في عام1958 تعرضت فرنسا لشبح الحرب الاهلية اثر ازمة سياسية واقتصادية خانقة بسبب تصاعد حرب الجزائر وعجز القوي السياسية عن تشكيل حكومة ائتلافية تحتوي الموقف وتكتسب ثقة البرلمان. ونظر الفرنسيون حولهم فلم يجدوا خيرامن الجنرال ديجول بطل الحرب العالمية الثانية ليقود البلاد في هذه الفترة العصيبة.ورغم تردد الاحزاب وتلكؤها فإن الضغوط الشعبية فرضت رأيها في النهاية وتم تكليف ديجول بتشكيل حكومة انتقالية واشترط ان تكون له صلاحيات واسعة ولمدة ستة أشهر يقوم فيها بتقديم مشروع لدستور جديد يطرح علي الشعب في استفتاء عام. وبالفعل نجح ديجول بفضل حكمته وصلابته وقوة شخصيته في اعادة الحياة الي طبيعتها وكلف لجنة مصغرة برئاسة مساعده الاول ديبريه بأعداد دستور جديد يعكس افكاره وتوجهاته ووافق الشعب الفرنسي عليه بأغلبية كبيرة بينما انتخب ديجول بعدها رئيسا لفرنسا. وليست احوالنا الان بأسوأ مما كانت عليه فرنسا قبل خمسين عاما لولا ان القوي الشعبية عندنا لم تجد شخصية مثل ديجول ولولا اننا انجرفنا بنية حسنة وخبرة ناقصة الي المكيدة التي دبرها لنا الحاكم السابق بتخليه عن الحكم بطريقة غير دستورية اذ كان عليه ان يستقيل ويمضي ليترك للشعب حق انتخاب رئيس جديد خلال ستين يوما من تاريخه بإرادته الحرة وتحت حماية قواته المسلحة. واذ كنا نعذر القوي الشعبية لقلة حيلتها فإننا نلوم القوي السياسية التي ظنت ان الثمرة قد دان قطافها وحان قطفها فتسابقت الاحزاب والجماعات املا في اقتناص الفرصة بشتي الطرق حتي و صلنا الي مانحن فيه الآن من توتر واحتقان ينزران بسوء المآل ناهيك.. ناهيك عن تدني الاحوال الامنية والاقتصادية والاجتماعية.. الخ ورغم ذلك فأن الفرصة مازالت سانحة اذا رغبت القوي والاحزاب في اثبات صدقها ووطنيتها والاتفاق فيما بينها علي الحد الادني الممكن لاختيار شخصية, سياسية وادارية فاهمة وواعية وقادرة علي تشكيل حكومة قوية كل وزرائها من اهل السياسة لا من اهل الخبرة وان تضغط بكافة الطرق من اجل تكليف الشخص الذي يقع عليه الاختيار. اعرف ان التنافر بين الاحزاب اكبر بكثير من التوافق فيما بينها ولكن حينما يتعلق الامر بالوطن فإن كل شيء يهون في المقابل الشرط الوحيد الذي ارجو تتمسك به القوي السياسية هو ان تختار شخصية ابعد ماتكون عن النظام السابق مهما بلغت كفاءته وقدراته تماما مثلما جاء ديجول في زمانه وكان النجاح حليفه. مهندس محسن كريم