من الأمثلة الشعبية التي يتناقلها المصريين على ألسنتهم: "في المشمش"، ويقصدون به الدلالة على استحالة تحقق الشيء، وربما لا يعرف من يتناقلون هذه الكلمات أن جملة "في المشمش"، استخدمها أبناء المحروسة لأول مرة في عصر المماليك ليعبروا بها عن يوم هام من تاريخ مصر؛ إذ أنهم كانوا يشيرون بها إلى تاريخ وفاة أحد أشهر حكام مصر، وهو السلطان المملوكي الظاهر سيف الدين برقوق، الذي "مات في المشمش". وجملة "مات في المشمش"، لم يستخدمها المصريين على سبيل الصدفة، فقد تناقلتها ألسنتهم بعد أن نجح علماء الفلك المسلمين في إختراع نوع من أنواع الكتابة والحساب أطلق عليه في ذلك الوقت "حساب الجمل"، وهو ما يعني توظيف حروف اللغة العربية وتركيبها في كلمات وجمل تستخدم بدلًا من الأرقام الحسابية. مات في المشمش الدكتور محمد الجزيري، الباحث في قسم الحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، والمنسق العام لمشروع حفظ التراث الإسلامي، يشير إلى أن المصريين في العهد المملوكي كانوا يطلقون على عام 801 هجرية الذي توفي فيه السلطان برقوق "في المشمش"، والسبب الذي جعلهم يستبدولون الأرقام الحسابية بحروف اللغة العربية يعود إلى أن علماء الفلك في ذلك الوقت أوجدوا نوعًا من أنواع الكتابة والحساب يسمى ب"حساب الجمل"، وهو عبارة عن توظيف حروف اللغة العربية وتمثيلها بأرقام حسابية؛ فمثلًا كانوا يعتبرون إنحراف حرف "أ" مماثلًا لرقم "1"، وحرف "ب" مماثلًا لرقم "2"، وحرف ال"ل" مماثلًا لرقم "30"، وحرف ال"ش" مماثلًا لرقم "300"، قائلًا: "حينما سأل أحد العلماء -وكان يُعرف بخفة دمه- عن تاريخ وفاة السلطان برقوق؟ أجاب: مات في المشمش؛ وبالفعل عندما نطابق حروف تلك الجملة على الأرقام نجدها تساوي عام 801 هجريًا". الجزيري، يلقي الضوء على تاريخ السلطان برقوق، قائلًا: "هو أول سلطان من سلاطين دولة المماليك الجراكسة، والحاكم الخامس والعشرين في تعداد سلاطين المماليك، وكان -قبل تنصيبه سلطانًا- أميرًا ل(طبلخانة)، والتي كان مسؤولًا فيها عن أكثر من 80 جندي مملوكي، ثم تولى بعد ذلك إمارة (خور)، وكان فيها مسئولًا عن الإسطبل السلطاني، وبعدها أصبح (أتابك) للعسكر المملوكي، إلى أن تمت ترقيته ليصبح واحدًا من أهل الحل والعقد بتفويض من السلطان المنصور، وبعد أن أصيب الأخير بالطاعون، نُصب شقيقه صلاح الدين أمير ، سلطانًا على البلاد، وكان عمره 11 سنة، ومن هنا انفرد وتحكم الظاهر سيف الدين برقوق، بعرش السلطنة المصرية، إلى أن شجعه أنصاره على خلع شقيقه وتولي حكم البلاد رسميًا، وهو ما حدث بالفعل". الباحث في قسم الحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، يضيف، أن السلطان برقوق شيد أحد أهم مساجد مصر التاريخية، وهو المسجد الكائن بشارع المعز لدين الله الفاطمي بالقاهرة، والمعروف ب"مسجد السلطان برقوق"، والذي يُعد تحفة معمارية عجز مهندسي العصر الحديث عن تشييد مثلها، كما أنه أول منشأة معمارية تبنى في دولة المماليك، ويرجع تاريخ إنشاء المسجد إلى عام 1286 ميلادية، وشُيد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، وكان يُدرس به المذاهب الفقهية الأربعة، ثم ألحق به خانقاه (مكان ينقطع فيه المتصوفة للعبادة)، وقبة ضريحية تعلو غرفتي دفن، الغرفة الأولى دفن بها جثماني السلطان برقوق وإبنه السلطان الناصر فرج، بينما تضم غرفة الدفن الثانية جثماني زوجة السلطان برقوق وإحدى بناته".
