فقد المسرح في الأيام القليلة الماضية ثلاثة رموز مهمة ومؤثرة في الحركة المسرحية.. الأول هو الكاتب الموسوعي الكبير أنيس منصور الذي أثري المسرح المصري بمؤلفاته وترجمته أيضا للعديد من النصوص العالمية ومن مؤلفاته حلمك يا شيخ علام للمسرح الكوميدي في عام1963 ومين قتل مين1967 وجمعية كل واشكر1969 بالاضافة لمسرحيات أخري منها حقنة بنج العبقري الكلام لك ياجارة . وترجم أعمالا عديدة للكاتب السويسري دورينمات منها رومولوس العظيم وزيارة السيدة العجوز والشهاب وهبط الملاك في بابل وزواج السيد وهي وعشاقها وترجم لآرثر ميلر مسرحية بعد السقطور ولتنيسي ويليامز مسرحية فوق الكهف وليوجين اونيل الامبراطور جونز وليوجين يونسكو مسرحية تعب كلها الحياة وللفرنسي اداموف مسرحية الباب والشباك وللفرنسي أيضا جان جيرودو مسرحية من أجل سواد عينيها وللكاتب السويسري ماكس توين مسرحيتان هما مشعلو النيران وأمير الأراضي البور ولعلنا نطمح في أن تجمع مسرحيات أنيس المؤلفة والمترجمة في مجلدين كبيرين لتفيد منهما الأجيال القادمة وأن يهتم البيت الفني للمسرح بإعادة بعضها ضمن خطة الريبرتوار للمسرحيات المهمة. الرمز الثاني هو الفنان الكبير عمر الحريري الذي ظل واقفا علي خشبة المسرح طوال63 سنة, بدأ حياته بفرقة التمثيل الخاصة بمعهد اللاسلكي المسائي, بينما كان يدرس صباحا في المرحلة الثانوية ولعله أمر عجيب ذلك الاهتمام بالمسرح في الاربعينيات إلي درجة أن ينشيء معهد مسائي لدراسة اللاسلكي فرقة تمثيل خاصة وتكون لها عروضها وميزانيتها, بينما في هذه الأيام يسهل إغلاق دور العرض الخاصة بالبيت الفني المسرح!! ونعود إلي الفنان عمر الحريري الذي أصر أو الح كما كان يقول في مسرحيته شاهد ما شافش حاجة, علي الدراسة الاكاديمية فالتحق بمعهد التمثيل عند انشائه وكان ضمن طلاب الدفعة الأولي سنة1944 وتخرج فيه عام1947 ليبدأ المشوار الاحترافي ثم يلتقي باستاذه يوسف وهبي الذي يتولي ادارة الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقي ويقرر إعادة تراث مسرح رمسيس فيشترك عمر الحريري في تمثيل30 مسرحية من روائع يوسف وهبي منها راسبوتين كرسي الاعتراف الفاجعة امرأة في الوحل بيومي افندي. ثم يختتم مشواره بعرض الأطفال حديقة الاذكياء علي مسرح متروبول والذي شرفت بحضور آخر ليلة عرض فيه وراعني حالة الشحوب التي كان عليها الفنان الكبير رغم ثبات الأداء والحضور المسرحي الطاغي الذي عودنا عليه, وعندما ذهبت إليه في غرفته بالكواليس أدركت أنه خارج لتوه من المستشفي ليقف علي خشبة المسرح ويواصل العطاء حتي في مرض الموت ويقول بصوت واهن هذا ما تعلمته من يوسف بك وهبي لا يصح التأخير عن خشبة المسرح أو الاعتذار عن عرض أيا كانت الظروف. رحم الله ذلك الفنان القدوة في العطاء والتواضع والأداء البسيط الساحر.