إبراهيم عيسى: أزمة الكهرباء يترتب عليها إغلاق المصانع وتعطل الأعمال وتوقف التصدير    مقتل شخصين في ضربة جوية إسرائيلية على جنوب العاصمة السورية    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة    الحكم على رئيس هندوراس السابق بالسجن 45 عاما بسبب المخدرات والسلاح    لبنان.. قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف منطقة "اللبونة" عند أطراف الناقورة    تفاصيل مشاجرة سعد الصغير ومحام بشارع جامعة الدول العربية    ضبط متهم بابتزاز سيدة خليجية ووالدتها بمقطع فيديو في العجوزة    "الوطنية للإعلام" تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في كافة منشآتها    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    نوفو نورديسك تتحمل خسارة بقيمة 820 مليون دولار بسبب فشل دواء القلب    ثورة 30 يونيو.. انطلاقة وطن    عن مؤتمر صراعات القرن الأفريقي.. الأحزاب تتفق على دور مصر في تحقيق الأمن والاستقرار    عُرس ينتهى بمأساة داخل الترعة .. أم وبناتها الثلاث لقين مصرعهن غرقًا    فشل التمرد في بوليفيا.. قوات الجيش تنسحب من القصر الرئاسي بأمر القائد الجديد    حظك اليوم| برج الثور الخميس 27 يونيو.. «يوم لتنمية المواهب»    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    يورو 2024| تعرف على نتائج مُباريات دور المجموعات    لإنهاء أزمة انقطاع الإنترنت.. توصيل 4000 خط تليفون جديد بالجيزة (تفاصيل)    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    الكنائس تخفف الأعباء على الأهالى وتفتح قاعاتها لطلاب الثانوية العامة للمذاكرة    رئيس قضايا الدولة يُكرم أعضاء الهيئة الذين اكتمل عطاؤهم    ملخص وأهداف مباراة جورجيا ضد البرتغال 2-0 فى يورو 2024    إجراء جديد من جيش الاحتلال يزيد التوتر مع لبنان    وزراء سابقون وشخصيات عامة في عزاء رجل الأعمال عنان الجلالي - صور    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. الزمالك في ورطة والأهلي ينهي صفقة دفاعية وتركيا وجورجيا إلى ثمن نهائي يورو    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    ميدو: الزمالك «بعبع» ويعرف يكسب ب«نص رجل»    انتهت.. الأهلي يضم يوسف أيمن من الدحيل القطري (خاص بالتفاصيل)    بسبب عطل فني.. توقف تسجيل الشحنات ينذر بكارثة جديدة لقطاع السيارات    أخبار × 24 ساعة.. "التعليم" تعلن نتيجة الدور الأول للطلبة المصريين فى الخارج    الحكومة تحذر من عودة العشوائية لجزيرة الوراق: التصدى بحسم    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفد الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية    مصرع طفل وإصابة شخصين في انهيار حائط بأسيوط    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    نجاة 43 أجنبيا ومصريًا بعد شحوط لنش فى «مرسى علم»    الطاعة.. معارك زوجية أمام محاكم الأسرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 27 يونيو 2024 في البنوك (التحديث الأخير)    أصحاب ورش باب الشعرية: إنتاجنا تراجع 40٪.. واضطررنا لتسريح عُمّال    آخرأعمال مصطفى درويش.. آروى جودة تروج لمسلسلها الجديد حرب نفسية    أحمد سعد يطرح أغنيته "الكيميا راكبة" مع شقيقه عمرو سعد (فيديو)    3 أبراج تتوافق مع «العذراء» على الصعيد العاطفي    أبطال مسرحية «ملك والشاطر» يقرأون الفاتحة قبل دقائق من بداية العرض (فيديو)    مدير مكتبة الإسكندرية: استقبلنا 1500 طالب بالثانوية العامة للمذاكرة بالمجان    عباس شراقي: المسئولون بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات    الاستعلام عن شقق الاسكان الاجتماعي 2024    يورو 2024.. تركيا تخطف بطاقة التأهل لدور 16 بعد الفوز على التشيك    تعرف على سبب توقف عرض "الحلم حلاوة" على مسرح متروبول    حدث بالفن | ورطة شيرين وأزمة "شنطة" هاجر أحمد وموقف محرج لفنانة شهيرة    يورو 2024، تركيا تفوز على التشيك 2-1 وتصعد لدور ال16    يورو 2024 – تعرف على كل المتأهلين لدور ال16.. مواعيد المباريات والطريق حتى النهائي    محافظ بني سويف يكلف التأمين الصحي بتوجيه فريق طبي لفحص سيدة من ذوي الهمم    بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات- هل الأدوية النفسية تسبب الإدمان؟    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    الكشف على 2450 مواطنًا وتقديم الخدمات مجانًا بقافلة القومى للبحوث فى أطفيح    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبي‏..‏ خيري شلبي

بدأ بشوشا مرتاحا هادئا مطمئنا في أيامه الأخيرة‏,‏ في أفضل أحواله صحيا ونفسيا‏.‏ وعلي الرغم من حرارة الجو في رمضان لم يبد عليه أي تأفف أو كره للصيام, بل كان دائما مبتسما, لا يبدو عليه القلق إلا حين يتحدث عن مصر بعد الثورة خوفا من أيام مقبلة قد تحولنا من حكم ديكتاتوري ثرنا عليه إلي حكم ديني أو ديكتاتورية جديدة تحكم باسم الله, وحينها ستتعامل مع من يخرج عليها علي أنه كافر.
وعلي الرغم من تلك المخاوف علي مستقبل الأمة فإنه علي المستوي الشخصي كان راضيا, تلمع عيناه حبا حين يري أحفاده يتقافزون من حوله, وهو الذي كان من قبل لا يطيق الإزعاج في المنزل, صار متسامحا مع هؤلاء المزعجين الصغار, بل يدافع عنهم حين ننهرهم ليتوقفوا عن الصخب والضجيج المستمر.
أما لحظاته الأخيرة فلم تحمل أي علامات علي أنه يستعد للفراق, صحيح أنه توقف بعد صفحات قليلة عن استكمال مشروعه الروائي الجديد الذي بدأ فيه في رمضان, ولكنه في الوقت نفسه لم يتوقف عن كتابة مقالاته التي تنشر له في عدد من الإصدارات الأسبوعية, حتي أنه كان يكتب قبل رحيله بدقائق مقالته الأسبوعية لجريدة الوفد. وحين سمع صوت والدتي تقوم لصلاة الفجر قام ليستريح قليلا ويشرب كوب اللبن الذي اعتاده يوميا بعد صلاة الفجر, فربما يستكمل بعد الكتابة.
ترك الورقة والقلم للمرة الأخيرة, قام يضحك ويستعيد لأمي مكالمته الأخيرة مع صديق عمره إبراهيم أصلان التي استمرت لحوالي ساعتين. وقبلها تحدث إليه حفيده علي زين العابدين ليطلب منه أن يخبر أمي حين تصحو أن تطلب له الوجبة التي يفضلها من أحد محلات الوجبات السريعة, فيجدها حين نذهب إليهم بعد صلاة الجمعة.
جلس علي سريره وتعالت ضحكاته, وهو يتذكر كيف ينطق حفيده اسم محل الوجبات السريعة, ثم ارتاح علي ظهره وقدميه مازالتا علي الأرض وتوقف فجأة عن الضحك والكلام.
ظنت أمي أنه يستريح قليلا, فرددت اسمه مبتسمة, طالبته أن يكمل حكايته الأخيرة, هزته جسده راجية أن يتوقف عن الهزار, فهو مازال يبتسم, وعيناه مازالت مفتوحة, فهو لم ينم إذا.
تسارعت وتيرة ضربات قلبها, وهي تحاول أن تجعله يستجيب بكل الطرق, رشت وجهه بقليل من الماء, كاد قلبها أن يتوقف وهي تعتقد أنه راح في غيبوبة.
اتصلت بي وكنت مازلت صاحيا, حين رأيت اسمها علي الهاتف انقبض قلبي بشدة, وحين أخبرتني أن أبي مغمي عليه لا أدري كيف ارتديت ملابسي ونزلت السلم وركبت سيارتي ووصلت إليهما في دقائق, وحين رأيته كانت علي وجهه ابتسامة جميلة راضية, حاولت أن أجعله يستجيب بكل الطرق وما أعلمه من الإسعافات الأولية ولكن لا حركة, انسابت دموعي وتعالي صوت ضربات قلبي حتي صارت تخنق أنفاسي.
لم تتوقف تساؤلات أمي: ماذا يحدث؟ هو خلاص؟ لا أرد, وأستمر في محاولاتي اليائسة لإسعافه. رقم الطوارئ لا يرد, وأختي الكبري تقول لأمي علي التليفون أن الإسعاف في الطريق, وأخي يطلب مني هاتفيا أن أنفخ في صدر والدنا الهواء ربما يستجيب. أخبره وأنا أبكي أنني فعلت, فيقول إنه يطير بسيارته علي الطريق الدائري وسيصل بعد دقائق.
حضرت الأخت والأخ وأختنا الصغري كانت في الطريق, وحينها وصلت سيارة الإسعاف وبعد أن استخدم الطبيب أجهزته لم ينطق وأشار إلينا إلي أن أمر الله قد نفذ, وحينها أدركنا الحقيقة التي حاولنا مواراتها في اللحظات السابقة. ذهب خيري شلبي, ترجل عن صهوة جواد الإبداع, رحل صوت المهمشين والفقراء والعمال والفلاحين. كتب سطره الأخير.
تمني أن يرحل دون أن يتعذب مريضا ودون أن يعذب معه أحد في مستشفيات وعلاج وسهر ومداواة, استجاب الله لطلبه الأخير, وقبض روحه بعد صلاة فجر الجمعة في التاسع من سبتمبر من عام2011, وكانت ابتسامته المحببة البشوشة هي آخر بورتريه يرسمه لوداع أحبائه.
العم خيري شلبي
وتد الرواية المصرية.. أمير الحكي.. رائد الواقعية السحرية العربية.. رائد الفانتازيا التاريخية.. أمير الحكائين.. أمير الرواية العربية.. عمدة الرواية المصرية.. كاتب المهمشين والفقراء..
عشرات الألقاب أطلقت علي خيري شلبي, أما هو فلم يفضل أكثر من كلمة عم خيري. فكما صديقه عبد الرحمن الأبنودي هو الخال كان خيري شلبي العم, فلا أعرف أحدا من جيله أو من غيره من الأجيال ارتبط به هذا الكم من المريدين والأصدقاء من كل الأعمار. فهو لم يغلق بابه في وجه مبدع شاب, ولم يتلقي أي كتاب لشاب واعد إلا وقرأه وربما كتب عنه وقدمه ودعا له في الوسط الثقافي, ولذا لم يكن غريبا أن يودعه هذا الكم الكبير من الأدباء الشبان روائيين وقصاصين وشعراء, بجانب غيرهم من شركاء الرحلة الذين صدمهم الرحيل, في وقت كان يشهد فيه تألقا يزداد يوما بعد يوم, ومشاريع روائية جديدة لم تعرف يوما التوقف, وربما كان هذا الدأب هو رسالته الأولي والأهم لكل من التقاه من كتاب طلبوا منه النصيحة.
خيري شلبي والأهرام
ربما تغضب كلماتي المقبلة البعض في جريدة الأهرام التي تحتفي صفحاتها الآن بالراحل خيري شلبي, ولكنني تعلمت في هذه المؤسسة نفسها أن أكتب فقط ما يمليه علي ضميري المهني, وقد شعرت دون مصارحة من الراحل- أن في نفسه غصة من تلك الجريدة العريقة علي الرغم من حرصه علي قراءتها يوميا عبر عشرات السنوات, فالأهرام كانت جريدة خيري شلبي اليومية المفضلة, تعودت أن أشتريها له في أيام إجازاته منذ أكثر من ثلاثين عاما من عمري.
وعلي الرغم من أنه نشر عشرات القصص القصيرة في ملحق يوم الجمعة بالأهرام عبر سنوات طويلة, فإنني كنت أشعر دائما أن لديه رغبة ما في كتابة مقال بها, وهو الذي كانت أغلب الصحف المصرية والعربية تطلب منه مقالات بصفة دورية أو غير دورية فيوافق قليلا ويعتذر في معظم الأحيان لضيق وقته. المهم أن الكتابة للأهرام تحققت بالفعل قبل شهور قليلة من رحيله بعد اتصالات من الأستاذ أسامة سرايا رئيس التحرير وقتها, ولكن بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير التي كان أكثر المبشرين بها عبر رواياته ومقالاته- فوجئ باسمه مستبعدا مع آخرين- من الكتابة لجريدته المفضلة دون أي مبرر أو كلمة اعتذار! صحيح أنه لم يبد أي دهشة, ولم يتصل بأحد كان معاتبا أو مستفسرا, وهو من استعفف وتعالي عن الصغائر طوال حياته, فأبي أن يظهر غصته التي شعرت بها لأحد أيا كان, ولكنني كنت أستشعر تلك الغصة في حلقه من هذا الموقف الغريب, وابتلع الموقف برمته, فهو قد اختص الأهرام بالفصول الأولي من مذكراته التي ظل رافضا كتابتها لسنوات, ولكنه تراجع حين بدأ الكتابة علي هذه الصفحات التي طالما كانت عزيزة عليه, بل وتوقف عن استكمال تلك الفصول بعد توقف الجريدة عن النشر له. واليوم وبعد أن رحل عفيفا كما كان طوال حياته, فلأعاتب أنا ابن المؤسسة- إدارة تحريرها علي موقفها الغريب من راوي فقراء مصر والمعبر عن طموح وأحلام مهمشيها.
ملامح:
يعده النقاد رائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة, حيث تعد روايته رحلات الطرشجي الحلوجي عملا فريدا في بابها.
يعده النقاد رائد الرواية الجغرافية في الأدب العربي وذلك بروايته بطن البقرة والتي تحفر في تاريخ مدينة القاهرة حفرا جماليا وثقافيا.
كتب عنه كان من أوائل من كتبوا ما يسمي الآن بالواقعية السحرية, ففي أدبه الروائي تتشخص المادة وتتحول إلي كائنات حية تعيش وتخضع لتغيرات وتؤثر تتأثر, وتتحدث الأطيار والأشجار والحيوانات والحشرات وكل ما يدب علي الأرض, حيث يصل الواقع إلي مستوي الأسطورة, وتنزل الأسطورة إلي مستوي الواقع, ولكن القارئ يصدق ما يقرأ ويتفاعل معه. علي سبيل المثال روايته السنيورة وروايته بغلة العرش حيث يصل الواقع إلي تخوم الأسطورة, وتصل الأسطورة في الثانية إلي التحقق الواقعي الصرف, أما روايته الشطار فإنها غير مسبوقة وغير ملحوقة لسبب بسيط وهو أن الرواية من أولها إلي آخرها خمسمائة صفحة يرويها كلب, كلب يتعرف القارئ علي شخصيته ويعايشه ويتابع رحلته الدرامية بشغف.
اكتشف وحقق أكثر من مائتي مسرحية مطبوعة في القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين, بعضها تم تمثيله علي المسرح بفرق شهيرة وقد نشرت أسماء الفرق والممثلين, وبعضها الآخر يدخل في أدب المسرح العصي علي التنفيذ. وقد أدهشه أن هذه المسرحيات المكتشفة لم يرد لها ذكر في جميع الدراسات التاريخية والنقدية التي عنيت بالتأريخ للمسرح المصري, ومعظمها غير مدرج في( ريبروتوار) الفرقة التي مثلتها, وبعضها الآخر انقرضت الجوقات التي مثلتها.
قام خيري شلبي بتحقيق هذه المسرحيات في حديث إذاعي بإذاعة البرنامج الثانيالبرنامج الثقافي حاليا تحت عنوان( مسرحيات ساقطة القيد) ضمن برنامج كبير كان يقدمه الروائي بهاء طاهر. الجدير بالذكر كذلك أنه اكتشف ضمن هذه المجموعة من النصوص نصا مسرحيا من تأليف الزعيم الوطني مصطفي كامل بعنوان:( فتح الأندلس) وقام بتحقيقه ونشره في كتاب مستقل بنفس العنوان صدر عن هيئة الكتاب في سبعينيات القرن الماضي.
اكتشف أيضا مسرحية من تأليف العلامة الشيخ أمين الخولي, والمسرحية بعنوان: الراهب, كتبها أمين الخولي لجوقة عكاشة, وكان يحضر جلسات التدريبات كل يوم وهو أحد قضاة مصر آنذاك ولكنه كان يحجب اسمه ووضع بدلا منه بقلم كاتب متنكر, إلا أن حيلته كانت مكشوفة لأن الخبر قد نشر أيامها. واستطاع الباحث تحقيق النص ونسبته إلي أمين الخولي, كما اكتشف صلة الشيخ بفن المسرح, ومحاولاته المتكررة في التأليف. وقد نشرت المسرحية في مجلة الأدب التي كان يصدرها الشيخ أمين, ونشرت الدراسة في أكثر من دورية ثقافية.
خيري شلبي هو مكتشف قرار النيابة في قضية كتاب عميد الأدب العربي في الشعر الجاهلي إذ عثر عليه في إحدي مكتبات درب الجماميز المتخصصة في الكتب القديمة, ولم يكن كتابا بل كراسة محدودة الورق متهرئة ولكنها واضحة وعليها توقيع النائب العام محمد نور الذي حقق مع طه حسين في القضية. وكان المعروف إعلاميا أن طه حسين قد أستتيب لتنتهي القضية, وبظهور هذا القرار النيابي اتضحت القضية واتضح أن النائب العام حفظ القضية لعدم كفاية الأدلة, وكانت أسئلة النائب العام وردود طه حسين عليها شيئا ممتعا وعظيما, كما أن المستوي الثقافي للنائب العام كان رفيعا, كل ذلك حفز الكاتب لتحقيق هذا القرار من الزاوية القانونية وإعادة رصد وقائع القضية وردود أفعالها اجتماعيا وأكاديميا وسياسيا وأدبيا, ثم نتج عن ذلك واحد من أهم كتب خيري شلبي وهو: كتاب( محاكمة طه حسين) الذي طبع أكثر من مرة في الهلال وفي الدراسات والنشر ببيروت ودار المستقبل بالقاهرة وكانت أولي الطبعات عام.1969
يعد خيري شلبي من رواد النقد الإذاعي, ففي فترة من حياته أثناء عمله كاتبا بمجلة الإذاعة والتليفزيون تخصص في النقد الإذاعي بوجهيه المسموع والمرئي. وكان إسهامه مهما لأنه التزم الأسلوب العلمي في التحليل والنقد بعيدا عن القفشات الصحفية والدردشة, فكان يكتب عن البرنامج الإذاعي كما يكتب عن الكتاب والفيلم السينمائي والديوان الشعري.
كتب خيري شلبي وأعد للإذاعة أكثر من ثلاثمائة مسرحية وسهرة ومسلسلا قدمتها الإذاعة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
كتب خيري شلبي عددا كبيرا من قصص الأطفال.
ابتدع في الصحافة المصرية لونا من الكتابة الأدبية كان موجودا من قبل في الصحافة العالمية ولكنه أحياه وقدم فيه إسهاما كبيرا اشتهر به بين القراء, وهو فن البورتريه, حيث كتب عن أكثر من ألف شخصية من نجوم مصر في جميع المجالات الأدبية والفنية والسياسية والعلمية والرياضية, علي امتداد ثلاثة أجيال, من جيل الرواد إلي جيل الخمسينيات إلي جيل الستينيات وحتي الجيل المعاصر.
كتب النقد والدراسات الأدبية والدينية, ومن كتبه في هذا الصدد:( غذاء الملكة) و(لطائف اللطائف.. دراسة في سيرة الشعراني) و(أبو حيان التوحيدي). و(مؤرخو مصر الإسلامية).
عمل أستاذا زائرا بمعهد الفنون المسرحية لتدريس تاريخ المسرح المصري المعاصر.
يكتب المقال بشكل منتظم في عدة دوريات وصحف منها: الأهرام والوفد والأسبوع.
بورتريه:
وجوه عم خيري
حاتم حافظ
يبدو لي أحيانا كأنما الطبيعة تخطئ في فهمنا فتدفعنا في طريق غير الذي خلقنا من أجله, ليس هذا فحسب فقد تدفعنا في طريق نقيض أيضا. ورغم أننا نذهب في هذا الطريق ربما أبعد مما اختطته لنا الطبيعة فإن هذا الخطأ يظل دائما كسر تميزنا كبشر, كندبة في جبين شجه حجر طائش.
وجه عم خيري المتجهم أحيانا كرجل أدب يبدو أحيانا كما لو كان قناعا لإخفاء خطأ الطبيعة. الوجه المتجهم لأديب يبحث في مكتبته عن كتاب قديم قرر أن يعيد قراءته للمرة العاشرة يخفي وجها مرحا لمهرج كان ليفضل أن يتشقلب بين الكتب أو أن يسير بعجلة ثلاثية فوق مكتبات العالم. وجهه يذكرني دائما خصوصا بشعره المهوش دائما بوجه مهرج حبيب لجيلي كنا ننتظره دائما أيام الجمع في البرنامج الثمانيني الشهير سينما الأطفال, مهرج عجوز وطيب القلب يدعي فرديناند كان يسكن كرفانا ويصادق الأطفال الذين كانوا في مثل عمرنا, ورغم أني أذكر أنه تقريبا كان صامتا طول الوقت.. أو ربما لأنه كان صامتا طول الوقت فإن ابتسامته أكثر من أي شيء آخر ظل مطبوعا في ذاكرتي كتطمين دائم بأن العالم الذي كنا لم نعرفه بعد طيب كأمهاتنا.
وجه عم خيري المتجهم أحيانا كرجل أدب يخفي خلفه هذا المهرج الطيب.
وهو لابد حين يخفيه لا يحسن إخفاءه, فما إذا سر كل هذه الجاذبية التي يصنعها هذا الوجه لأطفال أبنائه, ما زلت لا أعرف لماذا أحفاده لا يخافونه, لا يتوقعون منه شرا حتي وإن بدا غاضبا, تنسحب حفيدته سلمي بعاميها فحسب من اللمة لمتنا فجأة إلي مكتبه قائلة له: يا خيري, كأنما تنادي زميلا لها في حضانتها في الوقت الذي لا تسمي أحدا منا إلا بلقبه. لماذا لا يخافونه الأطفال بينما قد نخافه نحن المستسلمون لوجهه المتقنع به؟ هم ربما كأحباب الله يرون في الوجه ما لا نراه. يرون الوجه المرح لمهرج يسكن كرفانا ويصادق الأطفال ويصنع لهم شطائر لذيذة.
أفكر أحيانا فيما إذا كان الشبه بين وجهه وبين وجه عبد الله فرغلي كبيرا حقا أم لا؟ وفيما إذا كان قد ضل طريقه للأدب بينما كان يفترض له أن يكون ممثلا كوميديا من طراز فريد كفؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولي؟ ولكن أكثر شعبية كعبد الله فرغلي. أدخل يا جابر.. يا حضرة الناظر أنا جاي أقولك.. ولخمس دقائق لا نري جابر ولكننا نوشك علي الموت ضحكا لهذا الذي يأتينا صوته الساحر من خلف باب مغلق.
أحيانا ما أتذكر عم خيري فأضحك, حتي لو كان ما تذكرته ليس أكثر من جملة عابرة: أنت لسه ماقرتش رواية موبي ديك؟. جملة كهذه سوف تذكرني في التو واللحظة بدخوله المباغت علي وعلي زين ابنه الأكبر ليطلق في وجوهنا نكتة تذكرها من زمن فات أو ربما سمعها من صديق حالا, والنكتة حين يلقيها عم خيري ليست نكتة, إنها عرض كامل بشخصياته ومفارقاته وإيماءاته وربما بديكوره إن أمكن, عرض سوف يجعلنا نضحك حتي أننا لا نكتشف أنه قد غادر الحجرة إلا بعد أن ننتهي من الضحك.
وجهه أيضا يخفي مطربا شعبيا خلف قناع الوجه التركي الأحمر, فيبدو كتركي أصيل انحدر به الحال فجأة( كان سيكتبها هو: تدحدر به الحال) فأضطر للعمل أجيرا في عزبة الباشا أبيه. سمعت منه أن تاريخا كهذا كان لعائلته فعلا ولكني كنت لأعرفه من وجهه حتي ولو لم يقله. تركي مصرته الشمس اللاهبة وحواف الطمي الناشف تحت قدم حافية, حاول أن يظل تركيا ناعما ولكن هيهات له وقد أسمته مصر: مصريا.
وجهه كلما بدا أنه يخفي كلما أبان وأفصح, كنكتة حريفة ولدت من خيال صعلوك مصري أصيل, تضحكك فحسب إن كنت بقدر فطنتها. وإن كنت ذلك الفطن فسوف تلمح هذا المطرب الشعبي.
ولكن الوجه يخفي أكثر مما يبين نكهة هذا المطرب الشعبي فلن تعرف هل هو من نوعية الريس متقال أو أحمد عدوية أو محمد رشدي, أو أنه كل هؤلاء معا وقد عجنتهم يد عبقرية. لو سمعته بينما يغني البت بيضة بيضة بيضة البت بيضة وأنا أعمل إيه حين أخبرني عن حنين لهذه الأغنية عادة ما يفاجئه كلما غادر مصر, لو سمعته وهو يغنيها لي مستعيدا لحظة أن داهمه الحنين إليها بينما كان يعبر الطريق في فرانكفورت لأدركت كم كان مفجعا ألا يصبح هذا الصوت سفيرا للفلكلور الشعبي في العالم.
الغريب في أمر وجه هذا المطرب الشعبي أنه ما أن يستقر أمامك حتي يبدو كأنه قد أخفي عنك وجه باشا تركي أصيل بطربوشه الأحمر ومعطفه الثري, سوف يقيم هذا الباشا الدنيا ويقعدها لمجرد أن الورقة التي تركها علي مكتبه مساء قد تزحزحت لسبب غير معلوم قيد أنملة, وربما تسمع ما بين كلماته الزاعقة المؤنبة لك وللورقة وللدنيا التي لا تترك شيئا علي حاله بعض كلمات تركية مضغومة في جلبة العتاب: خرسيس خرسيس. ولكن ما هي إلا دقائق محدودة حتي يخلع معطفه وطربوشه فيستعاد وجه المطرب الشعبي مرة أخري بابتسامة واسعة: صلي علي النبي.
مسحراتي منقراتي..أنادي كل الولاد في بلادي.. أنادي بنتي إيناس.. ألاقي خدي انباس الوجه إن أخفي فلن يخفي ذوبانه في بحور فؤاد حداد, سوف يتغني بحبه لفؤاد حداد حتي ولو لم تسأله, مداراة الحب خطيئة حين يكون المحبوب فؤاد حداد. وجه عم خيري مع فؤاد حداد سوف يغفر كل أخطاء الطبيعة مباهيا بحبه الدنيا كلها وسوف يستعيد طزاجة شاب عرف الحب لتوه, سوف يفيض حسنا بينما يقرأ لك أشعار فؤاد حداد كأنما كتبها هو منذ لحظات, وسوف يظل يقرأ بينما نظراته تراقبك لتعرف في أي موضع منك سوف تترك الكلمات نقشها, وسوف يفيض الوجه بشرا إن كشف أن صوته بينما يسمعك أشعار فؤاد حداد قد اخترق روحك كنبي جاد جدا في التأكد من أن رسالة الرب قد وصلت لبشر تعاني أرواحهم من الجدب. وسوف تعرف في الحال أمرين: أن سحر فؤاد حداد مسموعا وليس مقروءا, وأن الوجه الذي يقرؤك شعر فؤاد حداد كان أولي له أن يكون منشدا يدور في حواري مصر وقراها لينشد القهوة تحب كنكة.. والكنكة تحب كنبة.. والكنبة تحب قعدة.. والللل.. قهوة تحب كنكة و....
لفنجان القهوة سر لابد. عم خيري لا يشرب القهوة إلا مغلية, عليك إن أحببت أن تصنع له القهوة أن تتركها تغلي حتي تشتكيك لخالقها, هو يفضل البن المطبوخ جيدا, كما يفضل أن تصنع الأشياء جيدا, الوجه الذي سوف تظنه لا مباليا بالتفاصيل لأنه حتما في ملكوت الأدب يبحث عن حقيقة قد غفلها أحد الحكماء يخفي وجها يري العالم كتفصيلات, تفصيلات صنعت كيفما أتفق, وعليه الآن أن يعيد صياغتها جيدا بعد أن يكون قد طبخها جيدا كقهوته. ربما تخدعك رواياته أيضا كوجهه اللامبالي بالتفاصيل, سوف تظن أنه يملأ صفحات كثيرة كيفما أتفق له الحكي دون خطة محددة بينما تكون يا حلو قد غاصت قدمك في شرك البناء المطبوخ جيدا, أنت فقط كقارئ عجول لم تفهم بعد أن التفاصيل تصنع العالم. وأن العالم الذي تعيش فيه والذي أوهمك غرورك أنه فوضوي ولا خالق له وراءه خالق عبقري طبخ التفاصيل جيدا في غفلة منك يا جميل بينما أنت لا تدري.
أو أنك تدري؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.