علي مشارف الزمن رجال اصطفاهم ربهم, فأتاهم من فضله ما لم يؤت غيرهم, ومن البشر خلق ينساهم الناس قبل ان يواروهم التراب, وثمة رجال هم والزمن صنوان من الخلود. لن ينساهم الناس أجمعون, ومن هؤلاء الأستاذ برهان الدين رباني الرئيس الافغاني الأسبق ورئيس المجلس الأعلي للسلام فقد نادي الرجل ربه, وفتح له أكرم طريق, الطريق الذي كان يطلبه, طريق الشهداء, وأسكنه مولاه في جناته العليا, في ظل عرشه مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا. ولد الاستاذ رباني في ولاية بدخشان عام1940 في اسرة عرف عنها الورع والتقوي والصلاح, تخرج في كلية الشريعة الاسلامية في جامعة كابل عام1962 وحصل علي الماجستير في العقيد والفلسفة من جامعة الأزهر الشريف عام1966, كان من اوائل الشباب الذين انتظموا في صفوف الحركة الإسلامية في افغانستان ومن كبار المساعدين للشهيد غلام محمد نيازي مؤسس الحركة الإسلامية في افغانستان الذي كان يستمد فكره من الاخوان المسلمين بمصر.. وكان الاستاذ رباني اول من جذب الانتباه الدولي إلي خطورة الوضع في افغانستان, وبعد الغزو السوفييتي لعبت الجمعية الإسلامية الافغانية بقيادة الاستاذ رباني دورا بارزا ضد الاتحاد السوفييتي, وكان حزبه اقوي الاحزاب تماسكا وتنظيما, ثم ان قواته كانت أول من دخل العاصمة كابول بقيادة القائد الراحل احمد شاه مسعود عقب سقوط الحكم الشيوعي. انتخب الاستاذ رباني رئيسا لجمهورية افغانستان الإسلامية في1992/6/28 وكان من أكثر زعماء افغانستان المعتدلين والمهتمين بتطوير وتنسيق بلاده مع العالم الإسلامي والعربي, ولكن منذ تسلمه مهام الرئاسة في افغانستان لم تتح له الفرصة ليفكر بهدوء يوما واحدا للامساك بزمام السلطة وممارسة مهامه الرئاسية والعمل علي استقرار البلاد واخراجها من دوامة الصراعات التي أكلت اليابس والأخضر, وبعد ظهور طالبان رحب الاستاذ رباني بحركة طالبان بل ساعدهم اقتصاديا وسياسيا واشاد بدورهم في توطيد النظام واستتباب الأمن في الاماكن التي حرروها من قوات عصابات الحرب, إلا ان سياسة العنف والتدمير التي اتبعتها طالبان لم تثمر سوي الخراب والدمار.. وطالب الاستاذ الشهيد طالبان ببدء حوار فوري لتحقيق التسوية السلمية.. إلا ان طالبان لم تستجب لنداء العقل مما جعل للحل العسكري جاذبته, وبعد الغزو الأمريكي لافغانستان كان الاستاذ رباني عضوا بارزا في البرلمان اضافة إلي اشرافه علي محطة تليفزيونية وليدة اسمها النور وهي قناة اسلامية باللغة الفارسية والبشتو, وهدفها التصدي للهجمة الغربية الشرسة علي ارض الافغانستان, اعتقد ان تعدد مهن الاستاذ رباني بين السياسة والعمل الاكاديمي والعمل الديني الدولي وسجله الحافل في التعاون مع الجامعات العرقية الافغانية المختلفة خلال الحرب ضد السوفيت في الثمانينات من القرن الماضي جعله محل ترحيب الجميع ومقبولا لدي الكثيرين كوسيط في محادثات السلام, إلا ان استشهاده قد حرم افغانستان من الشخص الذي يملك القدر اللازم من العلاقات الدولية لانهاء الصراع هناك, رحمة الله علي ما قدمه لشعبه.