في مواجهة احتياجات الشعوب, لاتوجد مواقف أيديولوجية ثابتة, فتركيا علي سبيل المثال اضطرت تحت ضغط شعبها للعدول عن موقفها الرافض لأي مساعدات خارجية لمواجهة آثار الزلزال، الذي ضرب مدنها الجنوبية لتقبل مساعدات حتي من اسرائيل واذا اسقطنا ذلك علي الملف الاقتصادي في مصر فان المطالب الفئوية وتطلعات الشعب لحياة أفضل بعد ثورة25 يناير تفرض علي الحكومة العمل بكل الوسائل لتلبيتها واستعادة الاستقرار الاقتصادي فلم يعد مقبولا.. ترديد شعارات ماقبل الثورة بأن مصر لايمكنها إلا شد الحزام والانتظار لعبور عنق الزجاجة. واذا عرفنا أن الاستجابة الخجولة لبعض مطالب فئات المجتمع خلال الأشهر القليلة الماضية قد يكلف الخزانة العامة نحو20 مليار جنيه, فهذا يوضح مدي المأزق الذي تواجهه مصر أخذا في الاعتبار أن مستويات الدين المحلي العام قد قاربت علي الخروج عن حدود الأمان ولتوضيح هذا يكفي أن أحد الخبراء كشف عن أن تكلفة الدين العام المحلي من أذون وسندات الخزانة وصلت الي44 مليار جنيه منذ بداية ثورة25 يناير. أيضا فإن الاستمرار في زيادة الانفاق الاجتماعي استجابة للمطالب الفئوية أمر حذر منه صندوق النقد الدولي والذي حذر من أن تكاليف هذا الانفاق الاجتماعي تجاوز نسبة10% من اجمالي الناتج المحلي لمصر وأنه يسبب اتساعا مستمرا في عجز المالية العامة, مؤكدا أن الأفضل لحكومات الربيع العربي من منظور الكفاءة والعدالة أن تعتمد علي شبكات الأمان الاجتماعي الموجهة لمستحقي الدعم فقط كي تحل بالتدريج محل الدعم الشامل. واذا كانت هذه هي الصورة الواضحة أمام الجميع فان التساؤل الذي يفرض نفسه ماهو الحل في ظل رفض شعبي للاقتراض من المؤسسات الدولية أو الاتجاه لفرض مزيد من الأعباء عليهم من خلال قانوني الضرائب العقارية والتأمينات الاجتماعية الجديد. هذا الرفض الشعبي يقابله استعداد من بعض كبار المستثمرين الجادين والحريصين علي مستقبل الاقتصاد المصري حيث قدموا بالفعل لوزير المالية اقتراحا لرفع معدل ضرائب الدخل علي أرباحهم التجارية والصناعية الي30%.. كما طالبوا بتطبيق ضريبة القيمة المضافة والتي لم ينجح أي وزير مالية من قبل في تطبيقها خوفا من احتمالات تسببها في رفع الأسعار وعدم قدرة الادارة الضريبية علي تطبيقها لاتساع المجتمع الضريبي, حيث سيشمل جميع السلع والخدمات. وفي مواجهة كل ذلك فان الدكتور الببلاوي قام ببعض الإجراءات لزيادة الإيرادات العامة من خلال القوانين والنظم الحالية بالفعل, حيث يبحث تشديد إجراءات مواجهة حالات التهرب الضريبي والجمركي وتسرب الإيرادات السيادية بسبب ذلك وهو ماسيزيد من الإيرادات العامة بنحو4 مليارات جنيه سنويا.. أيضا فان وزير المالية لم يغلق الباب تماما في وجه الاقتراض الخارجي, حيث يؤكد أن مبدأ الاقتراض في حد ذاته غير مرفوض والأهم فيما تستخدم تلك الأموال.. وفي النهاية فانني أوجه تساؤلا لأفراد المجتمع حول رؤيتهم للخروج من تلك الأزمة فهل يوافقون علي الاقتراض الخارجي غير المشروط, أم علي الاقتراض المحلي ذي الخطورة والفائدة المرتفعة؟ أم يوافقون علي رفع الضرائب إلي30% مع سرعة تطبيق الضريبة العقارية الجديدة, في ظل التعديلات التي وعدت بها وزارة المالية؟.. الكل في انتظار رؤيتكم فأنتم أصحاب القرار والمصلحة.