احتضن النظام السابق قانون الطوارئ ورسخ مفهوم العمل به لسنوات طويلة وتحصن كلاهما بالآخر.. حتي ترك جراحا غائرة في نفوس الناس وخلف وراءه آثارا بالغة أجهضت مسيرة التجربة الديمقراطية في ظل تغييب كامل لضمانات تحافظ علي حقوق الإنسان وتحول دون استخدام سيئ للقانون. صنع التوظيف السئ للطوارئ حالة رفض شعبي تصدت لوجوده بمرور السنوات ووضعته ثورة25 يناير فوق قمة أولوياتها لإنهاء العمل به. ووضعت أحداث العنف والفوضي التي تحكم مقدرات الشارع المجتمع علي حافة الخطر وأصبح الناس غير آمنين علي أرواحهم وممتلكاتهم وتعطلت مسيرة الحياة. ولم تجد الحكومة طريقا في خضم الاحداث.. تسير علي دربه لوضع جهاز الشرطة أمام مسئوليته والقضاء علي العنف والبلطجة سوي إعادة العمل بحالة الطوارئ ربما يتحقق الأمن الذي ينشده الناس. عادت المخاوف تطل برأسها من جديد تخشي اساءة استخدام القانون وتطبيقه في غير موضعه وتدفع المجتمع صوب حالة كبت للحريات وتحصن حافظ أبو سعد رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بوجهة نظر تستدعي الماضي السيئ الذي صنعه تطبيق القانون وأهدر علي أثره حقوق الإنسان. بينما يملك اللواء مجدي البسيوني مساعد وزير الداخلية الاسبق يقينا بأن اعادة فرض الطوارئ تعد طوق النجاة لتحقيق أمن المجتمع واستقراره.. في هذه المواجهة نقترب من واقع القانون وممارساته. أجري المواجهة عبدالرءوف خليفة حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: العودة للعمل بقانون سيئ السمعة يهدد مسيرة بناء الدولة الديمقراطية تعتقد ان المجتمع بكل ما يموج به من فوضي وانفلات أمني ليس في حاجة الي العمل بقانون الطوارئ ليضبط ايقاعه. الأمن لن يتحقق في تصوري علي نحو يرضي الناس به إلا اذا تم تطبيق القانون بقوة وحزم وأيقن الخارجون عليه أنه في حالة ارتكاب فعل مؤثم.. فإن انزال العقاب يكون مصيره. الشرطة عندما غابت عن تطبيق القانون واكسابه قوته الحقيقية تمادي المجرمون وسادت شريعة الغاب ووقع الانفلات الأمني وامتد الي العبث بمقدرات الوطن واهدار هيبته والمشهد الذي جسدته حالة الفوضي في احداث السفارة الاسرائيلية ومديرية أمن الجيزة ووزارة الداخلية يدعو للقلق علي مصير الثورة. ورغم ايماني بخطورة ما وقع من احداث دامية.. فإن الأمن الذي نبحث عنه لن يتحقق ولن يفرضه قانون الطوارئ. لدينا اعتقاد خاطئ. لست أدري من أين جاء وآمن به البعض بأن العودة للعمل بقانون سيئ السمعة تعد طوق النجاة الوحيد للقضاء علي دوامة العنف التي يدور في فلكها المجتمع. يملك البعض يقينا بأن العمل بقانون الطوارئ ضمانة حقيقية لعدم تكرار وشيوع ظواهر العنف والفوضي؟ تطبيق قانون الطوارئ لن يحل المشكلة في تصوري ولكن يزيد الأمور تعقيدا ويثير في الناس الماضي البغيض الذي كون لديهم خبرات سيئة مع القانون.. لسنا في حاجة الي العمل بهذا القانون ولدينا من القوانين والتشريعات ما يحقق الهدف والغرض من اعادة الانضباط للشارع والقضاء علي الفوضي والبلطجة.. قانون العقوبات فيه تجريم لكل فعل نراه الآن.. بدءا من التظاهرات وتعطيل العمل وحيازة سلاح بدون ترخيص وترويع الآمنين وغيرها من الافعال التي تكدر صفو الرأي العام وفوق كل ذلك لدينا قانون مكافحة الارهاب رقم97 لسنة92 ويتضمن اجراءات استثنائية تكفي دون العودة للوراء. لدي الحكومة وجهة نظر تدفعها صوب استمرار العمل بقانون الطوارئ وادخال بعض التعديلات علي بعض نصوصه ؟ لا أحد يستطيع أن يتصور ان الحكومة أقدمت علي اعادة العمل بالقانون من أجل الاعتقال.. فهذه هي الميزة الوحيدة التي يوفرها القانون للشرطة في التعامل مع المجرمين الذين يشكلون خطرا علي المجتمع.. نحن نفتح بابا جديدا لضباط المباحث في التعامل مع الناس بقانون فضفاض لاتحكمه ضوابط محددة أو قواعد صارمة تحول دون الاعتداء مع الحريات والتعديل الذي أدخل أيضا علي القانون يضع الحكومة في أزمة علي الرأي العام, كونه تضمن تطبيقا للقانون علي كل من بث شائعات كاذبة وهذا يدخل في صميم قضية الرأي والتعبير.. مصر أمس غير تلك التي نراها اليوم.. الشارع لن يقبل بالعودة الي الوراء واهدار ما حققته ثورة52 يناير. الحكومة أقدمت علي اعادة العمل بقانون الطوارئ وأوجدت ضمانات كافية لعدم تطبيقه علي نحو سيئ ؟ أيا كان حديث الحكومة عن تلك الضمانات فإنها غير مقبولة ولا يستطيع أحد تطبيقها علي أرض الواقع ولن يصدق الناس كلاما لا يستند إلي دليل.. نحن أمام قانون سيئ السمعة وجار علي حقوق الانسان وأهدر كرامته ولذلك أي حديث يأتي في هذا الشأن لن يصدقه الشارع. كنت أود ألا نعود للحديث عن قانون فقد صلاحيته وشرعيته منذ سقوط النظام.. فكيف نجدد العمل به ؟! ورغم اشفاقي علي الحكومة من مشكلات تتفاقم وتحاصرها وأزمات تقف حائلا دون تجاوزها.. فإن التمسك بالعمل والتصدي للانفلات الأمني كان يجب حدوثه في ظل القوانين العادية وعدم العودة إلي المحاكم الاستثنائية وجر المجتمع لتعطيل مسيرة بناء دولة ديمقراطية. عودة قانون الطوارئ تعني في تقديرك إيقاف مشروع انطلاق بناء المجتمع وفق نظام سياسي جديد ؟ قانون الطوارئ لايمكن ان يتعايش جنبا الي جنب مع النظم الديمقراطية, والمشروع الحضاري الذي تسعي الدولة الدخول في رحابه لن يكتب له الحياة في ظل استخدام سيئ السمعة وارتبط فترة طويلة بالنظام السابق والمجتمع لايريد تحقيق الاستقرار بأدوات كان النظام السابق يستخدمها أسوأ استخدام ويدافع بها عن بقائه والقضاء علي خصومه.. المجتمع يريد واقعا جديدا يعمق تجربته الديمقراطية ويجعلها نموذجا يحتذي بها في المنطقة العربية. الشرطة تبغي الحصول علي صلاحيات لحفظ الأمن عبر قانون الطوارئ وتقريرك للموقف يأتي في اتجاه آخر تري ما يطلبه جهاز الشرطة يعد نوعا من الضعف؟ القوانين العادية فيها من العقوبات مايحقق غرض الردع وحفظ الأمن.. المسألة تحتاج فقط الي دور جاد وفاعل للشرطة في التصدي للافعال الاجرامية.. هذه هي القضية الحقيقية التي يتعين علي جهاز الشرطة النظر إليها بشكل أعمق وأقوي, كون ذلك دورها الأصيل تجاه المجتمع وتحقيق استقراره.. لن تجد القوانين الاستثنائية في مكافحة الفوضي التي استشرت في المجتمع بصورة تدعو للقلق.. الناس في حاجة شديدة لخلق علاقات متسقه مع الشرطة والطواريء لن يعينها علي انشاء علاقة سوية تختلف عن تلك التي سادت في الماضي. هناك من يعتقد أن تحقيق أمن واستقرار المجتمع لن يتحقق بجهود الشرطة وحدها وانما بوجود مسئولية مجتمعية؟ الناس اذا لم تشعر بأن رجل الشرطة يؤدي دوره صوب توفير خدمة امنية جيدة ويبادر بتقديمها علي نحو جاد وفاعل.. فإنهم بلاشك سوف يحجمون عن التعاون معه.. الواقع يقضي بأن الامن يبدأ من رجال الشرطة وما يحدث الآن ان رجال الشرطة يؤدون أضعف ادوارهم في هذا الصدد. اللواء مجدي البسيوني مساعد وزير الداخلية السابق: ضمانات تطبيق القانون تمنع تأثيراته علي الممارسة الديمقراطية تري ان الحكومة تقف علي أرض صلبة عندما قررت العمل بقانون الطوارئ سيئ السمعة؟ الوضع السائد في المجتمع من واقع خبرتي الأمنية يتطلب ضرورة تطبيق قانون الطواريء.. الشارع الآن في ظل ظروف استثنائية قاسية يصعب للشرطة السيطرة علي مقاليد الأمور فيه ليتصدوا للأعمال الاجرامية والوحشية التي يرتكبها الخارجون علي القانون. لن ينصلح حال الشارع والمجتمع إلا في وجود حالة الطوارئ.. الوضع الأمني سيئ الي حد كبير والخوف من الانفلات السائد جعل الناس غاضبة من الشرطة وتتهمها بالتقصير وعدم القدرة علي ضبط ايقاع الأمن في الشارع. هناك من يعتقد بأن قانون الطوارئ غير قادر علي اعادة الأمن والاستقرار للمجتمع كونه سيخلف وراءه آثارا سلبية؟ لو كان قانون الطواريء قد تم تطبيقه علي نحو جاد وفعال ووضع في مجراه الطبيعي ما ساد هذا الاعتقاد لدي الناس.. المجتمع المصري له تركيبة اجتماعية خاصة وتسود فيه بعض السلوكيات التي يصعب تقبلها وتركها دون تقويم, وهناك نوعيات من البشر إذا لم تجد يد من حديد تضرب بقوة فوق الممارسات السيئة.. لن يستقيم المجتمع وتنتهي هذه السلوكيات وهذا لا يحققه إلا قانون الطوارئ ولعل تجارة المخدرات وأعمال البلطجة وتهريب السلاح أمثلة يصعب التعامل معها دون قانون الطوارئ.. من يمارسون هذه الأعمال الاجرامية يتخذون الحذر وسيلة لتنفيذ نشاطهم ويصعب ضبطهم وتقديمهم للعدالة.. لكن إذا علم هؤلاء ان حالة الطوارئ في انتظارهم لو ارتكبوا أفعالا إجرامية سيفكرون الف مرة. لدي الحكومة ضمانات حقيقية لعدم استغلال تطبيق القانون علي نحو يسيئ لحقوق الإنسان؟ إذا كنا نريد الحديث عن حقوق الإنسان عند تطبيق حالة الطوارئ... فإنه يتعين أيضا توافر الأمن للمواطن علي أنه حق من حقوق الإنسان.. نحن نتحدث عن الإنسان السوي الذي لا يضمر للمجتمع والناس فيه أي سوء نية... قانون الطواريء لن تطبقه الحكومة إلا علي المجرمين الخطرين, فمن يرتكبون جرائم جنائية... انتهي عصر تنفيذه علي من يمارسون العمل السياسي. لدي الحكومة يقين بأن الشعب الذي أسقط النظام السابق لن يتورع لاسقاط النظام الحالي والإطاحة به إذا ما حاولت العبث بمقدراته واستغلال قانون الطوارئ لخدمة أغراض سياسية. وأعتقد أن الحالات التي حددها القانون معقولة, ويمكن قبول العمل بها. تؤمن بأن قانون الطوارئ وحده يملك طوق النجاة لانقاذ المجتمع من براثن حالة الفوضي السائدة في وقت يعتقد فيه آخرون بأن القانون العادي ضمانة أكثر فعالية؟. قانون الطواريء لا ينص علي عقوبات, وإنما يستثني إجراءات محددة في القانون العادي, فعلي سبيل المثال النيابة العامة لا تستطيع حبس المتهم احتياطيا أكثر من أربعة أيام ولمدة محددة أما قانون الطواريء, فيتم في ظله حبس المتهم في أول قرار06 يوما.. المشكلة في القانون العادي إجراءاته غير كافية لتحقيق العدل, وتوافر الأمن والتصدي بحزم لمعتادي الإجرام والراغبين في ترويع الأمنين. لدي المجتمع مشروع ديمقراطي والموافقة علي تطبيق قانون سيئ السمعة يعمل علي تعطيله؟. يقيني بأن حالة الطواريء تعطي للمشروع الديمقراطي قوة في التنفيذ.. هناك كثيرون يتربصون بالمجتمع واستقراره.. الحكومة وفرت ضمانات كافية لعدم استغلال القانون وتطبيقه علي الممارسين للعمل السياسي أو المنتمين الي حزب من الاحزاب وهذا هو الخطر الحقيقي من وجود حالة الطوارئ وما دونها يعد مطلبا أساسيا لاعادة الأمن وانطلاق مسيرة المجتمع. تعكس رغبة الشرطة في اعادة حالة الطوارئ ضعفا والفشل في القضاء علي الفوضي وشيوع أعمال البلطجة؟ المجتمع أمام ظروف استثنائية ويحتاج الي قانون استثنائي يتعامل معه وفق معايير وضوابط حاكمة تنسق وتحقيق المصلحة الوطنية. هل من المقبول ان نترك كل هؤلاء المجرمين يروعون أمن المجتمع وسلامته واستقراره ونلقي باللوم والمسئولية علي كاهل الشرطة؟!.. هذا فيه ظلم كبير ويجب ألا نظلم الشرطة أكثر من ذلك.. علينا أن نعطيها الفرصة كاملة ونوفر لها المناخ الملائم لانجاز المهمة ثم نحاسبها علي ما أنجزته. الشرطة يقع عليها وحدها عبء مسئولية اعادة الأمن والانضباط للشارع؟ جهاز الشرطة لا يقوي الا بعودة قانون الطواريء في ظل الوضع الامني المتردي وشيوع ظاهرة البلطجة.. الذي أضعف جهاز الشرطة طوال الفترة الماضية.. ان القانون الذي نطبقه أصبح سمك لبن تمر هندي وفوق كل ذلك قسوة المجتمع تجاه رجال الأمن.. هؤلاء لن يستطيعوا أداء دورهم علي نحو جاد دون مشاركة الناس والايمان بأهمية ما يقدمونه لتحقيق استقرار المجتمع. جهاز الشرطة في أزمة صنعها المجتمع عندما تعامل معه علي نحو اساء اليه.. رجل الشرطة لا يستحق ذلك فقد بذل الكثير من الجهد في سبيل أمن الوطن واستقراره. نحن في حاجة شديدة لتجاوز تلك المرحلة وهناك مسئولية علي المجتمع تجاه تقريب الفجوة وألقي باللوم علي عاتق أجهزة الاعلام التي ساهمت في توسيع الفجوة في العلاقة بين المجتمع وجهاز الشرطة في ظل الاساءة المتواصلة بحقه.. رجل الشرطة يحتاج الي دعم الناس حتي يؤدي دوره علي نحو فاعل ومؤثر ولابد أن يتخلص المجتمع من صورة الماضي ويفتح صفحة جديدة.