تعد ثورة52 يناير في مصر من الثورات الكبري في جيل الثورات العريية, ويترتب علي مثل هذه الثورات الكبري الآثار والمآلات العظام التي لايمكن تغافلها أو القفز عليها. ومن أهم هذه النتائج إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع في ضوء هذا الحدث الثوري الكاشف والفارق. وضمن ماتعلمناه من هذه الثورة المصرية المباركة مايمكن تسميته بحساب المثلثات لا باعتباره منظومة رياضية او هندسية, بل كمنظومة سياسية تتحرك صوب ثلاثة أضلاع لمثلث غاية في الأهمية: الدولة والمجتمع والثورة. ومن المعلوم بالضرورة في المجال السياسي ان العلاقة بين الدولة والمجتمع حينما تفرز مجتمعا قويا ودولة قوية فإن ذلك علامة علي التوازن السياسي والفعالية السياسية. وإن تصور علاقة بين دولة ضعيفة ومجتمع ضعيف إنما يشير الي السياسات الفاشلة وهياكل سياسية كبيت العنكبوت واهنة غير فاعلة. وإن اختلال الموازين لمصلحة إحدي كفتي ميزان العلاقة بين الدولة والمجتمع, من دولة قوية علي حساب مجتمع ضعيف وبالخصم منه, إنما يولد بنية استبدادية وشبكة فسادية وإفسادية, ومن دولة ضعيفة ومجتمع قوي, فتشل تلك الدولة الضعيفة الفاشلة طاقات المجتمع وتقصي فاعلياته وتجمد إمكاناته, ففي معظم الاحوال يتدهور حال المجتمع من قوة الي ضعف, وفي النادر يمكن ان تجبر قوة المجتمع ضعف الدولة وفشلها فترفع الدولة لو حشدت طاقات غير استثنائية في النخب المجتمعية واستثمرت إمكانات حقيقية, وتكون الثورات واحدة من اهم الدوافع لتحقيق ذلك وإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع. أيا كان هذا التنظير وحجيته فإن متغير الثورات حينما يدخل علي كيان العلاقة بين الدولة والمجتمع فإنه لابد ان يصوغ هذه العلاقة فيخرجها عن إنحرافها واختلالها الي حال توازنها وقوتها ونهوضها وفي اطار يضمن قوة المجتمع والدولة معا, بحيث تصب قوة احدهما في فاعلية الاخر وقدراته ضمن سنن حاكمة وقواعد مرعية وسياسات معتبرة. فلنعد مرة أخري لمثلث العلاقة الجديد في الثورة المصرية لنري المشاهد, الي اين يمكن ان توجهنا؟ وإلي أي مسار يمكن ان تدفعنا؟ الدولة المصرية ضمن هذا المثلث تدفعنا الي ضرورة ان نتعامل مع سؤال خطير: لماذا تفقد الدول هيبتها وتتآكل فاعلياتها؟!. وهو أمر إذا ما حدث فإنه يهدد المكانة للوطن والكرامة للمواطن. قبل الثورة ومع تراكم الحالة الاستبدادية نشأت الدولة الفاشلة, دولة مستبدة خاوية من مؤسساتها, أو لو وجدت فإنها مؤسسات فارغةورقية تحكمها قاعدة كأن, كأن لدينا مؤسسات وما هي كذلك, أبنية بلا وظائف, أو وظائف انحرفت فانضاف إليها الفساد, لتمارس الدولة قدرتها الإفسادية كما أشار الدكتور معتز بالله عبدالفتاح في إحدي مقالاته قبيل الثورة, مؤسسات عفنة متكلسة, دولة جامدة تستند الي الاستقرار الزائف والرضا الكاذب, وهي دولة علي استبدادها رخوة قابلة للاختراق الخارجي في مفارقة البطش والطغيان كعلاقة ضعف وفشل وخيبة وليس كعلامة فاعلية وهيبة. وفي درس بليغ تعلمنا إياه العلاقة السوية بين الدولة والمجتمع, ان هيبة الدولة لا تعني استبدادها أو تغولها, والتغول غير التغلغل, التغول علامة ضعف وفشل, والتغلغل مؤشر قدرة وفاعلية وهيبة. حينما تؤدي الدولة وظائفها وأدوارها بحقها. وبعد الثورة ومع بروز المرحلة الانتقالية بدا اداء الدولة ممثلة في نظامها وأجهزتها الضامنة لهيبتها وقدرتها علي اداء وظائفها, هزيلا وبعضه هزليا لايتناسب مع خطورة المرحلة الانتقالية وتصوراتها الاستراتيجية العابرة بمصر الثورة الي الدولة الفاعلة العادلة الناهضة. وبدت الفوضي تأكل من رصيد الدولة وتتناقص مظاهر هيبتها في اطار انفلات امني وشبه شلل في سياسات قادرة علي مواجهة التحديات اقتصاديا وأمنيا يؤهل لعملية انتقال سياسي آمن من تسيير العسكر للأمور وإدارة الدولة الي حكم مدني استشرافا لمصر الجديدة والحديثة بعد الثورة. رخاوة النظام, وحركة الانفلات, وتصنيع الأزمات, وإذكاء الفتن من المظاهر والمشاهد الدالة علي تآكل هيبة الدولة وعدم فاعلية نظام انتقالي لم يتواكب مع الحالة الثورية في إطار ترسيخ فجوة المعلومات وفجوة الآليات, حتي انتج ذلك حالة من عدم الثقة وخطابا مصاحبا يتسم تارة بالاستقطاب وتارة بالإحباط, وهو ماسمح بحالة من شيطنة الثورة والثوار وإضفاء حالة سلبية علي الثورة من حيث اثارها ومآلاتها, ويرسخ صناعة هذه الصورة معني الدولة العميقة الحاضنة للثورة المضادة والتي يبرز أشكالها كل يوم في شخوص لم تتغير, ومؤسسات لم تتحول وسياسات لم تتبدل, وبدأ الخطاب يقارن بين استقرار مزعوم إبان النظام البائد وفوضي ملعونة أعقبت الثورة. تآكلت هيبة الدولة في مسار سيادة القانون, وتحقيق الأمن الواجب, وقرارات وسياسات لم تنفذ ولم تترجم علي الأرض. فماذا عن علاقة الدولة بالمجتمع؟ التي وجب إعادة صياغتها بما يتوافق مع الحالة الثورية؟, التباطؤ أنشأ علاقة خطرة, وفجوة الإدراك لحقيقة المشاكل تراكمت, وفجوة السلوك بين القول والفعل تزايدت, وفجوة التعامل مع عالم الإمكانية تعاظمت في تبديد الفرص وهدر الإمكانية, ولنعطي المثل في مؤسسة كالمجلس القومي للشباب التي يمثل الإبقاء عليها, علي قديمة, حالة مستفزة في التعامل السياسي وتلكؤا لايمكن قبوله, خاصة ان هذا المكان يمكن ان يشكل مظلة لاستراتيجية تمكين الشباب وإطلاق طاقاته من ضيق ميدان التحرير الي ميادين المجتمع والاشتباك مع قضاياه ومواجهة تحدياته فماذا عن الثورة في هذا المثلث؟! الثورة فرصة حقيقية لاعتدال الميزان في العلاقة بين الدولة والمجتمع, الثورة بما مثلت من مشروع لتطبيق استراتيجية اصلاح واسعة, الثورة قدرة علي تكثيف الزمن, ومقدرة علي استثمار الفرص, وجرأة في مواجهة الأزمات, ترسيخا للحالة الثورية وتعظيما للطاقة الثورية وتأكيدا لقوة دفع ونهوض, ليس بتأزيم المواقف ولا صناعة أزمات تجر الي ثورات غضب متكررة مسكونة بالقلق والحيرة. أيها الناس فرغ الصبر ولم يعد هناك مجال للتباطؤ او المماطلة او المماحكة او التعتيم, المجال مفتوح للفعل الثوري الناهض الدافع الي اعتدال ميزان العلاقة بين الدولة والمجتمع واستثمار الثورة كعملية يجب ان توضع لها الاستراتيجيات. القوة بدون العدل سلطان جائر, والعدل بدون القوة سلطان حائر او خائر كما يقول الاستاذ فاروق جويدة, والحزم عنوان الهيبة, والاستبداد عنوان الخيبة, والدولة نتيجة خطايانا والمجتمع فضائلنا.. فهل تعلمنا درس الثورة؟!