لم يستطع كاتب مشهور أن يراوغ فكرة ألحت عليه كثيرا وطويلا, لتأليف رواية عن ديكتاتور همجي وغريب الأطوار في أمريكا اللاتينية, وقت أن كانت القارة ساحة مفتوحة لتقافز الجنرالات وعربدتهم. والتصق بالديكتاتور الجنرال رافئيل تروخيللو لقب أعتي الطغاة. وكان قد اختطف السلطة في الدومينيكان بانقلاب عسكري عام0391 واستحوذ عليها حتي اغتياله عام.1691 ودفعت الفكرة روائي بيرو الموهوب فارجاس يوسا عام5791 لزيارة جمهورية الدومينيكان.وكان يبحث عن معلومات عن تفاصيل فترة حكم الجنرال. وقد أذهلته الحقائق وروعته الوقائع. وتأكد بما لا يدع مجالا للجدل من ابتكار الطاغية طريقة شيطانية لاختبار ولاء الوزراء.وكان يتعمد مغازلة زوجاتهم. ويحلو له أن ينفرد بالواحدة منهن تلو الأخري. ويرقب رد فعل هؤلاء الأزواج. فان أعربوا عن شبهة استياء,أطاح بهم.وان التزموا الصمت المطبق, وكأن ما لحق بهم من عار وخزي لايمت لهم بصلة, نجحوا في اختبار الولاء. وقد نجحوا جميعا. وأهدروا شرفهم, ومزقوا هويتهم البشرية, وارتضوا صاغرين أن يكونوا مسوخا وأنذالا من أجل البقاء في بلاط السلطان والانتساب لحاشية الطاغية. وأمضي فارجاس يوسا سنوات في تأليف روايته الشهيرة حفل التيس. وكان هذا اسم التدليل للطاغية. وانتزعت الحقيقة من الخيال توهجه, وطغت علي غرائبه. وعندما نشرها عام0002 صارت درة رواياته, وتحفة في أدب الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية. ولم تكن مفاجأة أن يفوز بجائزة نوبل للأدب عام.0102 الزمن المعتم للجنرال تروخيللو وأشباهه من الطغاة في أمريكا اللاتينية, انفرط عقده إلا قليلا. وصارت قيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية محورا للحياة السياسية. وتعد سنوات رئاسة سيلفا دي لولا في البرازيل دليلا ساطعا علي ذلك التطور. فقد انتشلت سياساته نحو عشرين مليون نسمة من مستنقعات الفقر الي عتبات الطبقة المتوسطة, في ظل نظام ديمقراطي وحكم رشيد. لكن الغريب انه بينما كان العالم يتغير ويتطور منذ ثورات أوروبا الشرقية عام9891, وانهيار النظم الشمولية والسلطوية, كان الطغاة العرب يحصنون أنظمتهم الاستبدادية. ونظام كل من مبارك وبن علي والقذافي شاهد علي ذلك. وكذا نظام عبد الله صالح وبشار اللذين يقاتلان شعبيهما بقسوة وضراوة. وكان القذافي الذي يزهو بلقب عميد الحكام الطغاة العرب, قد انتزع بجدارة لقب أعتي الطغاة واكثرهم رعونة وحماقة من الجنرال تروخيللو. وصورت له ذاته المضطربة انه التاريخ. وتجلي القذافي في أوج جنونه عندما انطلقت الثورة الليبية في71 فبراير.1102 وأنكر وجود الشعب. وتوعد الثوار بقتالهم زنقة زنقة,بينما كان يقول هراء واثما: ان القذافي هو التاريخ, والمقاومة, والحرية, والمجد, والثورة. ثم اختفي في كهف القرون الوسطي, حتي عثر عليه الثوار في أنبوبة صرف صحي. وبدا مذهولا, وقد خذله مسدسه الذهبي. وصفعه التاريخ صفعة الموت. ولما أتي فارجاس يوسا نبأ مصرع القذافي, قلب في دهشة صفحات روايته حفل التيس. لقد انتهي الحفل.. ولا مكان للطغاة والحمقي في القرن الحادي والعشرين. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي