لم يستغرق النقاش والجدل أكثر من ساعات بين اللجنة التي تختار الحاصلين علي جائزة نوبل للسلام لعام2011, وقد حسمت اللجنة صاحبات الجائزة الثلاث من بين أكثر من مائة مرشح, باختيار المناضلة اليمنية توكل كرمان مع إلين جونسون سيرليف وليما جبوي. توكل كرمان(32 سنة) هي الأصغر سنا بين جميع من حصلوا علي هذه الجائزة التي خصصتها منذ110 أعوام مؤسسة نوبل لمن يساهمون في صنع السلام حول العالم, كما أنها أول عربية من بين12 إمرأة حصلن علي هذه الجائزة. أستطيع أن أقول إنه بحصول النساء الثلاث علي جائزة نوبل للسلام مع المناضلة الإفريقية هنجاري مثاي عام2004, أن الجائزة التي اختطفتها السياسة والضغوط الأمريكية علي مدي سنوات, قد وصلت الي مستحقيها وعاد معها إحترام وتقدير العالم لها. قالت لجنة نوبل عن كرمان: في ظل ظروف بالغة الصعوبة قبل وبعد ثورات الربيع العربي لعبت توكل كرمان دورا قياديا في النضال من أجل حقوق المرأة والديمقراطية والسلام في اليمن. أشارت لجنة نوبل في قرارها أيضا الي قرار مجلس الأمن رقم1325 الذي صدر عام2000 والذي نص علي أن النساء والأطفال يواجهون الأذي والقهر من الحروب وفقدان الأمن والاستقرار السياسي, وأنه يجب أن يكون للنساء تأثير أكبر ودور حاسم في الأنشطة التي تساهم في صنع السلام. وبينما لم يكن للمرأة دور بارز في ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وسوريا وليبيا, إلا أن المناضلة والصحفية بجريدة الثورة اليمنية ورئيسة جمعية صحافيات بلا قيود توكل كرمان كانت في الصفوف الأولي بين المناضلين اليمنيين, ومن أوائل الذين واجهوا القهر والسجن من نظام الشاويش علي عبد الله صالح. فبعد أيام من اشتعال الثورة اليمنية قادت توكل طلاب الجامعة في مظاهرة غاضبة ضد نظام صالح وحكومته. ويوم22 يناير قبل ثلاثة أيام من ثورة التحرير أوقفها رجال الأمن اليمنيون بملابسهم المدنية وهي عائدة الي منزلها مساء في سيارتها في صنعاء, ونقلوها الي أحد السجون وبقيت36 ساعة مكبلة بالأغلال وزوجها يبحث عنها ولا يعرف مكانها حتي أفرج عنها يوم24 يناير. يوم9 أبريل كتبت كرمان مقالا في صحيفة الجارديان البريطانية عن هذه الواقعة, فقالت: بعد أسبوع من مظاهرات الاحتجاج ضد نظام علي عبد الله صالح, ألقت قوات الأمن القبض علي في منتصف الليل. لقد كانت لحظة فارقة في الثورة اليمنية, فقد نشرت الصحف خبر إلقاء القبض علي وسجني, واشتعلت المظاهرات في معظم أقاليم اليمن ونظمها طلاب الجامعات ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء السياسييون. وواجهت الحكومة ضغوطا هائلة من داخل البلاد حتي أفرج عني بعد قضاء36 ساعة مكبلة بالأغلال. لم تتراجع وترتجف توكل من السجن, وواجهت الحملات الضارية في صحف الحكومة من كتبة النظام الذين تجدهم في جميع الأنظمة العربية وعلي إستعداد لبيع أقلامهم وضمائرهم لمن يدفع! وفي يوم29 يناير وجهت الدعوة الي جماهير الشعب للقيام ب يوم الغضب مستلهمة مليونيات شباب مصر, وثورة الياسمين في تونس. وقد ألقي القبض عليها للمرة الثانية في أقل من شهرين يوم17 مارس. ويتبن من إصرارها علي النضال والثورة ما ذكرته في نهاية المقال, فقالت: سوف نواصل النضال حتي سقوط نظام صالح. فنحن ننسق مع حركة الثوار في الجنوب, والحوثيين الشيعة في الشمال والمعارضة في البرلمان. بعد ذلك إنتقلت توكل مع زوجها من منزلهما للاقامة منذ شهور في معسكر الثورة مع آلاف الثوار في صنعاء. يوم18 يونيو وتحت عنوان الثورة المستمرة في اليمن كتبت كرمان مقالا في النيويورك تايمز هاجمت فيه بشدة الولاياتالمتحدة والسعودية لمساندتهما لنظام صالح الفاسد في اليمن, فقد استخدمت الدولتان نفوذهما لضمان بقاء أعضاء النظام الفاسد في السلطة مع استمرار حالة التخبط والقلق القائمة في البلاد. وختمت المناضلة اليمنية مقالها بالتأكيد علي أن التدخل الأمريكي في اليمن لم يكن الهدف منه الحرب علي الارهاب ولم يكن للدفاع عن حقوق اليمنيين المعتدي عليها من النظام الحاكم أو إستجابة لدعوات الحركة الديمقراطية اليمنية, فثورة المعارضين في اليمن هي من أجل حماية الأمن وإقرار الاستقرار داخل البلاد وفي الدول العربية. لكن نضال توكل كرمان ليس وليد الثورة علي النظام غير الصالح فالناشطة السياسية والصحفية وعضو حزب الاصلاح والزوجة والأم لثلاثة أطفال تلقت عدة تهديدات باختطافهم وقتلهم إذا لم تتراجع عن نشاطها, تعمل بدأب طوال السنوات العشر الماضية لتحقيق رسالتها في النهوض بالمرأة المقهورة وبأحوال الطفل اليمني البائس, وأعود الي مقال نشر يوم14 أبريل عام2010 في صحيفة الحياة بعنوان: زواج الصغيرة وغياب التجديد والاصلاح موقع باسم توكل عبد السلام كرمان رئيسة جمعية النساء الصحافيات بلا قيود باليمن والمقال الذي شغل ثلث الصفحة لفت انتباهي إليه الأسلوب الرصين والثقافة الدينية والاجتماعية التي تبدو في كل سطوره, وتعبر كلها عن حقيقة هذه الشابة اليمنية التي تقود الحرب ضد ميلشيات الظلام والتخلف والقهر والرجعية, فهي تعبئ بنات اليمن للثورة علي العادات القبيحة الموروثة التي تدني من شأن المرأة, وتهاجم دعوات التجار باسم الدين لتسويق أفكارهم المسممة ضد النساء. تقول الكاتبة: في تراثنا الفقهي هناك متسع للانسجام والتوافق مع مطالبات حظر زواج الصغيرات وتحديد سن الثامنة عشرة كحد أدني لزواج الفتاة, هذا ما يراه المذهب المالكي, وهو ما نقل عن ابن عباس. ومنهم من قال22 سنة, وآخرون25 ومن يدري ربما هناك متسع لما هو أعلي. وفي موضع آخر تقول: يجري هذه الأيام تداول مشروع قانون زواج الصغيرات بحذر وعلي استحياء مخز من جانب أعضاء مجلس النواب اليمني الذين يفترض أنهم رعاة حقوق الانسان في اليمن. وبالتوازي وبصوت مرتفع يجري ضخ أكوام هائلة من الغثاء تري في الدعوة الي سن قانون يحظر زواج القاصرات( دعوة الي العهر المبكر). إن الرافضين لهذا القانون ومن يساندهم من العلماء والمشتغلين بالدعوة والفكر الاسلامي هم من ذوي الحظوظ المتدنية من الروحانية والالتزام!ثم تقول: وفي اليمن المنكوب بكل الأمراض يغيب كثيرون من العقلاء من رجال الدين لمصلحة أصحاب الفتاوي الفارغة ممن هم الأعلي صوتا والأقل فقها وحين تذهب للتعرف علي أصحاب الفكر والاسهام, فستجد نفسك أمام فكر ضحل وإسهام رديء. وفي الغالب يجري تسويق الدين اعتمادا علي القسر والاكراه بعيدا عن القناعة وحرية الاختيار وتختتم الكاتبة مقالها قائلة: دعوني أقول أننا بحاجة ماسة الي قدر من التنوير الثقافي الشامل اذا أردنا التمتع بالحد الأدني من الكرامة الانسانية. تنوير يحرر العقل من الأوهام, والدين من القساوسة والرهبان, والمجتمع من ويلات الفكر المريض وعبدة التقاليد والتراث. شكرا للجنة جائزة نوبل التي اعترفت بجهود المرأة العربية والإفريقية, وأرجو أن يمتد هذا الاعتراف الي نضال المرأة الفلسطينية أكثر نساء الأرض معاناة من الظلم والقهر وأن تمنح جائزة السلام لعام2012 للفلسطينيات في غزة اللاتي يواجهن أبشع أنواع القمع والحصار غير الإنساني وغير الأخلاقي من الفاشيين الجدد في إسرائيل.