48 ساعة أمضيتها في مسقط عاصمة سلطنة عمان التي استسلمت تماما لجراحات التنمية سواء في بنيتها التحتية أو في شخوص أبنائها الذين بدوا وكأنهم حريصون علي ألا يفوتهم قطار التطور علي مدي ثلاثين عاما علي الأقل لم تحملني خلالها أية طائرة إلي عاصمة بلادهم. جاءت الزيارة تلبية لدعوة تلقيتها من السفير الشيخ خليفة بن علي الحارثي سفير سلطنة عمان بالقاهرة ونقلها إلي المستشار الإعلامي للسفارة سالم الحابسي لأشارك في افتتاح دورة انعقاد الفترة الخامسة لمجلس عمان بجناحيه الدولة والشوري في دورة برلمانية جديدة اكتسبت قبلها ملامح فرضتها ظروف ثورات الربيع التي بدا أنها آثرت أن تتجه شرقا علي الرغم من أن بدايتها كانت في الغرب العربي..!! وربما أكملت الجلسة الإجرائية يوم الأحد الماضي التي سبقت تدشين الدورة البرلمانية صباح اليوم التالي بخطاب السلطان قابوس تلك الملامح التي اكتسبها مجلس الشوري إذ جرت خلالها الانتخابات لاختيار رئيس المجلس ونائبيه لأول مرة, بعد أن كان يجري تعيينهم بمرسوم يصدره السلطان بوصفه رئيسا للدولة والقائد الأعلي للقوات المسلحة والذي أفردت وثيقة النظام الأساسي للدولة دستور البلاد لصلاحياته واختصاصاته6 مواد من بين81 مادة تضمنتها الوثيقة. وبدا من الواضح أن الصلاحيات الجديدة التي أكسبها السلطان لمجلس عمان بمرسوم سلطاني صدر عقب انتهاء الإنتخابات العامة لتشكيل الشوري84 نائبا بينهم سيدة, وتعيين مجلس الدولة83 عضوا قبل نحو3 أسابيع, إنما جاءت تلبية لمطالب العمانيين بمزيد من الحريات ومشاركة في صياغة القرار السياسي للبلاد, وهو ما اعتبره المراقبون خطوة استباقية لتجنيب البلاد متاعب تعرضت لها ولا تزال دول أخري بالجوار تأخر فيها اتخاذ مثل هذه الخطوة التي تمثل صيغة توافقية بين مطالب الشعب العماني ومقدرات الدولة فالشعب يريد والدولة علي استعداد للاستجابة. ولأنه في الحياة الديمقراطية ليست هناك مؤسسة واحدة تستطيع أن تنفرد وحدها بصناعة الدولة التي يحلم بها أي شعب متحضر في العالم أو علي الأقل يسعي للتحضر بل هناك مجموعة من المؤسسات تشكل في مجملها الدولة الديمقراطية التي تقوم كل مؤسسة فيها بمهامها التكاملية مع المؤسسات الأخري حتي يكتمل المشهد في مجمله. في المشهد العماني الحديث فإن الجولات التفقدية للسلطان في الولايات المختلفة للدولة, حيث يعقد لقاءات جماهيرية في الهواء الطلق وفي مساحات مفتوحة مع جموع المواطنين دون أية حواجز رسمية أو قيود بروتوكولية, تعد بمثابة فترة انعقاد للبرلمان الشعبي المفتوح دون أية قيود سواء لفترة انعقاده التي تتسع لأسابيع وشهور طوال أو لعضويته التي تتسع لكل أبناء الشعب دون أن تقصي أو تستبعد أي فصيل منهم, إذ يكفي أن يكون المشارك تحت مظلة المواطنة العمانية ليدور حوار بين المواطن والرئيس ليس هدفا في حد ذاته إنما في حقيقة أمره أحد سبل تفعيل مسيرة التقدم وتعبير حقيقي للخصوصية الثقافية العمانية التي تتجنب النقل الحرفي لتجارب الشعوب أو الاكتفاء باقتباس النظريات التي يجري تطبيقها في دول العالم الأخري, بل تسعي لانتقاء الأفضل الذي يتناسب مع قيم وعادات وتقاليد مجتمع يسعي لتجنب تجارب مؤلمة حملتها بدايات العقد الثاني من الألفية الثالثة لغيره من المجتمعات القريبة بل ويصر علي أن يتفاعل بإيجابية مع مقوماته وتراثه ووجدان مواطنيه. المزيد من مقالات عبدالعظيم درويش