لم تكد تخفت حدة الانتقادات لسياسات دميتري ميدفيديف رئيس الحكومة الروسية ولما افصح عنه من توجهات في المنتدي الاقتصادي الاخير في دافوس, حتي ظهر فيلم وثائقي مجهول الهوية وجهة الانتاج يستعرض ما وصفه بعض السياسيين والمراقبين الروس بانه خيانة عظمي من جانب ميدفيديف في حق روسيا ومصالحها, وما نسارع لنقول انه افضل رد اعتبار ل الأهرام الذي كان قد تولي بعض هذه القضايا في تقرير له من موسكو في أبريل عام2011, الامر الذي اثار حفيظة الكثيرين ممن راحوا ينتقدون ما خلصنا اليه من استنتاجات حول ابعاد الخلاف بين بوتين وميدفيديف!
يبدو ان النهاية باتت وشيكة.. حملات الهجوم والانتقادات ضد سياسات ميدفيديف تتزايد كما وكيفا!. فبعد الفيلم الوثائقي اليوم الضائع الذي ظهر في صيف عام2012 مع الذكري الرابعة للحرب ضد جورجيا في2008 وتناوله الأهرام في معرض الحديث عن انحسار شعبية ميدفيديف واخفاقاته في ادارة الدولة وقيادة قواتها المسلحة خلال تلك الحرب,تعالت الاصوات التي تقول بوجود الخلافات مع الرئيس بوتين واحتمالات رحيل ميدفيديف. وكان الاهرام قد تناول هذه القضايا في اكثر من تقرير له من موسكو ما جعله في مرمي نيران النقد اللاذع الذي بلغ حد توجيه النصيحة لمراسله في موسكو ب الانصراف الي قضايا الوطن بدلا من تناول ما لا يعنيه. وقد نشر موقع الصحافة الاجنبية علي الشبكة الدولية الترجمة الروسية لرسالة الاهرام من موسكو في10 ابريل2011 حول الخلافات التي احتدمت بين بوتين وميدفيديف علي خلفية قرار الاخير بعدم استخدام حق الفيتو ضد قرار مجلس الامن1973 حول فرض الحظر الجوي ضد ليبيا ما سمح لاحقا باستخدام الناتو لقواته في قصف الاراضي الليبية واغتيال القذافي. ونذكر ان رسالة الاهرام كانت تناولت ملابسات اقالة ميدفيديف للسفير الروسي في ليبيا في سابقة لم يشهد تاريخ الدبلوماسية العالمية لها مثيلا, وهو ما تطرق اليه الشريط التليفزيوني الوثائقي لعبة الداما الموجود حاليا علي مواقع اليوتيوب والانترنت والذي اثار ضجة هائلة لا تزال اصداؤها تصم الاذان حتي الساعة!. وفيما ظهر هذا الشريط الوثائقي غفلا من اي اشارة الي جهة الانتاج, في الوقت الذي ثمة من يقول فيه انه منقول عن موقع دميتري روجوزين نائب رئيس الحكومة الروسية المسئول عن قطاع المؤسسة الصناعية العسكرية, واحد الصقور ورموز التيار القومي المتشدد المعروفين بقربهم من الرئيس بوتين, تقف الساحة السياسية حائرة أمام حقيقة المسئول عن هذا الشريط الوثائقي والصمت الذي يلتزمه الكرملين وعدم اتخاذه أي إجراء رغم ما سبق وصدر من مراسيم وقوانين عهد بموجبها الي جهاز الامن والمخابرات مهمة رقابة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وكان هذا الشريط الوثائقي تضمن عددا من الوقائع التي انطلق منها عدد من المتحدثين من نجوم الساحتين السياسية والصناعية العسكرية في اتهامه لميدفيديف بارتكاب جريمة الخيانة العظمي والاضرار بأمن الدولة ومصالحها الاقتصادية لحساب الغرب والناتو إبان ولايته كرئيس للبلاد خلال الفترة20122008. وقد شملت قائمة المتحدثين يفجيني بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الاسبق الذي بدا اكثر حرصا علي اختيار لغة النقد والاتهام, والجنرال ليونيد ايفاشوف رئيس الأكاديمية الجيوسياسية وفلاديمير تشاموف سفير روسيا السابق لدي ليبيا الذي أقاله ميدفيديف من منصبه قبل موعد إقرار مجلس الأمن للقرار1973 بساعتين فقط في17 مارس( آذار)2011, وآخرون من ممثلي قيادات المؤسسة الصناعية العسكرية, فضلا عن الاستشهاد بمقتطفات من تصريحات رئيس الدولة بوتين وسلفه ميدفيديف. وقد حمل المتحدثون في هذا الشريط التليفزيوني الوثائقي علي ميدفيديف بسبب عدم إصدار تعليماته إلي مندوب روسيا في مجلس الأمن الدولي لاستخدام حق الفيتو ضد القرارين1970 و1973 من أجل الحيلولة دون فرض الحظر علي تسليح ليبيا ومنع توفير الغطاء القانوني للعمليات العسكرية التي قامت بها قوات الناتو في ليبيا للإطاحة بحكم الزعيم الليبي معمر القذافي. وفي هذا الفيلم الذي طالت مشاهده حتي الساعة وربع الساعة واختاروا له اسما اشتقوه من عنوان كتاب زبيحنيو بجيزينسكي المستشار الأسبق للأمن القومي الأميركي رقعة الشطرنج الكبري, استنكر الكثيرون ومنهم الرئيس بوتين عملية التنكيل بالقذافي وقتله بإيعاز مباشر من الدول الغربية التي سبق ودعمت الانفصاليين في ليبيا وتعاونت مع الإسلاميين المتطرفين وخلايا القاعدة هناك, فيما استعرض المتحدثون مسلسل سقوط الرئيس السابق ميدفيديف في شرك الدوائر الغربية التي كثيرا ما أعربت عن استحسانها لما اتخذه من قرارات ألحقت الكثير من الأضرار الفادحة بالأمن القومي الروسي إلي جانب الخسائر الهائلة التي تكبدتها المؤسسة العسكرية الصناعية وشركات النفط والغاز وهيئة السكك الحديدية الروسية. وقال المسئولون عن الكثير من مصانع الأسلحة والمنظومات الصاروخية إن ما تكبدته هذه المصانع من خسائر بلغ في مجمله ما يقرب من عشرين مليار دولار تحول في واقع الأمر إلي مكاسب هائلة اقتسمتها مصانع الأسلحة في البلدان الغربية نتيجة الحملة العسكرية الظالمة التي قامت بها قوات الناتو ضد ليبيا في عام.2011 وأعرب الجنرال ليونيد ايفاشوف رئيس الأكاديمية الجيوسياسية عن أسفه تجاه أن القانون الجنائي الروسي يخلو من المواد التي كان يمكن أن يحاكم ميدفيديف بموجبها بتهمة الخيانة العظمي جزاء ما لحق بأمن روسيا ومصالحها الاقتصادية والعسكرية ومكانتها في الساحة الدولية. وخلص إلي أن الشعب الروسي أصدر حكمه علي ميدفيديف علي نحو مماثل لما سبق وأصدره في حق الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف الذي طرب الغرب لما قام به من أجل تحطيم جدار برلين لينتهي به الحال إلي تدمير الاتحاد السوفيتي!. أما عن اسم الفيلم لعبة الداما فقد استوحاه منتجو الفيلم من اسم كتاب زبيحنيو بجيزينسكي المستشار الأسبق للأمن القومي الأميركي رقعة الشطرنج الكبري, وهو ما دفع الجنرال ليونيد ايفاشوف إلي اختتام هذا الشريط الوثائقي بقوله إن روسيا ليست بيدقا علي رقعة الشطرنج ولن تكون.. ولن يستطيع أي امرئ.. كائنا من كان, أن يتلاعب بمصيرها ومستقبلها! ولعل مثل هذه الكلمات تتسق مع ما سبق وردده الكثيرون من ممثلي الكرملين الذين نكاد نجزم بان مثل هذا الشريط الوثائقي لم يكن ليري النور دون موافقة ضمنية من جانبهم وهو ما يجعل ابواب الساحة السياسية مشرعة علي كل الاحتمالات!.