لا تتحمل مصر في ظروفها الصعبة الراهنة عملية انتخابية طويلة تستغرف ثلاثة أشهر ونصف الشهر, ربما يكون صعبا علي أي بلد في وضع طبيعي تحمل مثل هذه الفترة الانتخابية الطويلة. فما بالنا بدولة في مرحلة انتقال محملة بتركة ثقيلة موروثة عن النظام السابق وتواجه مشاكل يؤدي التأخر في معالجتها إلي أزمات يلد بعضها بعضا. ولذلك يبدو البرنامج الزمني للعملية الانتخابية الذي اقترحته اللجنة العليا للانتخابات مفارقا لهذا الواقع الذي يفرض تقصير أمده. ولم تكن هناك مشكلة في هذا البرنامج حين كان مقررا إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري في الوقت نفسه علي ثلاث مراحل, فإذا بدأت المرحلة الأولي في 21 نوفمبر وفق اقتراح اللجنة العليا, يمكن ان تنتهي في 26 ديسمبر أي خلال شهر ونصف الشهر, علي أساس أن كل مرحلة تجري في اسبوعين يخصص أحدهما الانتخابات الإعادة علي المقاعد الفردية وفق نظام الانتخابات المتضمن في المرسومين بقانونين بشأن تعديل قانوني مجلسي الشعب والشوري. غير ان اللجنة العليا للانتخابات رأت الفصل بين انتخابات المجلسين لضمان وجود قاض في كل لجنة انتخابية فرعية, الأمر الذي يتعذر في ظله اجراؤها في يوم واحد. ولكن المشكلة الأساسية, هنا, لا تعود الي اجراء انتخابات المجلسين في اليوم نفسه بمقدار ما ترجع الي الجميع بين نظام الانتخابات الفردي ونظام الانتخاب بالقوائم الحزبية, فبسبب نظام الانتخاب المختلط هذا لابد أن يدلي الناخب بصوته في بطاقتين منفصلتين, احداهما للدائرة المخصصة للانتخاب بنظام القائمة والثانية للدائرة الفردية, وإذا أجريت انتخابات المجلسين في وقت واحد, فسيكون علي الناخب أن يدلي بصوته في أربع بطاقات انتخاب, ويستلزم ذلك فصل انتخاب المجلسين مكانيا بالرغم من تزامنهما زمنيا, ويمكن ان يتحقق ذلك بتخصيص غرفتين في كل لجنة انتخاب, احداهما لمجلس الشعب والثانية لمجلس الشوري, وليست هناك مشكلة في ذلك. فالمشكلة هي في أن عدد القضاة لا يكفي لكي يوجد قاض في كل من الغرفتين (اللجنتين). غير أنه في حالة تغيير نظام الانتخاب المختلط وإعادة تعديل قانونيي مجلسي الشعب والشوري لكي تجري الانتخابات بنظام القوائم النسبية لكل مقاعد المجلسين وفق مطلب الأغلبية الساحقة من الأحزاب والقوي السياسية, يمكن أن يختلف الأمر, ففي هذه الحالة يجوز إجراء انتخابات المجلسين معا في لجنة واحدة يوجد فيها صندوقان أحدهما للشعب والثاني للشوري وفي وجود قاض واحد. وحتي إذا اقتضي الأمر فصل انتخابات المجلسين في ظل الأخذ بنظام الانتخابات بالقوائم النسبية وحدها سيكون ممكنا الانتهاء منها خلال ستة أسابيع فقط لعدم وجود انتخابات إعادة, فعندما تجري الانتخابات بنظام القوائم النسبية, لن تكون هناك إعادة بخلاف الحال عند إجرائها بالنظام المختلط, فنظام القوائم النسبية لا يعرف الإعادة, لأن كل قائمة تحصل علي نسبة معينة من مقاعد الدائرة الانتخابية وفقا لعدد الأصوات التي نالتها في هذه الدائرة. ويختلف ذلك عن نظام الانتخاب الفردي الذي يفرض حصول المرشح الفائز علي أغلبية مطلقة (50 في المائة+1) من مجموع أصوات الناخبين الصحيحة في الدائرة, فإذا لم يحصل أي من المرشحين علي هذه الأغلبية, تعاد الانتخابات بين مرشحين اثنين هما الحاصلان علي أكبر عدد من الأصوات في هذه الدائرة, وقد تكون الإعادة بين أربعة مرشحين علي مقعدي الدائرة, حيث تتضمن كل دائرة فردية مقعدين. وإذا أجريت الانتخابات بالقوائم النسبية وعلي هذا النحو, فستنتهي في 26 ديسمبر بدلا من الموعد المقترح من جانب اللجنة العليا للانتخابات وهو4 مارس 2012 ومع ذلك, وحتي إذا بقي نظام الانتخاب المختلط بسلبياته التي لا تقتصر علي إطالة أمد العملية الانتخابية في ظروف لا تتحمل البلاد فيها هذا الترف, يمكن تقصير أمدها والانتهاء منها في شهرين بدلا من أن تمتد إلي ما يقرب من أربعة أشهر ويتطلب ذلك إلغاء الفاصل الزمني المتضمن في اقتراح اللجنة العليا بين انتخابات مجلسي الشعب والشوري والذي يصل الي شهر كامل تقريبا, ولكي يحدث ذلك, ينبغي فتح باب الترشيح للمجلسين معا في الوقت نفسه, والتعامل مع انتخاباتهما باعتبارهما عملية انتخابية واحدة متكاملة, وفي هذه الحالة يمكن ان يكون هناك خياران: أولهما إجراء انتخابات مجلس الشوري علي مرحلة واحدة تبدأ في الاسبوع التالي لانتهاء المرحلة الثالثة في انتخابات مجلس الشعب دون فاصل زمني, وبذلك تنتهي العملية الانتخابية كلها في 9 يناير 2012 اذا بدأت في 21 نوفمبر وفق اقتراح اللجنة العليا. أما الخيار الثاني فهو إجراء انتخابات مجلس الشوري بدورها علي ثلاث مراحل, وعندئذ تنتهي المرحلة الثالثة لهذه الانتخابات في 6 فبراير 2012, وهذا أفضل علي كل حال من أن تمتد الي أوائل مارس, بالرغم من أن انتخابات تستغرق أكثر من شهرين ستمثل عبئا علي الوضع العام في مصر وليس فقط علي الأحزاب والمرشحين والناخبين. وفضلا عن هذا العبء الذي يؤخر معالجة مشاكل هائلة متراكمة يتطلب التعامل معها وضعا مستقرا وبرلمانا منتخبا وحكومة تعبر عن الأغلبية فيه, لابد أن تؤدي إطالة العملية الانتخابية إلي تأخير إصدار الدستور الجديد, وبالتالي إرجاء الانتخابات الرئاسية.فهل تتحمل ظروف مصر ترف كل هذا التأخير؟ المزيد من مقالات د. وحيد عبدالمجيد