في مثل هذه الأيام من شهر مارس منذ91 عاما قامت ثورة الشعب ضد الاحتلال وهي ما عرفت في التاريخ بثورة(19), وإذا ما تحدثنا عن ثورة1919 فلابد من الاستعانة بما كتبه المؤرخ الكبير الاستاذ عبدالرحمن الرافعي رحمه الله, إذ يقول في كتابه تاريخ مصر القومي من سنة1914 الي1921. ( لم يكن الظن في بادئ الامر أنها الثورة, إذ كان الكثيرون يعتقدون بأنها مظاهرات وقتية, تنتهي في يومها ولا يكون لها ما بعدها, ولكنها امتدت فشملت كل طوائف الشعب من العاصمة الي الاقاليم وتصدت لها السلطة العسكرية البريطانية بإطلاق الرصاص علي المتظاهرين وسالت الدماء في الشوارع). ونجد ان الرافعي في كتابه يتناول الجهود التي بذلتها الامة في سبيل تحرير مصر من الاحتلال مرورا بالاحداث ونظم الحكم المتعاقبة, والادوار التي ساهمت في تطور الحركة القومية في مصر. ولاحظت وانا أجول بين جنبات التاريخ مع دليل ومؤرخ ثورة1919 الاستاذ عبدالرحمن الرافعي انني توقفت امام الكثير من الاحداث التي واكبت الثورة لعلها تحمل دلالات مضيئة نحن في امس الحاجة الي نورها لنؤكد أن مصر للجميع القبطي والمسلم.. الكل في نسيج واحد, وهذا محفور في سجلات التاريخ بحروف من نور, وهو ما سنراه في الاحداث التالية: الحادث الاول: مجازر العاصمة أصاب رصاص الاحتلال المظاهرات السلمية وحصدت ارواح المئات, وكان الاحتجاج الجماعي لاطباء مستشفي القصر العيني واساتذة كلية الطب وبعثوا بمذكرة احتجاجية الي مدير عام مصلحة الصحة في15 مارس1919, ونذكر هنا من السادة الاطباء الذين قاموا بالتوقيع علي عريضة الاحتجاج كلا من: د. سليمان عزمي, د. علي ابراهيم, د. جبرائيل بحري, د. جرجس جرجس الضبع, د. محمد كامل براده, د. محمد مبارك, د. جورجي صبحي, د. عزيز إسكندر, د. محمد رياض. الحادث الثاني: محاكمة ديروط وديرمواس وتعد من أهم المحاكمات امام المحاكم العسكرية, فالتهمة الموجهة هي قتل ثمانية من ضباط وجنود الاحتلال البريطاني في القطار بديروط ودير مواس في18 مارس1919 بمديرية اسيوط, وبلغ عدد المتهمين91 شخصا منهم الاعيان وثلاثة من ضباط البوليس وعمدة وشيخ بلد ومحام ومدرس واربعة طلبة, وجمع من المزارعين والصناع, وتراوحت الاحكام بين الاعدام والاشغال الشاقة نذكر منهم. الاستاذ شفيق حنا المحامي بديروط, أحمد بك قرشي من أعيان صنبو مركز ديروط, فريد عياد, نجيب جرجس دير مواس, خليل أبوزيد علي( نجل خليل بك أبوزيد علي) من ديرمواس خريج كلية الزراعة جامعة لندن, ولم يكن قد مر علي حضوره من انجلترا غير ايام معدودة, وهكذا نجد ان جنود الاحتلال لم يفرقوا بين مسلم ومسيحي فالمشانق حصدت ارواح34 مصريا في جريرة الدفاع عن الوطن, وكان الكل نسيجا واحدا وفي خندق واحد. الحادث الثالث: موقف القمص باسيليوس تألفت وزارة يوسف وهبة باشا بغير برنامج في21 نوفمبر1919 وقوبل تأليف الوزارة بالسخط العام, لأن تأليفها كان يعد بمثابة اقرار منها للسياسة البريطانية ومعاونة لها علي تنفيذها, وتمهيد الطريق للجنة ملنر, يقول الرافعي: وإذا كان رئيس الوزراء قبطيا, فقد استاء الاقباط من موقفه, وأقاموا اجتماعا, كبيرا صباح يوم الجمعة21 نوفمبر في الكنيسة المرقسية الكبري, برئاسة القمص باسيليوس وكيل البطريركية أعلنوا فيه سخطهم علي وهبه باشا, وعلي قبوله تأليف الوزارة, وخطب في هذا الاجتماع القمص سلامة منصور رئيس المجلس المحلي بالقاهرة والاستاذ لويس حبيب والاستاذ لويس فانوس والقمص مرقص سرجيوس وكامل افندي جرجس عبدالشهيد بالنيابة عن الطلبة, واتفق الحاضرون علي ارسال برقية احتجاج الي يوسف وهبه باشا وقعها عنهم رئيس الاجتماع القمص باسيليوس هذا نصها:( الطائفة القبطية المجتمع منها مايربو علي الالفين في الكنيسة الكبري تحتج بشدة علي اشاعة قبولكم الوزارة اذ هو قبول للحماية ولمناقشة لجنة ملنر, وهذا يخالف ما اجتمعت عليه الامة المصرية من طلب الاستقلال التام. ومقاطعة اللجنة, فنستحلفكم بالوطن المقدس وبذكري اجدادنا العظام ان تمتنعوا عن قبول هذا المنصب الشائن) فكان هذا الاجتماع اكبر دلالة علي التضامن القومي معزوفة قومية في حب الوطن لاتعرف للطائفية طريق.., الكل يذهب ويبقي الوطن يحتضن الابناء والاحفاد في حب وعطاء.. فهل نتعلم من آبائنا واجدادنا ونؤكد ونفعل شعار الدين لله والوطن للجميع اقباطا ومسلمين, ولن يتم تفعيل هذا الشعار الا من خلال برنامج عمل وتحرك مدروس وسريع بدءا من المؤسسة التعليمية, المناهج التعليمية والمدرس في الفصل, والاعلام له دور كبير من المسئولية وكل قادة الرأي في المجتمع, وللمجتمع الاهلي دور كبير في تعميق مفهوم المواطنة, ويتوازي مع ذلك تصحيح الخطاب الديني في الجامعة والكنيسة, ويجب ان تتوقف تماما حملات المتاجرة تحت أي شعارات دينية, ولابد من إعلاء راية مصر لكل المصريين والقانون فوق الجميع.