أكد حصول فلسطين علي عضوية اليونسكو( منظمة الاممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة)علي صواب خيار القيادة السياسية في التوجه للأمم المتحدة, وتجاوز سياسة الانتظار المفرطة, التي حاولت وما زالت تحاول الادارة الامريكية ودولة الاحتلال الاسرائيلي فرضها علي الأرض, وشكلت عضوية فلسطين في اليونسكو دفعة قوية للقيادة السياسية والشعب الفلسطيني. ومنحت العضوية القيادة مزيدا من الثقة بالذات وبالعالم وقواه الخيرة الداعمة للشرعية وحقوق الشعب الفلسطيني, وعززت تمسكها بخيار مواصلة العمل علي كل الجبهات السياسية والدبلوماسية لتحقيق الاهداف الفلسطينية, وعدم رهن السياسة الفلسطينية بمنطق الاملاءات الامريكية. ورغم أن اليونسكو منظمة دولية متخصصة لا تتدخل بالشأن السياسي ولا تصدر قرارات ملزمة, وهناك فرق بين العضوية في منظمة دولية متخصصة كاليونسكو والعضوية في منظمة الأممالمتحدة, ذلك أن العضوية الكاملة في الأممالمتحدة لا تكون إلا من خلال مجلس الأمن أما العضوية في اليونسكو فلا يكون لها نفس الدلالة السياسية لان اليونسكو قبلت بعضوية دولة فلسطين دون أن تخوض بماهية وحدود هذه الدولة, ومع ذلك فالعضوية في اليونسكو تعد مؤشرا علي تزايد الاعتراف والقناعة الدولية بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة خاصة بهم وهو مؤشر علي تراجع قدرة الولاياتالمتحدةالأمريكية علي التحكم في الأممالمتحدة ومنظماتها المتخصصة, وهو اعتراف سيجعل موقف واشنطن أكثر إحراجا عند التصويت في مجلس الأمن علي عضوية فلسطين, وسيزيد من محاصرة إسرائيل دوليا, لان التصويت ب107 بالاضافة الي امتناع50 يعني ان157 دولة من193 قالوا للولايات المتحدة واسرائيل لا. واشارت هذه الخطوة الي تثبيت نهج سياسي مغاير لما كان عليه الحال سابقا, قبل الاقدام علي التوجه للامم المتحدة للحصول علي العضوية الكاملة فيها, وهو ما يعني مواصلة القيادة الفلسطينية العمل علي نيل عضوية كل المنظمات التابعة والمنبثقة من الاممالمتحدة بما في ذلك استمرار معركة الحصول علي العضوية الكاملة للدولة علي حدود67, ولايمكن اعتبار معركة اليونيسكو هي البداية, فالبدايات قديمة قدم الكفاح التحرري الوطني, والحفاظ علي الهوية الفلسطينية. وتفتح عضوية اليونسكو المجال أمام الفلسطينيين للنضال والعمل في مجالات لا تقل أهمية عن المجال السياسي والعسكري وهو ميدان التربية والعلوم والثقافة وهذا ميدان واسع يشمل التعليم والبحث العلمي والفنون والمعرفة بكل أشكالها وتبادل الثقافات وحماية البيئة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية, والتدريب في هذه المجالات, كما اعطت الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية والثقافية فرصة الدفاع المباشر عن التراث والاثار والعمارة والثقافة الفلسطينية في المنظمة الدولية, وستقطع الطريق علي دولة الاحتلال الاسرائيلية من مواصلة عملية التزوير والافتراء علي الحقيقة والتاريخ, بنسبها الاثار والمقدسات الدينية في القدس وبيت لحم والخليل ومورث الشعب الفلسطيني في الميادين المختلفة لها, وستجعلها تفكر الف مرة قبل الادعاء والافتراء علي الحقيقة حول عودة الاثار التي تختزنها ارض فلسطين التاريخية بما في ذلك المقامة عليها دولة اسرائيل لأن من أبرز مهام اليونسكو وجودها كطرف دولي شرعي في الحفاظ علي التراث الإنساني, وعدم السماح بتدمير هذا التراث أو تغيير شكله, أو تزييف هويته, ومعروف أن الفلسطينيين مستمرين في حالة اشتباك دائم مع إسرائيل في هذا الجانب, لأن المقدسات والميراث الحضاري الفلسطيني يتعرض علي يد الاحتلال الإسرائيلي إلي عدوان دائم ممثلا بالادعاءات الزائفة, وعمليات التدمير المباشرة, أو الامتلاك القسري, ووجود فلسطين بعضوية كاملة في اليونسكو, يعني أن الميراث الحضاري الفلسطيني سيكون جزءا من الذاكرة العالمية, وسيجد الإطار الذي يدافع عنه, ولذلك وجدنا هذه الهستيريا الإسرائيلية التي عبر عنها أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي, الذي اطلق العنان الي تهديدات دون الحد الأدني من التوازن وخرج الاجتماع الوزاري المصغر للكابينيت الاسرائيلي برزمة من العقوبات ضد السلطة الفلسطينية تكشف عن الارتباك الاسرائيلي فمنها تكثيف النشاط الاستيطاني وتسريع وتيرته بالتصديق علي الفين وحدة استيطانية جديدة بالقدسالشرقية, ووقف اموال عائدات البضائع عن السلطة وهو الامر الذي يمس الموظف البسيط والمواطن في الاراضي الفلسطينية, لان مثل هذا الموقف تكرر وتكررت معه مأساة السلطة في عجزها عن دفع الرواتب, كما قام اليمين الاسرائيلي بالغاء بطاقات الVIP للمسئولين الفلسطينيين التي يتحركون من خلالها علي المعابر في الضفة الغربية والسفر للخارج, الأمر الذي يؤكد أن إسرائيل تعيش ذروة المأزق, حيث تعيش في عالم متغير بعقل قديم غير قادر علي مواكبة تلك التغيرات, ويستدرج خلفه قوي عظمي بحجم الولاياتالمتحدةالامريكية, التي دوما تجد نفسها في مأزق ان لم يكن قانوني فهو اخلاقي امام العالم اجمع. وبهذة الخطوة استطاعت فلسطين أن تحدث الاختراق التاريخي, ربما يكون البروفة النهائية قبل التصويت لعضوية كاملة لها في الأممالمتحدة, وهي بروفة يمكن من خلالها قراءة المزاج الدولي, واستنتاج الاتجاهات الذاهب إليها هذا المزاج. ولا تستطيع اليونسكو إلزام إسرائيل أو واشنطن بشئ لأن أهدافها العمل علي تعزيز التعاون السلمي العالمي من خلال التربية والعلوم والثقافة, وبالتالي قدرتها علي العمل مرتبط بتعاون مختلف الأطراف علي تحقيق أهدافها وتوصياتها, ولان واشنطن وتل أبيب متخوفتان من تداعيات اعتراف اليونسكو بفلسطين الا ان ذلك يجب ألا يؤثر علي استمرار الجهود الفلسطينية لاكتساب العضوية في بقية المنظمات الدولية لأنها معركة يجب ان تخاض حتي النهاية. لا شك في أن الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر الخاسرين من انضمام فلسطين إلي عضوية اليونسكو, فموقف واشنطن ساهم في تشويه صورتها أمام الرأي العالم العربي والإسلامي, وهي أظهرت موقفا يتنافي مع القيم الأميركية التي يتم التشدق بها دوما في كافة المحافل, كما أن رفضها الاعتراف بهوية شعب وتراثه الحضاري والثقافي, ينال من وعودها حول ضرورة إقامة دولة فلسطينية, فضلا عن أن هذا الموقف قد يجبر الولاياتالمتحدة علي تكرار موقفها بالابتعاد عن منظمة اليونسكو كما فعلت عام1984, ويؤكد لدول العالم مجددا أن غياب واشنطن عن اليونسكو ليس قضية خطيرة, فهي تغيبت في الماضي لمدة19 عاما, ثم عادت عام2003, ولم تتأثر المنظمة الدولية بهذا الغياب. وموقف الاتحاد الاوربي يكشف عن جوانب عدة فيما احدثته الدبلوماسية الفلسطينية بل والعربية في هذا السياق بما جعل دول الاتحاد تعجز عن اتخاذ قرار موحد, وبما يشير انه لايوجد ثوابت في السياسة ولا العمل الدبلوماسي فلا فرنسا جائت حسب التوقعات بتصويتها بنعم ولا السويد اكملت تأييدها المطلق لفلسطين, ولا حتي بريطانيا التي لا تقوي علي لا امام الولاياتالمتحدة انصاعت للضغوط, بل ادهشت امريكا بامتناعها عن التصويت اكثر مما فعلت فرنسا.