بعد ان كشفت الثورة عن هذا الكم الهائل من قضايا الفساد واهدار المال العام اصبح من الاهمية بمكان حصر الاجهزة الرقابية ودعم الدور الذي تقوم به وتحديد اهم المعوقات امام قيامها بدور رقابي فاعل. ولا شك ان هناك منظومة رقابية كاملة ومتخصصة تشمل الرقابة المالية والادارية والاقتصادية والأمنية ويشكل الجهاز المركزي للمحاسبات إحدي حلقاتها. والآن ونحن بصدد وضع ركائز اساسية لبناء نظام ديمقراطي سليم يتسم بالشفافية فلابد من وضع عدد من الضمانات ومنها ضرورة توسيع اختصاصات مجلسنا النيابي بما يكفل له ممارسة دوره الرقابي علي السلطة التنفيذية وهو ما يستلزم تفعيل دور الاجهزة الرقابية التي تعاونه علي تحقيق هذه الغاية. لقد اكدت المنظمات الدولية الخاصة بالأجهزة الرقابية ضرورة استقلال تلك الاجهزة وضرورة ان تكون بمنأي عن السلطات التي تراقب اعمالها, وفي هذا الصدد نجد ان النظام السابق حرص علي وضع القيود التي تحد بشكل كبير من استقلالية الاجهزة الرقابية واستطاع ان يوفر غطاء تشريعيا يحجب ويبرر بعض ممارسات الفساد. وإحدي هذه المحاولات كانت اصدار القانون رقم 157 لسنة 1998 الذي يقضي بنقل تبعية الجهاز المركزي للمحاسبات لرئاسة الجمهورية. ولقد اثارت هذه القضية العديد من الانتقادات واعتراضا واضحا من جانب القوي والتيارات السياسية المعارضة تأسيسا علي الحجج الاتية: أولا: ان موافقة مجلس الشعب علي نقل تبعية الجهاز الي رئاسة الجمهورية هي تنازل عن حقه الرقابي في حمايته للمال العام ومؤشرا علي التوجه نحو تقليص دوره في ظل مرحلة تشهد تطبيقا واسع المدي لعملية الخصخصة والحاجة الي وجود رقابة صارمة علي عمليات تقييم اصول الشركات. ثانيا: ان هذا التعديل هو مؤشر علي نجاح السلطة التنفيذية في اغلاق ملف المخالفات وفضائح الاجهزة الرسمية امام الصحافة وتعطيل العمل بمادة كانت تلزم الجهاز بارسال صورة من كل التقارير ذات الصلة بالاختصاصات الرقابية لمجلس الشعب وبذلك فلقد اصبحت هذه التقارير ملك الحكومة وحدها. ثالثا: ان ضم الجهاز للرئاسة يؤدي الي زيادة حاجز السرية ويهمش من دور الرقابة الشعبية من خلال اجهزة الاعلام ويعقد من دور الجهاز ووزارة المالية في الرقابة علي بنود موازنة رئاسة الجمهورية. رابعا: بمقتضي المادة20 من القانون المشار اليه اختص رئيس الجمهورية بتعيين رئيس الجهاز واعفائه من منصبه دون التشاور مع السلطة التشريعية مما جعله اقرب الي رقيب حكومي منه الي رقيب محايد. ومبررات عودة الجهاز الي تبعية مجلس الشعب كثيرة ومتعددة: فمنذ نشأة الجهاز عام 1942 تحت اسم ديوان المحاسبات كان تابعا للبرلمان وجاء نقل تبعية الجهاز للرئاسة بمقتضي القانون رقم 129 لسنة 1964 في ظل نظام سياسي شمولي. من المبررات الموضوعية التي ذكرت لضرورة عودة تبعية الجهاز للمجلس بمقتضي القانون رقم 31 لسنة 1975 ان الرقابة الخارجية علي الاجهزة التنفيذية لا يمكن ان تتم الا بواسطة جهاز رئيسي مستقل ومنفصل عن السلطة التنفيذية وبأن التجارب العالمية والعربية اكدت هذا المعني. وفي واقع الأمر ان المسألة لا تقتصر علي ضرورة عودة تبعية الجهاز لمجلس الشعب فقط بل لابد من القضاء علي بعض السلبيات في التعامل مع التقارير داخل المجلس فتقارير الجهاز لا تناقش الا بعد فترة طويلة قد تصل الي أربع سنوات تكون فيها الانحرافات قد تضاعفت والمسئولون عن المخالفات قد تركوا مواقعهم. هناك ايضا النمطية والتكرار في ملاحظات الجهاز من سنة الي سنة ما يؤدي الي عدم ادراج المجلس لها في جدول الاعمال علي اعتبار انه قد سبق مناقشتها, ناهيك عن انه عادة ما تحال هذه التقارير الي الحكومة لاتخاذ ما يلزم دون تشكيل لجنة لتقصي الحقائق!! بالرغم مما ورد ببعض تلك التقارير من مخالفات جسيمة. لذلك ربما يكون من المفيد ان يكون هناك نص دستوري يقنن العلاقة بين الاجهزة الرقابية والمؤسسات الرسمية في الدولة حتي لا تخضع هذه العلاقة لأهواء السياسية وتكون الضحية هي الأموال العامة واقوات الشعوب.