لم يعد هناك مكان في مصر بمنأي عن حوادث البلطجة, والسطو المسلح, والقتل, والسرقة بالإكراه, والاختطاف مقابل الفدية, وحلت لغة السلاح محل الحوار والتفاهم بالعقل والمنطق, وصارت البلطجة هي الحل الوحيد للمشكلات, وضاعت هيبة الدولة, وسط حالة من الانفلات الأمني التي انتشرت معها أعمال العنف, التي أيقن معها الخارجون علي القانون أن أيدي العدالة لن تطولهم! خلال الأيام الماضية, شهدت مصر العديد من الأحداث والحوادث المؤسفة والمحزنة: فالنقيب هشام كمال الدين طعمة, معاون مباحث قسم شرطة بني سويف, لقي مصرعه إثر إصابته بطلق ناري, في أثناء أداء واجبه في إحدي المشاجرات, وقام مجهولون بالاعتداء علي النائب أسامة فكري عضو مجلس الشوري عن حزب النور بشبرا الخيمة في أثناء مروره أعلي كوبري الدائري قبل أيام, في محاولة لسرقة سيارته, ومتعلقاته الشخصية والاعتداء عليه, فيما تمكن الجناة من الفرار, ناهيك عن حادث السطو المسلح علي سيارة المهندس سعد الحسيني محافظ كفر الشيخ, علي يد4 مجهولين علي طريق المحله الكبري- كفرالشيخ.. وقبلها اندلعت حرب شوارع بين بلطجية في بعض المدن, تم فيها استخدام المولوتوف والأسلحة النارية, فضلا عن إطلاق النيران بشكل عشوائي علي المواطنين كما تعرضت سيارة تابعة لشرطة الأحوال المدنية بالعريش لعملية سطو مسلح من قبل مسلحين ملثمين أثناء سيرها علي الطريق الدولي( العريش- القنطرة) وتمكن الجناة من سرقة رواتب العاملين, وإصابة ضابط و مندوبة الصرف, وقام مسلحون بعملية سطو مسلح علي محطة غاز مصر بالطريق الصحراوي الغربي الجديد, كما قام مسلحون مجهولون بالسطو المسلح علي سيارة لنقل الأموال بمدينة نصر, وتمكنوا من سرقة مليون و100 ألف جنيه من داخلها. وبشكل عام, فإن هناك العديد من المناطق التي تجد فيها أعمال البلطجة بيئة خصبة, ففي القاهرة مثلا- والكلام هنا للدكتور عادل عامر أستاذ القانون العام المساعد بكلية الحقوق جامعة طنطا ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية- توجد مناطق عديدة للبلطجية أهمها عزبة أم القرن التابعة لمنطقة أحمد حلمي حيث يوجد بها عدد كبير من البلطجية, أما عزبة الهجانة ومنطقة الجيشة بالمقطم, فتضم العديد من الهاربين من أحكام قضائية, فضلا عن تجار المخدرات والسلاح, كما يوجد بها نحو20 ألف بلطجي, وكذلك وادي حوف بحلوان والتي تضم نحو2000 مسجل خطر, إلي جانب منطقة الدويقة ومدينة السلام حيث يوجد بها10 آلاف بلطجي, وفي الدرب الأحمر وبولاق أبو العلا5 آلاف بلطجي ومنطقة دربالة والعوايد, فيما يوجد في عزبة أبو حشيش بجوار منطقة العباسية, مئات البلطجية, أما أخطر المناطق إجراما في القاهرة, فهي منطقة الزعماء بالسيدة زينب. وفي الجيزة, هناك العديد من البؤر الإجرامية مثل( القصبجي) وشارع(10), وصفط اللبن, وبولاق الدكرور, وأهمها منطقة الكنيسة التي يقطن بها ما يزيد علي1000 من البلطجية والمجرمين وأرباب السوابق, أما منطقة بولاق الدكرور فتضم أكثر من5 آلاف مسجل خطر مخدرات وسلاح وبلطجة, فيما تكشف دراسة لمركز البحوث الجنائية والاجتماعية أن منطقة العمرانية تمثل أخطر البؤر الإجرامية بالجيزة, حيث بلغت قضايا البلطجة بها نحو20 ألف قضية. وفي منطقة أبو سليمان بالإسكندرية, هناك نحو30 ألف بلطجي, وفي دمياط, تعد منطقة شطا مرتعا لتجارة المخدرات, وأعمال البلطجة, إلي جانب قطاع الطرق, أما في القليوبية يوجد ما يعرف بمثلث الرعب أو المثلث الذهبي وهي يتكون من ثلاث قري هي كوم السمن, الجعافرة, القشيشة التابعة لمركز ومدينة شبين القناطر إلي جانب قرية أبو الغيط حيث تكثر تجارة المخدرات وأوكار البلطجية المتخصصين في سرقة السيارات وتجارة السلاح, مشيرا إلي أن أعمال البلطجة والعنف تندرج تحت جرائم الإرهاب, والتي عرفها المشرع الجنائي المصري المادة86 من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم97 لسنة1992 بأنها كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الشروع يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع فردي وجماعي بهدف الإخلال بالنظام العام, أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر, إذا كان من شان ذلك إيذاء الأشخاص أو إلقاء الرعب بينهم, أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر, أو إلحاق الضرر بالبيئة أو المواصلات أو الاتصالات أو بالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم, أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو اللوائح, كما وضع المشرع المصري نصوصا لبيان الأفعال التي تعد إرهابا وحدد العقوبات المقررة لها( المادة86 مكررا وما بعدها من قانون العقوبات), ومع ذلك لا تزال جرائم العنف, والبلطجة, وإرهاب المواطنين بالسلاح, والسطو المسلح, والسرقة بالإكراه, والقتل, والاختطاف, والتحرش, في زيادة مستمرة لغياب الأمن, وتراجع هيبة الدولة. أسباب عديدة وتفسر الدكتورة فادية أبو شهبة- أستاذة القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- في دراسة لها بعنوان المعاملة الجنائية للمسجلين خطر- تزايد أعداد البلطجية في مصر, خاصة في المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة25 يناير, إلي ضعف الدولة, ومؤسساتها الرسمية, وسيادة قيم عدم احترام القانون, وتآكل هيبة الدولة, وغلبة الشعور بالاستبعاد الاجتماعي لدي الكثير من فئات المجتمع. واشارت إلي أن نحو50% من البلطجية والمسجلين خطر تتراوح أعمارهم ما بين18-30 عاما, ويتركز أغلبهم في محافظات القاهرة, وبورسعيد, والشرقية, فيما تضم محافظات الوجه البحري31%, فيما تضم ومحافظات الوجه القبلي نحو24% من البلطجية, بينما تضم الإسكندرية وحدها نحو9,7%, وبورسعيد2,5%, و9% في السويس, بينما تقل ظاهرة البلطجة في المحافظات الحدودية وهي شمال وجنوب سيناء ومطروح وأسوان. وتتركز أنشطة البلطجية والمسجلين خطر كما جاء في دراسة المعاملة الجنائية للمسجلين خطر- للدكتورة فادية ابو شهبة- في ارتكاب الجرائم التي تخل بالأمن العام, كالإرهاب والقتل والسرقة والخطف والإتجار بالمخدرات, مشيرة إلي أن49.2% من المسجلين خطر أميون, و3.5% فقط حاصلون علي شهادات جامعية, بالإضافة إلي ارتفاع نسبة عودة المسجلين خطر إلي الجريمة والبلطجة مرة أخري, إلي ما يزيد علي55% من إجمالي المسجلين خطرا, والذين يقدر عددهم رسميا بنحو92 ألفا و680 مسجلا خطرا, تتنوع الأنشطة الإجرامية التي يرتكبونها بين تجارة المخدرات, ثم السرقة, فالقتل, ثم الضرب المفضي إلي عاهة21%, فالبلطجةكما تبلغ قضايا البلطجة المنظورة أمام المحاكم إلي نحو10 ملايين قضية, الحل- كما يطرحه الدكتور صلاح الدين فوزي رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة المنصورة, يكمن في تطبيق القانون, فغياب القوانين يؤدي إلي شيوع الفوضي, وارتفاع معدلات الجريمة [email protected]