خارجية النواب للمصريين : التفوا حول بلدكم وجيشكم فالأمر جلل والأحداث تتسارع وإياكم والفتن    شيخ الأزهر: انتصارات أكتوبر المجيد سُطِّرت بدماء الشهداء الأبرار وبإرادة جيش وشعب لا يعرفون الخنوع    «الحصاد الأسبوعي».. نشاط مكثف لوزارة الأوقاف دعويًّا واجتماعيًّا..    فتح باب الترشح لانتخاب التجديد النصفي لنقابة الصحفيين في الإسكندرية    بنسبة 76%.. قطاع مواد البناء الأكثر صعودًا في البورصة خلال الربع الثالث من 2024    منسق «حياة كريمة» بالقاهرة: إقبال كبير من المواطنين على منافذ بيع اللحوم    كورسات في اللغة الإنجليزية من الجامعة الأمريكية لذوي الهمم.. اعرف المواعيد    بايدن: لا أعرف إذا الانتخابات الأمريكية ستكون سلمية بسبب ترامب    تصاعد النزوح في لبنان وسط القصف الإسرائيلي واستنفاد قدرات مراكز الإيواء    بالأرقام والإحصائيات.. هل يتفوق مرموش «فرانكفورت» على صلاح «روما»؟    قطر يتعرض للهزيمة من الأهلي في غياب أحمد عبد القادر    مجدي عبد الغني: الزمالك لديه الحق في "التحفيل".. كهربا تراجع مستواه وهناك لاعبون يدخنون "الشيشة"    بليغ أبوعايد: فوز الأهلي على برشلونة إنجاز عظيم للرياضة المصرية    إمام عاشور في محكمة جنح الشيخ زايد غدا.. لماذا يحاكم؟    ضبط 3000 عبوة مواد غذائية منتهية الصلاحية في كفر الشيخ    بعد حلقة الدحيح.. ما قصة صدور حكم بإعدام أم كلثوم؟    صالون جمال الدين يناقش كتاب «مشاهد تنبض في ذاكرة مثقوبة» في بيت السناري بالقاهرة    «حياته هتتغير 90%».. برج فلكي يحالفه الحظ خلال الأيام المقبلة    مهرجان الإسكندرية يكرم الفنانة سهر الصايغ وخالد سرحان ورانيا ياسين    خالد حماد: فيلم «معالي الوزير» أصعب عمل قدمت به موسيقى تصويرية    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم ويحتفي ب17 من مبدعي عروس البحر المتوسط    «قصور الثقافة»: مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية أكبر من فكرة رقص    قصة أهل الكهف.. رحلة الإيمان والغموض عبر الزمن    حملة «100 يوم صحة» تقدم 3.6 مليون خدمة طبية في سوهاج منذ انطلاقها    مصطفى بكري: محمد معيط مديرا تنفيذيا لصندوق النقد الدولي نهاية الشهر الجاري    حدث في 8 ساعات| إطلاق مشروع رأس الحكمة التنموي.. ورصد أكبر انفجار شمسي    من هو أفضل كابتن للجولة السابعة من فانتازي الدوري الإنجليزي؟    اعتداء وظلم.. أمين الفتوى يوضح حكم غسل الأعضاء أكثر من ثلاث مرات في الوضوء    اختلفت المناطق والأدوار وتشابهت النهايات.. سر جثتين في عين شمس وحلوان    "السبب غلاية شاي".. إحالة موظفين بمستشفى التوليد فى مطروح للتحقيق -صور    طريقة سهلة لتحضير بسكويت الزبدة بالنشا لنتيجة مثالية    توافد أعضاء حزب العدل للتصويت في انتخابات الهيئة العليا    مركز التأهيل الشامل بشربين يستضيف قافلة طبية مجانية متكاملة    الطب البيطري بدمياط: ضبط 88 كيلو لحوم مذبوحة خارج المجازر الحكومية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل عسكريين اثنين في معارك جنوب لبنان    الصليب الأحمر: الشرق الأوسط على شفا صراع مسلح    أعضاء حزب العدل في المحافظات يتوافدون للتصويت في انتخابات الهيئة العليا    شركات عالمية ومصرية وإماراتية.. تفاصيل إطلاق شراكة لتعزيز الابتكار في المركبات الكهربائية الذكية    المرصد العربي يناقش إطلاق مؤتمرًا سنويًا وجائزة عربية في مجال حقوق الإنسان    مستوطنان إسرائيليان يقتحمان المسجد الأقصى ويؤديان طقوسا تلمودية    واعظ بالأزهر: الله ذم الإسراف والتبذير في كثير من آيات القرآن الكريم    قناة السويس تكشف حقيقة بيع مبنى القبة التاريخي    لحظة بلحظة... الأهلي 0-0 الزمالك.. قمة الدوري المصري للسيدات    وزير الاتصالات يلتقي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للتكنولوجيا    «العمل» تعلن 4774 فُرصة عمل تطبق الحد الأدنى للأجور في 15 محافظة    الأنبا توماس يستقبل رئيس وزراء مقاطعة بافاريا الألمانية    جيفرسون كوستا: أسعى لحجز مكان مع الفريق الأول للزمالك.. والتأقلم في مصر سهل    مصرع «طالب» غرقا في نهر النيل بالمنيا    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث تصادم بالغربية    منظمة الصحة العالمية تحذر من خطر انتشار فيروس ماربورغ القاتل    أذكار يوم الجمعة.. كلمات مستحبة احرص على ترديدها في هذا اليوم    السيطرة على حريق بخط غاز زاوية الناعورة بالمنوفية    الإسكان: إزالة مخالفات بناء وظواهر عشوائية بمدن جديدة - صور    جيش الاحتلال يصدر أوامر إخلاء عاجلة لسكان 20 قرية في جنوب لبنان    «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ».. موضوع خطبة الجمعة اليوم    هيئة الأرصاد تكشف عن موعد بدء فصل الشتاء 2024 (فيديو)    حقيقة اغتيال هاشم صفي الدين    هل اعترض كولر على منصب المدير الرياضي في الأهلي؟.. محمد رمضان يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محجبات العمال الشيوعي و سافرات النهضة الإسلامي
تونس نحو كتلة تاريخيةمن إسلاميين ليبراليين ويساريين ليبراليين
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 11 - 2011

في بلد تخوض الانتخابات فيه محجبات علي قوائم الأحزاب الشيوعية وسافرات غير محجبات علي قوائم الأحزاب الإسلامية لابد من تجنب القراءات المنقوصة والأحكام المطلقة عن بعد‏.‏ وهي في الأغلب أحكام ناتجة عن سطحية ومبالغات غربية استشراقية استعمارية وأصولية إسلامية غير مؤسسة علي معرفة بما جري ويجري حقا في تونس. وقبل أن ننتقل الي الأسئلة الأهم الغائبة أو المغيبة عن مولد إسلاميين ليبراليين ويساريين ليبراليين وعن كتلة تاريخية جديدة في ظروف تشكلها ومشكلاتها والتحديات المطروحة عليها محليا وإقليميا ودوليا, لابد من إشارات تصحح جملة أخطاء شائعة وخرافات مفبركة عن إنتخابات المجلس التأسيسي المنوط به صياغة دستور الجمهورية التونسية الثانية. وهي إشارات لازمة, وإن كانت صادمة لرأي عام قد يقع ضحية ضعف الإهتمام المعرفي وغزارة التضليل العقائدي الأيديولوجي.
أولا.. صحيح أن إقبال الناخبين التونسيين علي انتخابات23 أكتوبر الماضي غير مسبوق تاريخيا وفاق كل التوقعات. لكن ليس صحيحا أن غالبية الناخبين (من يحق لهم التصويت) اقترعوا. لأنه وفق النتائج العامة الأولية التي استمعت إليها من المؤتمر الصحفي للهيئة العليا المستقلة المشرفة علي الإنتخابات في قصر المؤتمرات بالعاصمة تونس ليلة الخميس 27 أكتوبر فإن 3.6 مليون قد أدلوا بأصواتهم من إجمالي 7.5 مليون. أي أن نسبة المصوتين أقل يقينا من النصف. وتحديدا هم يمثلون52 في المائة. وهذا الأمر يفتح الباب أمام تساؤلات من قبيل: هل هذه النسبة الغائبة الغالبة ناجمة عن ضعف الثقة بمسار التحول الديمقراطي بعد ثورة 14 يناير 2011 وبالسياسة بعد طول عقود الدكتاتورية؟.. أم هي وليدة شعور طاغ بأن الثورة ومطالبها الإجتماعية الجذرية قد غدرت لحساب إصلاح سياسي ليس إلا ؟.. أم لأن من أشعلوا الثورة وضحوا لأجلها أزيحوا من الواجهة سياسيا وإعلاميا, وتصدر المشهد أولئك الغائبون القادمون من المنافي الأوروبية أو المختبئون في خلاياهم النائمة محتمين بأمان العمل الخيري ليس إلا ؟.. أم لأن غالبية من يحق لهم الإقتراع ظلوا رهينة تشويش سياسي أربك إختيارهم بين نحو 1500 قائمة حزبية ومستقلة في عموم البلاد ؟.
ثانيا.. صحيح أننا إزاء ما وصفه المراقبون المحليون والغربيون بالإنتخابات الأكثر نزاهة وتعددية وشفافية في تاريخ العرب. لكن غير صحيح أنها كانت إنتخابات مثالية أنبتت أجنحة الملائكة عند الجميع. فمن فضائلها غير المنكورة أنها جرت وتونس بلا طوارئ, وتحت إشراف حقيقي لهيئة مستقلة وبحق وبعيدا عن التدخل الفج المزمن للإدارة ووزارة الداخلية, وبحضور ملاحظين محليين وأجانب وبمشاركة التونسيين خارج البلاد تصويتا وترشحيا وتمثيلا, وفي ظل عزل سياسي يحظر علي قياديي الحزب الحاكم المنحل الترشح حتي مستوي لجان الأحياء والقري. كما أنها إنتخابات تعلي في الغالب الأعم من شأن البرنامج والقائمة والحزب علي حساب الشخص وإبن الدائرة ونائب الخدمات. كما أنها جلبت الي المجلس 49 إمرأة بنسبة 24 في المائة. وبالمقابل فإن من سلبياتها ونواقصها المشهودة أيضا عديدة من بينها الإنتهاكات التي إرتكبها العديدون من رشوة الناخبين و الإنفاق عن وسع بالمال السياسي الغامض و المتجاوز للقانون و الإستمرار في ممارسة الدعاية الي مابعد الآجال المحددة و إستغلال المساجد. وللنهضة النصيب الأكبر في هذه التجاوزات وفق تقارير السواد الأعظم من الملاحظين محليين وأجانب.
ثالثا.. صحيح أن حزب حركة النهضة (الإسلامي) حل أولا في عدد المصوتين وعدد المقاعد التي تحصل عليها في كل الدوائر الإنتخابية داخل تونس وخارجها (33 دائرة) باستثناء واحدة سيدي بوزيد. وصحيح أنه أصبح حزب الأغلبية في المجلس التأسيسي ب90 مقعدا من إجمالي 219 مقعدا, وأن الحزب التالي له المؤتمر من أجل الجمهورية لم يحصل إلا علي30 مقعدا فقط. لكن غير الصحيح يقينا الزعم أو إيهام الرأي العام بأن النهضة أو (الإسلاميين) حققوا أغلبية مطلقة. فأغلبية النهضة نسبية لا تتجاوز41 في المائة من عدد مقاعد المجلس و40 في المائة من أصوات الناخبين الذين إقترعوا و نحو 20 في المائة فقط من إجمالي من يحق لهم الإقتراع, بعد النزول بسن التصويت الي 18 عاما.
رابعا.. الصحيح ويقينا أن أغلبية مقاعد المجلس التأسيسي ومعها أغلبية من إقترعوا بالفعل هي من نصيب غير الإسلاميين. ويبرز في هذا السياق ميل واضح نحو ما يسمي بيسار الوسط في الخريطة السياسية بتونس. لكن هذا التيار يدخل الي المجلس مشتتا ومتشرذما. كما لايحجب هذا حقيقة أن اليسار بمعناه التقليدي وأحزابه التاريخية حصدت حصة أقل من مقامه التاريخي ومن توقعاته. وتتقدمه خامسا.. صحيح أن النهضة بإستحقاق أغلبيته النسبية ولأنه الحزب الأكبر سيحكم في تونس. لكن من خلال إئتلاف وزاري علي قاعدة أغلبية مطلقة لطيف واسع من يسار الوسط في المجلس التأسيسي. والنهضة بذلك لا يحكم منفردا أو في فراغ, لا تقيده قوي أخري بالداخل أو إتفاقات وتوازنات الإقليم والخارج. والحاصل أن النهضة وكما تعي قيادتها قبل الآخرين لم تحصل علي تفويض مطلق وبشيك علي بياض. لأن المجلس التأسيسي صلاحيته تنتهي بوضع الدستور الجديد في غضون عام واحد. وبعدها تعود النهضة مع الجميع الي صناديق الإقتراع لإنتخاب أول برلمانات الجمهورية الثانية.
سادسا.. صحيح أن فوز النهضة في إنتخابات23 أكتوبر يعد في رأي مراقبين إيذانا بمرحلة جديدة في الإقليم أبرز ملامحها مشاركة الإسلاميين في الحكم عبر صندوق الإقتراع. لكن ليس صحيحا علي الإطلاق الزعم بأن الإسلاميين لم يحكموا مطلقا في تاريخ العرب الحديث أو الإدعاء بأنهم لم يجربوا أبدا الحكم ويجربهم الناس في السلطة. وعلي الأقل فقد حكموا في السودان بالتحالف مع العسكر منذ إنقلاب صيف 1989. وهناك حكم باسم الإسلام والشريعة وبتحالف العلماء الوهابيون و الأسرة والقبيلة في السعودية منذ ما قبل عصر الإستقلال العربي عن الإستعمار الأجنبي. و أيضا لدينا إسلاميون يحكمون في عراق مابعد البعث وصدام, تحت حراب الإحتلال الأمريكي. وهذا علي سبيل المثال لا الحصر.
سابعا.. صحيح أن النهضة تيار محسوب علي الإسلام السياسي بحكم خلفياته وتاريخه ومرجعياته.
لكنه في الفكر والخطاب والممارسة خطا خطوات نحو الحداثة تخلاجه عن ملة الأصوليين و تقطع بينه وبين الحركة التنظيمية الأهم في تاريخ الإسلام السياسي الإخوان المسلمين منذ تأسيسها عام 1928 و ثمة فارق كبير بين النهضة وبرنامجها لإنتخابات تونس 2011 وبين إخوان مصر الذين مازالوا يتعثرون في قيود الأيديولوجيا السلفية ويترددون في التخلي عن شعار الإسلام هو الحل أو يجادلون في حق الأقباط والمراة في الحكم والرئاسة. ولعل الإستخلاص الأهم من التجربة التونسية أنه عندما تنزل الأفكار والعقائد واللافتات العقائدية الأيديولوجية الي أرض السياسة يصبح من الخطأ والخطر معا الإدعاء بعصمة تيار بعينه علي إطلاقه و بإثم تيار آخر علي إطلاقه.
فلا الإسلاميون كلهم أخيار صالحون أو كلهم أشرار طالحون. وهو ما ينطبق علي الليبراليين والقوميين واليساريين. فالصلاح أو الطلاح محكوم بمعايير يخضع لها الجميع من صدق وإستقامة و قدرة علي قراءة الواقع والإرتفاع الي أولوية المصالح العامة وبدفع الأمة الي التقدم.
لذا فإنه ليس من المستغرب أن تنهار الصور النمطية و تذوب الحدود الأيديولوجية الفاصلة المبالغ فيها بين التيارات السياسية. فنجد في إنتخابات تونس مرشحات محجبات علي قوائم الشيوعيين كما هو حال بسمة التوهامي مرشحة حزب العمال الشيوعي في دائرة (تونس 1) و سعاد عبدالرحيم مرشحة النهضة الإسلامي في دائرة (تونس 1). بل ليس بمستغرب أن يقابل خطاب النهضة الحداثي في برنامجه الإنتخابي خطابات يسارية وليبرالية تنحني إجلالا لعقائد التونسيين الدينية
وفي هذا السياق, فإن الأولوية في السياسة والحكم هي للقطيعة مع دولة الإستبداد واللامواطنة, خصوصا وأن نتائج إنتخابات23 أكتوبر تعلن نهاية حقبة الحزب الواحد والديموقراطية والتعددية الشكلية المقيدة المزيفة.
فالمجلس التأسيسي يضم ممثلين عن 19 حزبا و9 قوائم مستقلة. ولأن التطورات الجارية بإمتداد الخريطة السياسية تبرز مولد ما يطلق عليه ب الإسلاميين ليبراليين و اليساريين الليبراليين فإن تونس تبدو الأقرب مقارنة بدول ثورات الربيع العربي الأخري التي أطاحت برأس السلطة في مصر وليبيا الي بناء كتلة تاريخية جديدة من هؤلاء وأولئك.
لأنه لا حزبا أو تيارا بمفرده لديه التفويض أو القدرة علي الإطلاع بإنجاز دولة الديموقراطية والتنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.