كما تنقي حركة الأمواج المحيطات والبحار من الشوائب والأجسام الغريبة التي تعلق بسطحها, كذلك تفعل الثورات في تطهير الشعوب من الذين كتموا علي أنفاسها وقمعوا حرياتها ونهبوا أموالها وافسدوا حياتها.. وبالحساب يأتي معمر القذافي الثالث في عملية التطهير التي انتفضت لها. الشعوب هذه السنة. الأول كان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي, والثاني كان الرئيس المصري حسني مبارك, والثالث كان الذي أطلق علي نفسه ملك ملوك إفريقيا وعميد الحكام العرب وإمام المسلمين وغير ذلك من ألقاب كان لأنور السادات السبق في اختصارها كلها في عبارة الواد المجنون بتاع ليبيا رغم أن السادات استشهد من30 سنة! اختلفت نهايات الثلاثة فزين العابدين هرب وأقلع يوم14 يناير, ومبارك استسلم وخلع يوم11 فبراير, أما القذافي فقد قاوم وحارب شعبه وقتل الآلاف منهم ودمر بيوتهم بالمدافع وظل حتي آخر لحظة متصورا أنه يدافع عن ضيعة امتلكها وعلي استعداد لقتل كل شعبه من أجلها, ولذلك فإن الذين اخرجوه حيا من ماسورة للصرف الصحي وتأكدوا منه ومن مسدسه المصنوع من الذهب كانوا معذورين عندما قرأوا في عينيه كل الإهانات التي وجهها إليهم وصور الآلاف الذين قتلهم فاعدموه في مكانه. كان القذافي نموذجا فريدا للديكتاتور المجنون, فهتلر كان ديكتاتورا ومجنونا قبله إلا أنه حول ألمانيا إلي أقوي دول العالم, لدرجة أنه انبهر بقوتها وتصور أنه يستطيع أن يحكم بها العالم, بينما القذافي حافظ علي تخلف بلاده بصورة غريبة رغم الثروة الكبيرة التي تدفقت عليه, وفي العادة أن يبدأ الشعب بعد الثورة البناء فوق ما خلفه النظام السابق, ولكن القذافي لم يترك لشعبه ما يبنون فوقه, لا مؤسسات ولا أجهزة ولا إدارات ولا أي نوع من أنواع الأساسات, ترك ليبيا وهي في القرن التاسع عشر وشبابها ورجالها بعد عشرة أشهر من النضال المسلح يحمل كل منهم في يده مدفعا وسلاحا من القرن الحادي والعشرين!. [email protected] المزيد من أعمدة صلاح منتصر