كتب: محمد فؤاد دول الجوار العراقي وعلي رأسها إيران تتابع عن كثب ما يحدث في الساحة العراقية مع قدوم الانتخابات حيث يهمها أن تعرف ما ستتمخض عنه تلك الانتخابات. والسؤال الذي يطرح نفسه ما درجة التدخل الإيراني في هذه الانتخابات, هل كما كانت عليه في السابق أم أن طهران انشغلت بالوضع الداخلي المتأزم لديها وتركت الساحة العراقية.وماذا عن تركيا هل لها دور في هذه الانتخابات؟ وكيف تنظر إلي تصاعد النفوذ الكردي القريب من الشمال التركي, خاصة مع وجود نزعات انفصالية خطيرة علي الأراضي التركية من قبل الأكراد هناك ؟. ووسط هذا وذاك لايمكن ان نغفل أن تلك الانتخابات تفضح المنافسات علي الأراضي العراقية. والحقيقة أن إيران تهمها بطبيعة الحال تلك الانتخابات حيث إنه ليس من المعقول أن تضيع الجهود الإيرانية والاموال والدبلوماسية هباء إذا جاء رجالات في الحكم لاينتمون إلي تيارات مؤيدة للنظام الإيراني وللنفوذ الإيراني في العراق. فكيف ستسمح إيران أن يتطاير رجالاتها كالورق الذي تجرفه رياح قوية. ومن هنا فلابد أن نعرف أن إيران هذه المرة معنية تماما بالانتخابات العراقية وتتلمس طريقها نحو هدفها. وثمة أمر آخر لايمكن أن نغفله أن الولاياتالمتحدةالامريكية تستعد للانسحاب من العراق بحلول عام2011 وبالتالي فإيران في وضع حالي يؤهلها لمد نفوذها في العراق أكثر واكثر. وحتي ندرك مدي قوة النفوذ الإيراني في العراق لجأنا إلي تقرير مجموعة الأزمات الدولية التي قالت إن النفوذ الإيراني واضح في العراق وموجود في جميع أرجاء البلاد وبين النخبة السياسية, ويصل أيضا إلي التقسيمات الطائفية. وقالت المجموعة في تقرير قبيل الانتخابات إن طهران كرست' السلطة اللينة' المتمثلة في الدبلوماسية والتجارة وصفقات الغاز والمساعدات لإعادة الإعمار والتبرعات الدينية بشكل أكثر فاعلية بكثير من الدول العربية التي تحاول كذلك مد نفوذها في العراق. ويكفي أن نقول إن كثيرا من المراقبين أشاروا إلي أن إيران هي المسئول الأول عن طرح فكرة اجتثات بعض الأسماء من خوض الانتخابات البرلمانية, وكان علي رأس القائمة صالح المطلك زعيم جبهة الحوار الوطني. وتشير مصادر من داخل العراق إلي أن إيران أجرت داخل العراق استفتاء حول التحالف العراقي الذي يمكن أن يفوز بالانتخابات فتبين لها أن الكتلة الوطنية هي المرشح الأقوي, فبدأت التفكير في كيفية تغيير تلك الصورة من خلال اجتثاث بعض الأسماء ومنعها من خوض الانتخابات. والحقيقة أن الكتلة الوطنية العراقية هي عبارة عن ائتلاف شكله اياد علاوي زعيم حركة الوفاق العراقي وصالح المطلك زعيم جبهة الحوار الوطني. ويعرف عن تلك الكتلة أنها تضم عناصر بعثية وهي بطبيعة الحال غير مرحب بها من قبل إيران. وقد لجأ إياد علاوي لذلك التحالف بعد أن فقدت بشكل كبير حركة الوفاق شعبيتهافي الشارع العراقي. وقد أدي قرار استبعاد بعض الأسماء معظمها ينتمي للطائفة السنية إلي استهجان أمريكي ورد فعل وصل إلي حد زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن لبغداد لتدارك الامر لأن امريكا رأت أن إبعاد تلك الشخصيات هو إضعاف لنفوذها وتقوية للنفوذ الإيراني. والدليل علي ذلك أن من الشخصيات المبعدة الامين العام لتجمع المستقبل العراقي ظافر العاني وزعيم جبهة الحوار الوطني صالح المطلك التي كانت لهما تصريحات شديدة مناوئة لإيران. ولكن بايدن لم ينجح في إعادة جميع الشخصيات المبعدة بل وتم مواجهته بعاصفة شديدة من الانتقادات وحملة شرسة علي تلك الزيارة التي اعتبرها المؤيدون لإيران بأنها بمثابة تدخل مباشر في الشأن العراقي. والحقيقة أن واشنطن رأت أن قرار الإبعاد سيؤدي إلي تخلخل في موازين القوي المذهبية يمكن ان يؤدي إلي حدوث مشكلات بين المواطنين في عدد من المناطق يعيد للأذهان ما حدث من أعمال عنف لفترة بعد عام2005. أما بالنسبة لمواقف الدول الأخري فلو لاحظناها فسنجد مواقف الدول الاخري المجاورة للعراق تتمثل في أن جميعها سواء السعودية أو تركيا أو سوريا تريد عراقا مستقرا موحدا. وجميع هذه الدول لديها مخاوف من أن أي انفجار للوضع الداخلي داخل العراق من شأنه أن يدفعها نحو تدخل مباشر يمكن أن يقحمها في مشكلات هي في غني عنها. والحقيقة أن تركيا وسوريا والسعودية تبقي بعيدة عن الظهور العلني في المشهد العراقي. ولو نظرنا إلي تركيا فسنجد أن حساسية تركيا من طموحات الأكراد ودعمها للأقلية التركمانية في شمال العراق الذي يسيطر عليه الأكراد لم يمنعها من الدخول في تجارة مزدهرة في تلك المناطق, ولكننا يجب أن نعرف أن تركيا ترفض إبعاد الحكومة المركزية في بغداد. أما سوريا فقد أعلنت صراحة أنها لايمكن أن تتحمل عراقا يسوده الفوضي ويجوب شوارعه مسلحون دون حكم القانون, والحقيقة ان دمشق شجعت المصالحة العراقية كما حثت السنة علي المشاركة في المصالحة العراقية. وبعد فرز مواقف كل دولة من الأوضاع حاليا في العراق فسنجد أنه لو فازت الأحزاب الموالية لإيران في الانتخابات المقبلة فسيتعرض العراق لمزيد من العزلة العربية. والحقيقة انه لايمكن ان نستبعد أن تتم صفقات من أي نوع بين اللاعبين الرئيسيين في العراق لتحقيق مصالحهما ليس أكثر, ونعني بذلك الولاياتالمتحدةوإيران, وفي حالة كهذه سيكون العراق هو الخاسر الأكبر.