تواجه مهنة الصحافة أخطر تحدياتها الراهنة, نتيجة الهجمة الشرسة علي حرية الإعلام, ووجود حالة من التشرذم والانقسام داخل الجماعة الصحفية, كما هو حال المجتمع الذي أصبح يعاني حالة استقطاب حادة علي جميع الأصعدة. خسرت الصحافة جولتها الأولي حينما خرج الدستور الجديد خاليا من النص علي إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر, وإلغاء النص الخاص بسلطة الصحافة الذي كان موجودا في الدستور السابق, وكان من الممكن تفهم إلغاء نص سلطة الصحافة في حال إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر, وهو المبدأ الذي جاهدت من أجله الجماعة الصحفية طويلا, غير أن الدستور الجديد جاء صادما للصحفيين, بعد أن ألغي سلطة الصحافة وأبقي علي الحبس في قضايا النشر. الدستور الجديد يستتبعه بالضرورة إصدار حزمة من التشريعات لكي تواكب مواد الدستور الجديدة, وأبرزها ما يتعلق بالقانون96 لسنة1996, وإلغاء المجلس الأعلي للصحافة, وظهور المجلس الوطني للصحافة والإعلام ليحل محله, بالإضافة إلي إلغاء دور مجلس الشوري, كمالك للصحافة القومية, وكذا إلغاء دور وزارة الإعلام كمالك لوسائل الإعلام القومية المسموعة والمرئية. هذه الحزمة من التشريعات الجديدة لابد أن تكون نقابة الصحفيين هي المصدر الرئيسي لها, وحينما تطلب نقابة الصحفيين هذا الحق, فهي لا تطلب ميزة خاصة بها, وإنما هي تطلب مطلبا عادلا لها ولغيرها, فلابد أن يكون لأصحاب الشأن الرأي الأول والأخير فيما يتعلق بشئونهم ومستقبلهم, فلا يعقل أن يصدر قانون يتعلق بالأطباء أو المهندسين أو غيرهما في غيبة نقاباتهم, وكذا الأمر بالنسبة للصحفيين, فلا يعقل أن يتم إصدار التشريعات الجديدة بدءا بقانون حرية تداول المعلومات, مرورا بتعديلات القانون96 لسنة1996, وانتهاء بإنشاء المجلس الوطني للصحافة والإعلام, وكذلك الهيئة القومية للصحافة والإعلام, بعيدا عن نقابة الصحفيين, ولا يعني ذلك استلاب حق الجهات التشريعية في إصدار تلك القوانين.. فقط ما نطالب به أن تكون نقابة الصحفيين هي المطبخ لإعداد هذه القوانين والتوافق حولها, ثم إرسالها بعد ذلك إلي الجهات التشريعية لإصدارها. حرية الصحفيين هي الضمانة الأساسية لحرية المجتمع, فلا ديمقراطية دون حرية إعلام, ولا حرية إعلام دون حرية صحافة, فالحرية هي مشعل التنوير والتقدم الذي تضيء به الصحافة ظلمات طريق حياة الأمم. لن تتحقق حرية الصحافة إلا بوحدة الصحفيين, بعيدا عن الصراعات الحزبية الضيقة, التي تفتت الكيان الصحفي وتظهره في مظهر الضعيف والمنقسم علي نفسه, فالانتماء الحزبي ليس عيبا أو جريمة, ولكن الأزمة في أن يتغلب الانتماء الحزبي علي الانتماء النقابي والمهني, وإذا لم يستطع الصحفيون الالتفاف حول أهدافهم النقابية والمهنية بعيدا عن التعصب الحزبي أو المؤسسي, فسوف يخسرون المعركة, لأن ألف باء النجاح, هو الاتفاق علي مجمل الأهداف النقابية والمهنية, ونسيان الخلافات الشخصية والحزبية في تلك المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوطن ككل, وتمر بها الصحافة علي وجه الخصوص. ولأن الصحافة القومية هي رمانة الميزان في الإعلام, فلابد من الحفاظ عليها بعيدا عن سيف الخصخصة, وإيجاد صيغة متطورة وحديثة لنمط الملكية الحالي لكي تستقل هذه المؤسسات عن النظام الحاكم, أيا كان اسمه أو لونه السياسي, وأعتقد أن صيغة ملكية العاملين بنظام الأسهم المغلقة غير القابلة للتداول أو التوريث, من أفضل الصيغ المطروحة حتي الآن, لأنها تحقق هدف استقلال تلك المؤسسات بعيدا عن سيطرة الحكومات والأنظمة, وفي الوقت نفسه تبعد سيف الخصخصة عن رقابها, الأهم من ذلك, هو تأهيل الصحفيين وتطوير قدراتهم لمواكبة التطورات الحديثة في مجال التكنولوجيا والنشر الإلكتروني, بعد أن أصبحت الصحافة الورقية في منافسة شرسة مع الفضائيات والإنترنت والصحافة الإلكترونية, والفيس بوك, وإذا أدارت أي صحيفة ظهرها لوسائل الاتصال الحديثة, فإنها تكتب شهادة وفاتها.. ولا عزاء لها. التحديات كثيرة والطموحات أكبر, وفي كل الأحوال, فإن الصحافة قادرة علي تخطي أزماتها بتكاتف كل العاملين فيها, بعيدا عن التشرذم والانقسام, وهذا هو مفتاح النجاح.