مرة أخري والأرجح أنها لن تكون الأخيرة يتجدد العنف الطائفي في مدينة جوس النيجيرية مخلفة عدد هائل من الضحايا وصل في بعض التقديرات الي500 شخص. في هجمات شنها هذه المرة مجموعة من الرعاة المسلمين علي القري التي تقطنها أغلبية مسيحية وهي الهجمات التي استمرت منذ فجر الأحد الماضي وحتي غروب نفس اليوم رغم حظر التجول المفروض علي المدينة بسبب أعمال العنف التي سبق أن شهدتها نفس المدينة في مطلع العام الحالي وخلفت بدورها مئات الضحايا فضلا عن اجبارها آلاف السكان علي ترك ديارهم بسبب الخوف من تجدد العنف. وبينما أجمعت الآراء علي أن هذه الاشتباكات الأخيرة هي رد فعل متوقع علي المذابح التي وقعت في يناير الماضي ولقي فيها عدة مئات من السكان المسلمين حتفهم بعد التمثيل بجثثهم فهناك حقائق أخري يدركها المراقبون أهمها أن هذه الخلافات وان بدت ذات صبغة دينية وطائفية الا أنها في حقيقتها صراع بين الجماعات العرقية حول الأراضي الخصبة والموارد في المنطقة المعروفة بأنها الحزام الأوسط لنيجيريا. وهنا يشير هؤلاء الي أن الانقسامات الدينية تتقاطع مع الانتماءات السياسية والعرقية في المدينة التي طالما اتخذت كنموذج للتسامح الديني في نيجيريا قبل أن تتحول من رمز لقبول الآخر الي ساحة للنزاعات الطائفية الدموية. فقبائل الهوسا فولاني المسلمة التي تعيش في المدينة منذ عشرات السنين مازالت تصنف باعتبارها وافدة أو مستوطنة بينما تعتبر قبائل البيروم نفسها صاحبة الأرض الحقيقية وفي الوقت الذي تؤيد فيه القبائل المسيحية بشكل عام الحزب الحاكم فان القبائل المسلمة تؤيد بدورها المعارضة الأمر الذي دفع البعض للقول أن الخلافات السياسية في تلك المدينة غالبا ما يتم وضعها في اطار طائفي وديني. ودليلهم علي ذلك أرقام الضحايا التي تتفاوت من تقييم لآخر حسب الطرف الذي يعلنها. فاما أن تخضع هذه الأرقام للمبالغة لتحقيق أهداف سياسية معينة أو يتم التقليل منها لتفادي حدوث عمليات انتقام واسعة. وفي الوقت الذي سارع فيه جودلك جوناثان الرئيس القائم بالاعمال بادانه هذه الحوادث واتخذ مجموعة من الاجراءات لعودة الهدوء للمدينة الواقعة في وسط نيجيريا بين الشمال ذي الأغلبية المسلمة والجنوب ذي الأغلبية المسيحيةأهمها نشر قوات للجيش واعلان حالة الطواريء القصوي ليس في جوس وحدها ولكن في الولايات المجاورة فضلا عن القاء القبض علي95 شخصا الا ان هناك اجماعا علي أن هذه الاشتباكات الأخيرة تمثل أكبر تحد للرئيس الذي تولي مسئولية الرئاسة رسميا منذ شهر واحد فقط من الرئيس عمر ياراأدو الذي يعاني من مشاكل صحية بالقلب تعوقه عن تولي مسئولياته. وهو ما ألقي الضوء علي مدي هشاشة الوضع في اكبر دولة افريقية من حيث عدد السكان ومن حيث انتاج النفط خاصة مع قرب موعد اجراء الانتخابات الرئاسية العام القادم. ولكن بغض النظر عن الاتهامات الموجهة من السكان للسلطات المحلية بضلوعها في هذه المذابح بسبب تقاعسها عن التدخل في الوقت المناسب لوقفها فهناك اجماع علي أن أسباب هذا العنف المتجدد تعود في مجملها لفساد و صراعات السياسيين المختبئين تحت غطاء ديني وعرقي لقتل وترويع المواطنين وكالعادة في مثل هذه الظروف يستطيع هؤلاء أن يعثروا بسهولة علي أدوات تنفيذ خططهم بين جيش الجوعي والمحبطين المنتشرين في المدن الفقيرة وهنا يكون السؤال الذي يطرح نفسه بعد أن يهدأ غبار العاصفة: هل ستكون هذه الحادثة هي الأخيرة؟ وهل سيقدم الجناة الحقيقيون للعدالة أم سيستمر هؤلاء في التمتع بدعم وحماية هؤلاء السياسيين؟