كتب -هاني عسل: بعد حملة ناجحة لحظر أكثر الرياضات دموية ووحشية علي وجه الأرض, احتفلت مدينة برشلونة الإسبانية هذا الأسبوع بإقامة آخر مباراة لمصارعة الثيران علي أرضها , بل وفي إقليم كاتالونيا كله, لتفتح الباب واسعا أمام باقي مدن إسبانيا للتفكير في طلاق هذه الرياضة بالثلاثة, تأكيدا علي أن شعب إسبانيا بات مقتنعا بأن حقوق الحيوان أهم بكثير من أهمية أيقونة الرياضة الوطنية في بلاده! وبعد انتهاء آخر مباراة أو لنقل معركة- لمصارعة الثيران في مدينة برشلونة, حمل المشجعون الإسبان علي أعناقهم أشهر مصارع للثيران في البلاد, واثنين من مساعديه, وطافوا بهم جميعا حول حلبة لا مونيمونتال التي تبلغ سعتها20 ألف مشاهد, إيذانا بوداع نهائي لهذه الرياضة العنيفة التي يطلق عليها في إسبانيا اسم الكوريدا. وشارك في مباراة الوداع المصارع الشهير خوسيه توماس المصارع رقم واحد في إسبانيا, حيث بدأ المباراة بتوجيه الطعنات التقليدية إلي الثور الهائج الأول, بينما اختتم المباراة زميله المصارع سيرافين مارين الذي نجح في قتل الثور السادس والأخير وسط تصفيق حاد من الجماهير, ولكن هذه المرة ليس تشجيعا له علي قتل الثور, وإنما تكريما له باعتباره الماتادور الأخير الذي سيشهدونه. ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل سارع الكثير من الحاضرين إلي اقتحام أرضية الملعب الترابية ومحاولة الحصول علي حفنة من التراب في زجاجات تخليدا لهذه الذكري! وعلي طريقة مباريات الكرة المصرية هذه الأيام, شهدت المنطقة الواقعة خارج الحلبة مصادمات, ولكن محدودة, بين أنصار الجانبين: المؤيدون لمصارعة الثيران والمعارضون لها, ولكن لم ترد أنباء عن سقوط مصابين أو أي اعتقالات. وعلي الرغم من أن الكثيرين من محبي هذه الرياضة شعروا بتأثر شديد لهذا الوداع الاضطراري الذي تفرضه التقاليد السامية المفترضة للرياضة وحقوق الحيوان, فإن الجميع بدا مقتنعا بأن اليوم قد حان لكي يثبت الإسبان أنهم ليسوا هذا الشعب الوحشي الدموي الذي يقبل طعن حيوان عنيف بسكينين في ظهره وتركه يتعذب ويتألم ويترنح إلي أن ينهار في مشهد كوميدي مسيء للإنسان أكثر منه مسيء للإنسان الذي يقوم به. سكان برشلونة تعاملوا مع هذا الحدث الذي وصف بأنه آخر أيام القتل بعد الظهيرة علي أنه أمر واقع, وحفل وداع تأخر كثيرا, ولهذا, فقد امتلأ استاد لا مونيمونتال بالمشاهدين الراغبين في مشاهدة هذه اللحظة التاريخية, والذين بلغ عددهم20 ألف مشاهد, وعلي الرغم من أن سعر تذكرة هذه المباراة كان300 يورو, فإن سعر التذكرة وصل في السوق السوداء إلي1600 يورو للتذكرة الواحدة! ولم يمنع حفل الوداع إعراب بعض المشجعين عن أسفهم لهذا الحظر, زاعمين أنه يقضي علي التراث الوطني وعلي إحدي أيقونات إسبانيا, وأيضا علي حقوق الناس في المشاهدة والمتعة, ولكن لوحظ أن أغلبية المتعاطفين مع الكوريدا هم إما من السائحين القادمين من خارج إسبانيا لمشاهدة هذه المباريات, أو من العاملين في قطاع السياحة الذين يعتمدون علي مصارعة الثيران كعنصر أساسي من عناصر الترويج للسياحة الإسبانية في الخارج. ولذلك لم يكن غريبا أن تنقل وكالة رويترز للأنباء عن جوزيف نافارو وهو مشجع عاشق لمصارعة الثيران عمره60 عاما قوله إن قرار إلغاء مصارعة الثيران قرار ديكتاتوري, وأضاف ساخرا من القرار: نحن لا نفعل أي شيء مخالف ضد أحد.. وتم منعنا من مشاهدة عرض عمره300 عام! ولكن علي المقابل, تجمع مئات من المحتجين المعارضين لمصارعة الثيران خارج الحلبة وهم يحملون لافتات كتب عليها وداعا ويوم عظيم للثيران, وأكدوا أنهم سيواصلون حملتهم في باقي المدن والأقاليم الإسبانية لفرض حظر موسع علي هذه الرياضة الدموية في أنحاء البلاد, المدينة تلو الأخري, إلي أن تنسي إسبانيا كلها يوما ما شيئا كان يسمة الكوريدا! وكان البرلمان الكاتالوني قد قرر بالأغلبية حظر مصارعة الثيران منذ شهر يوليو2010 استجابة لحملة توقيعات جمعها نشطاء حماية حقوق الحيوان ممن طالبوا بإلغاء الرياضة, ولكن هذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ إلا في أول يناير الماضي, وتم الاتفاق علي أن تكون مباراة الأحد الماضي علي حلبة لا مونيمونتال هي الأخيرة في هذا الموسم.. والأخيرة في تاريخ إقليم كاتالونيا, وعبثا حاول المؤيدون لاستمرار هذه الرياضة إجبار البرلمان علي التراجع عن هذا القرار, غير أنه ليس أمامهم الآن سوي بذل الكثير من الجهد من أجل منع صدور قرار مماثل في باقي أقاليم البلاد. ويعد إقليم كاتالونيا هو الإقليم الثاني من بين إجمالي17 إقليماإسبانيا الذي يقوم بمنع مصارعة الثيران بعد إقليم جزر الكناري التي كان لها السبق في ذلك عام1991, غير أن الكناري لم يكن لها تاريخ بارز في هذه الرياضة مثل برشلونة. وكانت رياضة مصارعة الثيران قد اكتسبت شعبية كبيرة في برشلونة وغيرها من المدن الكاتالونية في السنوات الماضية ولكن تراجع الاهتمام بالرياضة جاء منذ عهد الديكتاتور فرانسيسكو فرانكو عام1978, كما أظهرت الكثير من الدراسات التي أجريت في السنوات الماضية تراجع اهتمام وحماس الإسبان بصفة عامة لهذه الرياضة وتزايد نظرتهم إليها علي أنها رياضة دموية وغير أخلاقية. غير أن هذه الرياضة ظلت تتمتع بقسط من الإقبال الجماهيري وبخاصة من العاملين في صناعة السياحة, باعتبار أن مباريات مصارعة الثيران من بين الفقرات الأساسية في برامج زيارات السائحين الأجانب لإسبانيا, والتي تدر عليهم دخلا يقدر بمليارات الدولارات سنويا, فضلا عن المهرجانات المرتبطة بها مثل مهرجان إطلاق الثيران في الشوارع الذي يشهد إصابة العشرات سنويا. وجاءت الأزمة المالية الأوروبية الطاحنة مؤخرا وارتفاع أسهم وشعبية فريق برشلونة لكرة القدم بصورة تفوق أي شيء آخر لتتراجع مصارعة الثيران بصورة لم تحدث من قبل, لدرجة دفعت محطات التليفزيون الإسبانية نفسها إلي التوقف عن بث مباريات مصارعة الثيران علي الهواء مباشرة من أجل منع الأطفال من مشاهدة العنف ورؤية حفلات تعذيب الحيوان! وفي مقال نشرته مؤخرا تحت عنوان المهرجان ينتهي, قالت صحيفة إل بايس الإسبانية إن تغير الأمزجة والأذواق العامة للناس والصعوبات الاقتصادية وبخاصة في المدن الصغيرة كل هذه عوامل أدت إلي تراجع نسبته34% في عدد الأنشطة والمهرجانات المرتبطة بالثيران في البلاد, فبعد أن كانت هذه المسابقات والأحداث2622 مسابقة ومباراة في عام2007, وصل العدد إلي1724 فقط في.2010 بقي سؤال بريء: بعد أن ضحي الإسبان برياضتهم السيئة, ألا زال الأمر مستحيلا علي جماهير الرياضة في مصر أن تتخلص هي الأخري من أسوأ أمراضها: الطوب والشتائم؟! وهما المرضان اللذان يندر وجودهما في الملاعب الرياضية بأي دولة أخري؟! أم أن الأمر أصعب مما نتصور وما نقدر؟! [email protected]