السؤال الذي لم يطرح حتي الآن هو: 25 يناير ثورة أو لا ثورة؟ 25 يناير كان ثورة.. ثورة مثقفين مهدت لها حركات التحرر, وفجرتها وعجلت بها ثورة تونس, وانضم إليها الشعب بجميع أطيافه وفئاته وطبقاته. بما في ذلك الجياع والمهمشون وإن استغلها البلطجية وأولاد الشوارع وحاول ولايزال يحاول إفسادها وتشويهها وإجهاضها أتباع النظام المخلوع من فلول الحزب اللاوطني ورأس النظام نفسه ورموز النظام أنفسهم والقيادات الأمنية القمعية من أمن الدولة حتي الأمن العام, إضافة الي المأجورين سواء من الداخل أو الخارج.. لكن الثورة قامت ومازلت مستمرة رغم كل المعوقات والأخطاء ورغم التباطؤ.. والدليل علي ذلك أن قانونا واحدا ثوريا لم يصدر, وكأننا في ظروف طبيعية واستقرار سياسي رئاسي ونيابي وحكومي.. إن الثورة أي ثورة لها قوانينها ولا تلتزم بالقوانين السائدة حتي ولو كانت مستقرة, كما أن المحاكمات المدنية بدعوي العدل, باطل يراد به باطل.. فعندما قامت ثورة يوليو بإرادة الجيش وتأييد الشعب, أطاحت بكل القوانين البائدة والحكومات والأحزاب والمجالس القائمة, فضلا عن الشخصيات السياسية والقيادية والإدارية المنتمية للعهد الملكي الذي تحول إلي نظام جمهوري طرد الاحتلال البريطاني وأمم قناة السويس ضاربا بالاتفاقيات الدولية عرض الحائط, كما أمم الذين أثروا بغير حق علي حساب بقية طبقات الشعب المطحون والذين عرفوا بمجتمع النصف في المائة, ضاربا بالقوانين المدينة الوضعية الداخلية عرض الحائط, واستبدلها بقوانين ثورية, بما في ذلك المحاكم, فقد أنشأ محكمة الثورة التي أصدرت أحكامها بسرعة وبعدل ونفذت هذه الأحكام علي الفور, كذلك فعلت ما سمي بثورة التصحيح التي قبضت علي الرموز والقيادات دون إذن من النيابة وحكمت عليهم دون إعطاء فرصة للمحامين للتأجيل والتلاعب واستغلال ثغرات القانون العادي ونفذت الأحكام فورا دون انتظار لطعن أو نقض أو إرجاء لمرض مفتعل أو صحيح. لماذا لا تسير ثورة يناير علي النهج ذاته أو تصنع نهجها الخاص بها المواكب للعصر والملائم للمتغيرات والمناسب للظروف, حتي تغلق صفحات الماضي الكئيب إلي الأبد, وتفتح صفحات الاستقرار والجدية والعمل والانتاج والتطور والعدل وكل القيم التي تنادي بها ثورة يناير المجيدة؟ هي إذن ثورة. لماذا لا نبطل حجة دول العالم التي تتحفظ علي الأموال المنهوبة ولا تريد إعادتها إلا بعد صدور أحكام مدنية تدين اللصوص, فنسرع في إجراء هذه المحاكمات؟.. أما الأصول والأراضي والعقارات والأموال بالداخل, فما هي الحجة في عدم مصادرتها وتأميمها إذا لزم الأمر, حتي تنتعش خزينة الدولة وتستطيع أن تفي بالتزاماتها ووعودها التي أعلنتها وقطعتها علي نفسها منذ قيام الثورة وحتي الان, فيما يتعلق برفع الحد الأدني للأجور وزيادة المرتبات والمعاشات والمساهمة في دعم السلع المرتفعة الأسعار وإصلاح ما أفسده البلطجية والحد من البطالة وإزالة العشوائيات وإعادة هيكلة الصحة والتعليم والمرافق والمحليات والأموال التي تتطلبها الانتخابات وأشياء كثيرة أخري؟ الثورة إذن في حاجة الي سرعة اتخاذ القرارات والحسم في أمور الأمن والأمان, لأن النظام البائد لم يكتف بالنهب والقمع والظلم والاستبداد والقضاء علي أجيال من المستنيرين والأكفاء في مقابل تصعيد الصعاليك والمصفقين والهتيفة ولم يكتف بإفساد الحياة السياسية والارتماء في أحضان أمريكا واسرائيل بحجة حمايتنا من الحروب ولم يكتف بقهر الكرامة والكبرياء والرجولة وإنما أفسد أخلاق المصريين, وتلك هي الطامة الكبري, فماتت الشهامة وتبدد الانتماء وتبخرت الحرية وتراجعت المحبة وتجمد التسامح وسادت الأنانية وزاد التطرف وتفشت الفتنة الطائفية وتحول الوطن الي سفينة غارقة كل من عليها يحاول أن ينجو بنفسه, فالقبطان تصور أنه في أمان, فلم يقفز هو الاخر حتي غرقت السفينة, لولا قيام الثورة التي حاولت وتحاول انقاذ السفينة ومن عليها باستثناء قبطانها وطاقمها ومن تسببوا في غرقها. هي إذن ثورة.. ولكن مع إيقاف التنفيذ المزيد من مقالات فتحى العشرى