد اعياها البحث عن شقة ملائمة في متناول اليد لمن اذن تبني تلك الشقق الفاخرة, ومن سيسكنها, ومن سيعيش في تلك المدن التي تحاكي المنتجعات السياحية ؟!400 الف جنيه هو اقل سعر ممكن الحصول عليه لامتلاك شقة متواضعة في احد تلك المشروعات, صافي مساحتها لا يصل الي100 متر, هذا ما ذكره لنا اسامة يوسف مسئول مبيعات في احدي شركات الاستثمار العقاري, والذي أقر بانخفاض الاقبال علي الشراء في الاسكان الفاخر الي50% بعد الثورة, ويفسر ذلك بالخوف من اتخاذ خطوات الشراء بسبب عدم استقرار الاوضاع في البلاد, لكنه مع ذلك يري ان السوق العقارية ستبقي متماسكة, ورغم انحسار الطلب الا ان الاسعار سترتفع, فيقول: صاحب المشروع يضطر لرفع السعر لانه اذا قام بالعكس سيحجم المشترون, لان خفض السعر سيعطيهم انطباعا بان قيمة العقار تنخفض وبالتالي يتخوف المشتري من وضع امواله, لكن في الوقت نفسه يقوم صاحب المشروع بعمل عروض وتسهيلات جاذبة في السداد, ويؤكد اسامة ان اغلبية الوحدات المباعة يكون الهدف من امتلاكها الاستثمار وليس السكن,ولهذا يعترف بأن مستقبل تلك الوحدات مجرد اطلال وكتل خرسانية معرضة للتلف مع الزمن في ظل عدم شغلها, مشيرا الي ان هناك كومباوندز جاهزة تماما منذ أكثر من ثلاث سنوات لكنها خالية, الا ان بعض الملاك بدأوا بتأجير وحداتهم للاستفادة منها. ويضيف اسامة ان الوحدات المتوافرة في تلك المشروعات تكفي الشعب المصري كله بل وللاجيال القادمة, ولو اهتمت شركات الاستثمار العقاري بمشروعات الاسكان المتوسط واسكان الشباب ستكسب المزيد وستبيع أكثر, لكنها للاسف تفضل التعامل مع عدد اقل من العملاء وانجاز بيعة كبيرة علي طريقة اخطف واجري! ويعتقد اسامة ان تحجيم هذا النوع من الاستثمار الذي يقوم علي تسقيع الشقق وبيعها باضعاف ثمنها وتحقيق ارباح تصل الي200 و300%, هو فرض ضريبة عقارية يدفعها المالك علي الوحدات العقارية التي لا يستغلها في السكن. الموسم يحدد الطلب تواصلنا ايضا مع مدير التسويق في احدي شركات الاستثمار العقاري رفض ذكر اسمه- كان اكثر تحفظا, ويري ان الاقبال علي الاسكان الفاخر ثابت, والامر كله يتعلق بالمواسم, فالأشهر الاولي من العام يكون الاقبال علي40% من المعروض, خاصة مع ظروف البلاد الحالية فيقول من سيضع500 الف او800 الف جنيه في عقار وهو لا يضمن المستقبل؟, اما في الفترة من مايو حتي اكتوبر يزيد الاقبال الي70%, مؤكدا ان الغرض من الشراء هو الاستثمار, وان سوق العقار المصرية لم تصل مرحلة التشبع, بل لدينا عجز يعادل700 الف شقة سنويا, وستظل الشريحة التي توجه لها المشروعات الفاخرة موجودة. وعلي عكس زملائه, يري امير الذي يعمل منذ سبع سنوات في احدي شركات الاستثمار العقاري ان اغلب من يشترون وحدات في تلك المشروعات يهدفون للسكن فيها, ويفسر قائلا كثيرون ملوا من ضوضاء العاصمة ويبحثون عن الهدوء والنظام والخصوصية, واذا كان احدهم يعيش في شقة رائعة في مصر الجديدة, ففي النهاية هو حي مزدحم,و يمكنه بيعه شقته بمبلغ جيد ليمتلك أخري في احدي المدن الجديدة ويتابع أمير من المدهش احيانا ان اقابل عميلا ينتمي للطبقة المتوسطة, ويمتلك سيارة متواضعة لكنه يشتري فيللا بثلاثة ملايين جنيه, فهناك شريحة من الشعب المصري تطمح في هذا النمط الفاخر من السكن, ويريد الارتقاء بمستوي وجودة حياته, كما انه يجدها وسيلة مضمونة ومربحة لاستثمار امواله, ومع التسهيلات الكثيرة التي توفرها الشركات يجد الحافز للشراء. ويوضح أمير ان فكرة تلك المدن والكومباوندز بدأت منذ التسعينات لكن الناس كانت تحجم بسبب تطرفها وغياب الخدمات, وكان السكن في التجمع الخامس في متناول المصريين لكنهم لم يرغبوا حينها في السكن هناك, ويضيف الشركات التي تعمل في الفاخر ليست كثيرة كما يتصور البعض بل تعمل علي الاسكان فوق المتوسط, وفي بداية انشاء مدينة الرحاب كانت الشقة ب70 الف جنيه وبالتقسيط, اما سوق الاسكان الفاخر فتعمل به حاليا ثلاث شركات كبيرة فقط لا غير, ولا تقل فيه سعر الوحدة عن مليون جنيه, بمساحة200 متر, اما الاسكان فوق المتوسط فيتراوح سعر الوحدة بين600 و700 الف جنيه وتصل الي مليون او مليون و200 الف جنيه تقريبا, ويوضح أمير ان الشريحة التي توجه لها مشروعات الاسكان الفاخر لا تتجاوز10% من الشعب المصري. علي الجانب الاخر طرحنا استفساراتنا علي خبير التقييم العقاري الدكتور احمد أنيس, ليوضح لنا مبدئيا ان المشروعات التي نري اعلاناتها في الصحف والتليفزيون ليست بجديدة وانما تم البدء في تنفيذها قبل قيام الثورة. نقاط عدة اوضحها أنيس أولها ان التغيرات السياسية الهائلة دفعت الناس للاحجام عن شراء العقار فالمستقبل غير واضح لكن المال موجود, ويتابع لم يحدث ان تعرض الشعب المصري لانهيار مالي والطبقة العليا مازالت محتفظة باموالها, و بمجرد الشعور بالاستقرار ستقبل علي الشراء, خاصة مع ما نشهده حاليا من انخفاض في قيمة العملة وارتفاع الاسعار, ومن سيتوافر لديه مبلغ من المال سيستثمره في العقارات. لكن هل الاستثمار في العقار يفيد الاقتصاد المصري؟ الاجابة عند الدكتور انيس: بالقطع لا.. ليس هذا الاستخدام الامثل للاموال, وليس وضعا صحيا او مفيدا للاقتصاد فهو استثمار غير منتج, لكن وسائل الاستثمار في مصر قليلة والبدائل محدودة, فإما التجارة في العملة او المشاركة في البورصة او اقامة مشروع, لكن كم منا يستطيع ذلك, او لديه الخبرة, او لديه القدرة او الرغبة في المغامرة بأمواله, ولهذا يجب ألا نلوم صاحب المال, بل الدولة, لانها غير قادرة علي اجتذاب هذه الاموال, وفي الوقت نفسه لا يمكن ان الوم أصحاب شركات الاستثمار العقاري في توجيه مشروعاتها للفئة القادرة, فهو يبحث عن المستهلك المضمون, والقطاع الخاص لا يستطيع ان يغامر في الظروف الحالية ويبني من اجل محدود الدخل,, ولن تعوضه الدولة في حالة الخسارة. اذن كيف نحل ازمة السكن؟ الدكتور انيس يري ان التمويل العقاري كان الامل الوحيد امام الطبقة المتوسطة, لكنه ولد وقتل لان اجهزة الدولة لم تكن راغبة في اعطائه الفرصة, والآن من يريد شقة في حدود300 الف جنيه لا يجدها فاما يبدأ سعر الشقة من500 الف فصاعدا, او150 الف جنيه فأقل, ويتابع لدينا من400 الف الي600 الف زيجة سنويا, أضف الي ذلك المخزون الهائل من الطلب المتراكم من السنوات الماضية, وكل ما استطعنا انجازه منذ اخر برنامج انتخابي للرئيس السابق مبارك في عام2005 هو500 الف وحدة, والان اصبحت الدولة تمنح اراض, وتتصور انها قامت بدورها, ولا يمكن ان اطلب من القطاع الخاص ان يحل المشكلة, فقد يساهم كجزء من دوره الاجتماعي, لكن لا يمكن الزامه او لومه, فدور القطاع الخاص في اكثر الدول اشتراكية ليس اجتماعيا, ولا يمكن ان يحل محل الدولة.