يظل سؤال الهوية علي مستوي الفرد أو الجماعة واحدا من أخطر و أهم الأسئلة التي تؤرق البشر, إذ يمكن أن تتحول إجابته الملتبسة أو الغامضة لأزمة وجودية تغيب في ظلها الأهداف والرؤي, و تتضارب مفاهيم الولاء والانتماء, بل وربما تتآكل. ويصبح الأمر أكثر خطورة وإلحاحا في أوقات الأزمات التي تتطلب وضوح الرؤية والهدف. فظهر سؤال الهوية بوضوح في مطلع القرن الماضي إبان الانفصال عن الخلافة العثمانية, وثار حوله جدل واسع في عشرينيات وثلاثينيات ذلك القرن مع سعي المصريين الحثيث للتخلص من نير الاحتلال البريطاني و إرساء قواعد الدولة, ثم عاد وأطل برأسه علي استحياء عقب نكسة67 وتزايد موجات الهجرة للدول النفطية في السبعينيات,ثم بجلاء ووضوح خلال العقدين الماضيين عندما أصبحت الهجرة للخارج حلما وهدفا وباتت السخرية والاستهانة بالثوابت والرموز التي شكلت وجدان المصري علي مر العصور, بدء من النيل و مقولة الزعيم مصطفي كامل الشهيرة وغيرها, أمرا عاديا لا يثير الدهشة أو الاستنكار!! واليوم ومصر في مفترق الطرق ومع التناقض الشديد ما بين استشعار البعض إحساسا بالدونية و العجز وجلد الذات مقابل حالة الوله بدول من الشرق والغرب, و الدفاع المستميت عن نماذجها والدعوة لتطبيقها حرفيا باعتبارها الحل الأمثل للخروج بمصر من عنق الزجاجة, وتجاهل اختلاف الظروف و طبيعة المجتمع و شخصية المصري, وإغفال حقيقة أن السياسة هي علم الممكن و أن الدول تتعامل من منطلق مصلحتها الخاصة لا المثل العليا- وإلا اتهم ساستها بالخيانة وإهدار مصالح مواطنيهم-, يصبح سؤال الهوية والولاء واكتشاف حقيقة الذات ومكامن قوتها وضعفها فرضا واجبا. وبالتالي وربما لأول مرة منذ ثمان وثلاثين عاما يصبح لأكتوبر معني أكبر وأهم من مجرد الاحتفال في تاريخ يوم بعينه, بذكري انتصار, وأحيانا المرور, مرور الكرام, علي كل الأيام التي سبقته بدء من لحظة الانكسار في67 وأيام القهر,أو القفز بالزمان لأيام الصبر و الكفاح حتي لحظة العبور. يأتي أكتوبر عامنا هذا ونحن أحوج ما نكون لاستعادة الذاكرة الفردية والجمعية علي مر التاريخ وفي كل ربوع مصرنا, وللتفتيش في خزانة الوعي المصري عن مكمن القوة والصلابة والتحدي الذي كان المصد الذي تكسرت أمامه علي مر العصور محاولات الاستنامة لحالات الضعف والانكسار أو استلاب الروح. نقلب في دفتر أحوال مصر, الوطن, علي مر العصور ونتوقف أمام لحظات الانكسار التي حولها أبناء هذا الشعب علي مدي التاريخ لانتصارات, وما سطره الشعراء وما ردده الرواة وما حفظته القلوب وجرت به الألسن في الجلسات الخاصة ومجامع السمر.. جمعنا بعضا منه ونقدمه اليوم علي هذه الصفحة, ليس فقط للتذكره ومواجهة محاولات تجريف الذاكرة الجمعية المصرية, بل أيضا والأهم من ذلك كله مقاومة محاولات استغلال الأوضاع الراهنة و إثارة حالات الفرقة وتأجيج مشاعر الاختلاف و اليأس والانقضاض علي المستقبل.. نستحضر حالات الأزمة و انفراجها و عمليات التحول الثقافي وتحديد الهوية,علي لسان شعراء وأدباء مصر في تاريخها الوسيط, وسيرة الفرد في إطار الجماعة خلال سنوات المقاومة حتي لحظة النصر في أكتوبر.73 نقدم هذه القراءة السريعة بأمل المساهمة في إعادة بناءالذاكرة الوطنية واستعادة كل اللحظات التي التف فيها كل أبناء الأمة حول راية واحدة, وتحول فيها الكل لواحد من أجل مصر, وكل عام ومصرنا بخير.