ما بين حوادث السرقة والقتل والاختطاف والتعدي علي المنشآت العامة وأعمال البلطجة والترويع, لا يعلم محرروالحوادث أين يديرون رءوسهم وكيف يختارون ما يكتبونه بين الأكثر أهمية. ورغم الوعود الرسمية المتكررة بإعتبار الأمن قضية مصر الأساسية فإنه لا يعود بل أصبح أهم مشكلاتها. فمعدلات الجريمة واخبارها أصبحت محور الحديث في كل التجمعات واتت أحدث تقارير البنك المركزي لتضيف ان خسائر البلطجة في الفترة الماضية وصلت إلي مليار جنيه. ليعود السؤال ليفرض نفسه من جديد, متي يعود لمصرأمنها و هل غيابه تباطؤ أم تواطؤ؟ ادخلوها بسلام آمنين, هي العبارة التي طالما اقترنت باسم مصر, بلد الأمن و الأمان ولكنها هذه الأيام تفتقد طبيعتها وذلك رغم مرورعدة شهور بعد الثورة وكذلك علي عودة الشرطة لكن الأمان لم يعد. مدن وقري تعيش في رعب يومي تحت تهديد البلطجية واصوات طلقات السلاح وسيدات يخشين السير في الشوارع ليلا او في الصباح الباكرخوفا من الإعتداءات وأسلحة تباع في الشوارع جهارا نهارا وأهالي يقتصون من البلطجية بأنفسهم. ماذا يحدث في مصر وأين دورالشرطة. سؤال تكرر كثيرا الفترة الماضية لكنه يعود ليفرض نفسه من جديد. فهل المشكلة مازالت في الجرح الغائر بين الشرطة والشعب والذي لم يتم علاجه حتي الآن بالشكل الصحيح أم في اصرار البعض علي إثارة العنف واستمرارالفوضي, تدعيما لنظرية التباكي علي الإستقرار في ظل النظام السابق الذي مازال له مؤيدوه ومن ترتبط مصالحهم بوجوده؟ ام ان المشكلة في سياسة وزارة مازالت تحتاج إلي كثير من التعديل وإلي تطبيق القانون بشكل صحيح وحاسم؟ البعض يؤيد نظرية التواطؤ وانه لا توجد إرادة حقيقية علي المستويات الامنية المختلفة لإعادة الأمن مثل دكتورمحمد البلتاجي القيادي بجماعة الإخوان المسلمين واحد ضحايا أعمال البلطجة. ويشرح د.البلتاجي أن المشكلة ليست في قلة الاعداد والإمكانات لكن في وجود حالة شلل بين صفوف الشرطة. هناك شرفاء يريدون أن يعملوا ويساعدون في إعادة الأمان وآخرون في مواقعهم يعملون ضد منظومة الثورة, يريدون إنجاح مسلسل الفوضي والتخريب لتظل مصالحهم باقية. ويتساؤل البلتاجي مثل الكثيرين ألا تعرف الأجهزة الأمنية خريطة المجرمين والبلطجية واماكن تواجدهم وكذلك الأسلحة, إذن لماذا لا يتم التصدي لهم بشكل واضح وحاسم, فأمن المجتمع في خطر. ويستطرد أن جهاز الداخلية مازال في حاجة إلي تطهير حقيقي وتدعيم القيادات والعناصر التي تسير في الاتجاه الصحيح ولديها إرادة التصدي للجريمة في حين أن المجتمع جاهز لدعم الأداء الشرطي الحاسم و المنضبط وفقا للقانون ولكنه ضد إعادة سطوة الشرطة غير المحكومة بالقانون فلو نزلت الشرطة بهذا المنهج ستجد كل الدعم. ولكنها لو ظلت في مواقعها وتحصل علي مرتباتها دون ان تؤدي واجبها فهذا مرفوض. أما أحمد إمام, منسق الجبهة القومية للعدالة والديمقراطية وأحد شباب الثورة فيري أن الأمن يتم إستخدامه سياسيا, فترك المساحة لحالة الإنفلات الأمني يسمح بتمرير مجموعة قوانين و سياسات لقمع الحريات مثلما حدث من تفعيل لقانون الطواريء بعد أحداث الجمعة الماضية. ويتساؤل احمد كيف يمكن تبرير وجود الشرطة بكثافة في ميدان التحرير علي مدي الاسابيع الماضية قبل جمعة اقتحام السفارة بينما اختفت من امام وزارة الداخلية و مديرية امن الجيزة و لم تقم بتأمين السفارة الإسرائيلية ضد اعمال الشغب و البلطجة, فهل كان من المفروض ان يقوم الثوار بتأمين هذه المناطق الحيوية؟ لكن د.أحمد يحيي عبدالحميد أستاذ الإجتماع بجامعة قناة السويس يرفض نظرية التواطؤ من جانب جهاز الشرطة, لكنه يؤكد ان الأمن انحاز طويلا لحماية الدولة والسلطة ورجالها و كان الأمن السياسي هو الأكثر أهمية بالإضافة لسوء تصرفات بعض رجال الشرطة مع المواطنين مما احدث هذه الفجوة في العلاقة بين الطرفين التي تجلت في انسحاب الشرطة وسلبيتها ايام الثورة وحالة الشحن ومحاولات الإنتقام من المواطنين بعد الثورة وهو ما يبرر حالة الفوضي الحالية. و يري د. احمد ان الحل في إعادة صياغة هذه العلاقة علي اسس من القانون والإنسانية بين الطرفين وفي تطبيق القانون بحسم في مواجهة البلطجية والمسجلين لحماية المجتمع والضرب بيد من حديد في مواجهة كل من يعتدي علي الشرطة و أجهزتها او من يعوق تحقيق الأمن ويحدث الفوضي سواء أكان من رجال النظام السابق وأعضاء الحزب الوطني أو بعض الإسلاميين ممن عانوا من علاقتهم بالشرطة في الفترات السابقة و أعادت لهم الثورة حريتهم لكنهم يصرون علي الإنتقام وإساءة العلاقة بين الشرطة وأفراد الشعب. فتطبيق القانون بحسم و تطبيق سياسة العصا والجزرة, هو الحل لإعادة الأمن في راي د.أحمد وايضا لعلاج الجرح الغائر بين الشرطة والشعب. جرح يحتاج إلي كثير من العلاج خاصة في ظل وجود بعض من رجال الشرطة مازالوا يستشعرون الإهانة ويرفضون مد يد المساعدة لمن يحتاجها من المواطنين وتتردد علي ألسنتهم جمل إستنكارية مثل هل تريدونني التدخل في مشاجرة بالأسلحة والمخاطرة بحياتي من أجل مواطنين هاجموا الشرطة ورفضوا وجودها, بينما يردد آخرون انتظروا أمامكم أربع أو خمس سنوات حتي يعود الأمن, أليس ذلك ما كنتم تريدونه؟ في المقابل يوجد العديد من الشرفاء في جهاز الشرطة ممن يسعون إلي ايجاد حلول للمشكلة الأمنية. المقدم أحمد مشالي, عضو ائتلاف ضباط الشرطة يؤكد أنه وزملائه يجتهدون بشكل كبير في أداء عملهم ويقول أنه بعد الثورة حدث إنفلات أخلاقي لدي كثير من المواطنين مما يسهم في هذا الانفلات الامني. ولكنه يعترف بقصور لازال موجودا في جهاز الشرطة و يشرح احمد أن كثيرا من القيادات الشرطية اياديها مرتعشة و تخشي من إتخاذ القرارات. ويضيف أن الوزير كان قد وافق علي إنشاء وحدة لمكافحة البلطجة منذ شهر يونيو الماضي لكنه يتساءل عن سبب عدم تنفيذ الفكرة. فالجهاز مازال يحتاج كما يري مشالي للكثير من التطوير والتخلص من أساليب التفكير والتعامل القديمة وتفريغ كثير من الضباط للعمل بين الناس في الشارع لإعادة الطمأنينة للمواطن ويقترح تطوير خدمة النجدة ليتلقي البلاغات مجموعة مؤهلة كمن يعملون في شركات المحمول وذلك لإستعادة ثقة المواطن. أفكار كثيرة للتطوير وإعادة هيكلة جهاز الشرطة وكذلك العلاقة بين المواطن والضابط لكن د.أحمد عبدالله المعالج النفسي والمهتم بالشأن العام يضيف انه قبل ان نفكر في التعامل مع التراكمات النفسية في علاقة الشعب والشرطة يجب ان نتساءل كيف يمكن التوقع بأن يعمل هذا الجهاز الذي كان جزءا أساسيا من النظام السابق بكفاءة لتدعيم مصر الثورة دون أن يحدث تغيير جذري بداخله؟ ويضيف انه يجب في البدايه ان ندرك ما هو مفهوم الثورة و ماذا يعني العمل من خلال أطر ثورية. الجهاز الامني لن يعمل لإنجاح الثورة و لتحقيق الامن والاستقرار دون ان تجري بداخله عمليات جراحية حقيقية لإعادة هيكلته وتغيير سياساته. فالجهاز القديم سقط في أثناء الثورة وعلينا الآن ان نبدأ في بنائه بمفهوم وقيادات جديدة لكن ما يحدث من حركات تنقلات شكلية بين القيادات لن يجدي في الإصلاح. العمل في أطر ثورية وإجراء تغييرات حقيقية مطلب يؤيده د.حسن نافعة الباحث السياسي مؤكدا ان المجلس العسكري يدير المرحلة الانتقالية من خلال منهج إصلاحي يقوم علي التغيير المحدود بينما تحتاج البلاد في هذة الفترة إلي منهج ثوري وتغيير حقيقي يشمل الرموز والسياسات ويؤسس لنظام ديمقراطي جديد وهو ما يجب ان يحدث في الجهاز الأمني. فالمجلس كما يقول نافعة يعتبر اللأجهزة الأمنية ضرورة لاستمرار الدولة لذا فالتغييرات التي تحدث فيها محدودة بينما تحتفظ بنفس السياسات والأفكار وهو ما يسبب المشكلة ويحدث الفجوة بين ما يطالب به الثوار وما يقوم به المجلس. جراء تغييرات جذرية في جهاز الشرطة أو تطبيق القانون بحسم, الأنفلات الأمني سببه تواطؤ ام تباطؤ,كل هذا لا يشغل بال المواطن البسيط الذي أصبح لا يطيق صبرا علي الإحساس بالتهديد وعدم الأمان لبيته وأبنائه, فهل تستجيب الشرطة لندائه وتجتهد في اعتقال البلطجية والخارجين علي القانون؟ وهل سوف يستخدم قرار تفعيل قانون الطواريء في اطار التعامل معهم أم انه صدر كخطوة في طريق تكميم الحريات كما يقول البعض. اسئلة سوف تجيب عنها الأيام لكنه من المؤكد أن ثورة مصر قد حدثت وأنه لا مجال للعودة إلي الوراء.