يداوي المجتمع الأمريكي الكثير من جراح الأزمات المالية والمغامرات العسكرية بأفلام هوليوود الموجهة في أحيان كثيرة. وقبل أن تغفو الأزمة المالية الكبري, يشاهد صناع الكارثة أنفسهم في فيلم وول ستريت..المال لا ينام أبدا وذلك بكل السقطات.. والخطايا.. والأشياء الجيدة أيضا في رائعة جديدة للمخرج الشهير أوليفر ستون والنجم مايكل دوجلاس, والذي سيظهر في دور العرض في ابريل المقبل, حيث يعود بالقصة إلي حالة الانفلات المالي التي سبقت الإعلانات المتتالية عن الانهيارات المالية في الشهور الأولي من2008 وهو امتداد لفيلم وول ستريت الذي قدمه ستون أثناء أزمة1987. واقع الأمر أن تجليات الأزمة أكثر إيلاما من القصص المكتوبة للسينما, حتي لو كانت أفلام هوليوود تمارس نوعا من التطهير الصريح, مثل قصة الملياردير المخادع برنارد مادوف, والذي ألقي القبض عليه في ديسمبر2008, فهي واحدة من القصص الأسطورية التي لا تصدق عن أكبر عملية نصب في التاريخ, فحتي الآن, لا يصدق المودعون من أهل نيويورك الحقيقة المفزعة عن رجل ثري وشهير استولي علي أكثر من64 مليار دولار من أموال المودعين في صندوقه الاستثماري وأن ما يمكنهم استرداده اليوم لا يزيد علي10 سنتات لكل دولار منحوه إياه, وقصة مادوف, بتفاصيلها الثرية والمرعبة ستظهر حتما علي الشاشة الفضية بعد الحكم عليه قريبا بالسجن لمدد لا تقل عن150 عاما!. وفي التوقيت الذي سيطالع الأمريكيون قصة الانهيار الذي تغذي علي الجشع والاحتيال والمال الذي لا ينام, تكتب وزارة العدل الأمريكية فصلا واقعيا جديدا في رواية طويلة حيث لم تجد مفرا من فتح مكتب للجرائم الاقتصالية في قلب نيويورك, لإعادة الثقة في أسواق المال ومراقبة عمليات الاحتيال والخروج علي القانون في سوق العقارات والأسهم وغسل الأموال والرهونات في سوق المال الشهيرة وول ستريت وحشدت وزارة العدل60 خبيرا, من بينهم35 محاميا, للتدخل فورا في جرائم الاحتيال المالية وهو عدد كبير من الموظفين في مكتب واحد بالمقاييس الأمريكية التي تميل إلي تقليص حجم الحكومة. مناخ عدم الثقة لا يخيم علي سوق المال وحدها ولكن أيضا يمتد ليطوق كل مناحي الحياة في عاصمة المال والأعمال بعد سريان تيار البطالة في عروق وأعصاب النظام المالي بشركاته ومؤسساته الكبري والمتوسطة والصغري.. محاولات الخروج من الحالة المتأزمة مستمرة.. تصريحات حكومية.. شهادات في الكونجرس.. كيانات جديدة للمراقبة المالية.. تخفيضات كبيرة في المتاجر وتسهيلات في السداد.. في كل شيء من التليفون المحمول إلي السيارة إلي الوحدات العقارية المخفضة ولكن دون تكرار السيناريو المنفلت للأزمة, خاصة سوق الرهونات العقارية التي اعتمدت لسنوات عديدة علي إقراض من لا يملكون ضمانات كافية لتمويل شراء مساكن ثم تبخرت الأموال بتراكم الديون والركود الكبير الذي ضرب الاقتصاد الأمريكي. صباح الخير أيها الركود في حوار مع كاترين المديرة التنفيذية في شركة كبري, قالت إن المجمع السكني الفخم الذي تسكنه لم يكن من السهل العثور فيه علي منزل واحد للبيع قبل عامين, لكنها رأت في يوم واحد أخيرا ثلاث لافتات عن بيع منازل لا يستطيع قاطنوها ومعظمهم من الموظفين الكبار السابقين في وول ستريت دفع أقساطها الكبيرة, ومن مفارقات نيويورك, أن نسبة الفقر في قلب المدينة مرتفعة نسبيا ووصلت قبل اشتداد الأزمة المالية إلي أكثر من15% لكن أحد التفسيرات أن الكثيرين ممن يبدأون حياتهم يتوجهون لقلب نيويورك حيث لا يوجد داع لاستخدام السيارة لبدء حياة جديدة من أول السلم وبطموح غير محدود, ويصل معدل الفقر في المدن الأمريكية إلي9.8% وطالما أن المدينة تجذب أصحاب التعليم المحدود لمزاولة أعمال هامشية في القلب منها, فمن الطبيعي أن تكون الأكثر تأثرا بالركود الحالي.. ولو ظاهريا. وعن سهرات العشاء في مطاعم نيويورك الأنيقة, يقول جيسون ستيفنس مدير أحد تلك المطاعم ل الأهرام إن الأزمة عصفت بالمطاعم الفخمة في الوقت الذي يتجه فيه أصحاب المشاريع إلي محلات البيتزا والبيرجر الاقتصادية, ويشير تصنيف زاجات للمطاعم في أمريكا إلي أن متوسط وجبة العشاء في قلب نيويورك يصل إلي40 دولارا للفرد الواحد مقابل44 دولارا للفرد في مدينة لاس فيجاس الشهيرة بالكازينوهات والملاهي الليلية والمطاعم الخمس نجوم. كما أن الإنفاق علي وجبة الإفطار خارج المنزل في كل من واشنطنونيويورك قد تراجع بصورة ملحوظة في ظل ضغط النفقات, باللجوء إلي تناول الوجبة في المنزل. معاناة نيويورك مع الأزمة المالية ليست كمعاناة كل المدن الكبري.. فهي مازالت الأقوي.. والأكثر قدرة علي امتصاص الهزات وتوابعها أكثر من غيرها.. معاناة عاصمة الأزمة هي ضرورة البحث عن حلول وليس انتظار الحل من الآخرين.