كوفاسيتش: سجلت هدفي الثاني بسبب جوارديولا.. ونفتقد رودري    وزير الدفاع ينيب قادة الجيوش الميدانية والمناطق العسكرية لوضع أكاليل الزهور على قبر الجندى المجهول    جنرالات النصر    11.7 تريليون جنيه ودائع مصريين وزيادة 181% في حساباتهم بالبنوك مقارنةً بعام 2016.. «البنك المركزي» يفحص 3210 شكاوى وطلبات    وزارة السياحة: انطلاق رحلة ركوب الدراجات الهوائية من الغردقة إلى مرسى علم    غدا إجازة بأجر للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر    زيادة إنتاج الغاز فى «باشروش».. و«توتال» تستعد لمناطق جديدة ..بدوى: شراكة مع شركات البترول العالمية وتسريع ضخ الاستثمارات    يسيطر عليها من رقم السيارة.. أساليب اختراق جديدة تغير قواعد اللعبة    الجيش الفرنسي يشهد حالة تأهب قصوى، اعرف السبب    مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق: مصر تلعب دور تاريخي في دعمها للبنان    الادّعاء الروسي يطالب بسجن "مرتزق" أمريكي 7 سنوات    مسؤول سابق بالبنتاجون: «بايدن» يدعو دائما لوقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان    الرئيس يتلقى التهانى بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر    أودينيزي يعود للانتصارات من بوابة ليتشي    «الدَّين» القاتل    "مكنش قصدى"، مقتل عامل على يد والده فى سوهاج    حالة الطقس بمحافظة البحيرة غدًا الأحد 6-10-2024    فرق مهرجان الإسماعيلية للفنون الشعبية تزور منطقة البحيرات المرة (صور)    يوم المعلم العالمي.. كيف يتبنى كل برج دور المعلم    الغيطانى وقبضايا وفاروق يوثقون لحظات النصر بالكلمة والصورة    نشوى مصطفي تغادر المستشفى غدا بعد تركيب 3 دعامات في القلب    طريقة عمل أم علي في البيت بأقل التكاليف    كيف تمنع ارتفاع مستويات السكر بالدم بطرق بسيطة من المنزل؟    الزمالك يسابق الزمن لتفادي إيقاف القيد مجددا    النني يفتتح أهدافه مع الجزيرة في الدوري الإماراتي    رواتب تبدأ من 6500 جنيه.. رابط التقديم على فرص عمل في القاهرة والتخصصات المطلوبة    قبرص: وصول أول رحلة تُقِل مواطنين أستراليين من لبنان    نادٍ إنجليزي جديد يزاحم ليفربول على ضم عمر مرموش    إصابة 13 شخصًا فى حادث انقلاب سيارة بالإسماعيلية    «الإفتاء» تنظم البرنامج التدريبي «التأهيل الفقهي» لمجموعة من علماء ماليزيا    الصحة: فريق الحوكمة والمراجعة الداخلية يتفقد مستشفى الغردقة العام ويحيل واقعة تقصير للشئون القانونية    إسرائيل تشن 5 غارات على ضاحية بيروت الجنوبية خلال الساعة الأخيرة    عاجل.. تأجيل إعادة محاكمة متهم بتفجير فندق الأهرامات الثلاثة لحضور المحامي الأصيل    نقابة المهن الموسيقية ترعى مؤتمر الموسيقى والمجتمع في جامعة حلوان    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 103 ملايين خدمة مجانية خلال 65 يوما    بعد انطلاق فعالياته.. 5 أفلام مصرية تشارك في مهرجان وهران السينمائي    خلال 24 ساعة.. تحرير 534 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    «إسلام وسيف وميشيل».. أفضل 3 مواهب في الأسبوع الخامس من كاستنج (فيديو)    رئيس الضرائب توضح تفاصيل جديدة بشأن إصدار فواتير إلكترونية    الكنيسة الأرثوذكسية تهنئ الرئيس والمصريين بذكرى نصر أكتوبر    التضامن تسلم 801 وحدة سكنية للأبناء كريمي النسب في 12 محافظة    خبيرة: مشروع رأس الحكمة أحدث استقرارا نقديا انعكس إيجابيا على مناخ الاستثمار    موعد مباراة منتخب مصر ضد موريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    في حوار من القلب.. الكاتب الصحفي عادل حمودة: "أسرار جديدة عن أحمد زكي"    شاهندة المغربي: أتمنى تحكيم مباراة الأهلي والزمالك في دوري الرجال    أكاديمية الشرطة تستقبل وفدا من أعضاء الهيئات الدبلوماسية بمجلس السلم والأمن    فرد الأمن بواقعة أمام عاشور: ذهبت للأهلي لعقد الصلح.. واللاعب تكبر ولم يحضر (فيديو)    تخفيضات 10%.. بشرى سارة من التموين بشأن أسعار السلع بمناسبة ذكرى أكتوبر    السد يعلن تفاصيل إصابة يوسف عطال.. ومدة غيابه    رئيس جامعة الأزهر: الله أعطى سيدنا النبي اسمين من أسمائه الحسنى    فضل الصلاة على النبي محمد وأهميتها    تقرير أمريكي: السنوار اتخذ مواقف أكثر تشددا.. وحماس لا ترغب في المفاوضات    حاول إنقاذه فغرقا معًا.. جهود مكثفة لانتشال جثماني طالبين بهاويس الخطاطبة بالمنوفية (أسماء)    «تنمية المشروعات» يضخ 2.5 مليار جنيه تمويلات لسيناء ومدن القناة خلال 10 سنوات    بمناسبة اليوم العالمي للمعلم.. رسالة مهمة من وزير التربية والتعليم    إشراقة شمس يوم جديد بكفر الشيخ.. اللهم عافنا واعف عنا وأحسن خاتمتنا.. فيديو    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 5-10-2024 في محافظة البحيرة    رئيس جامعة الأزهر: الحروف المقطعة في القرآن تحمل أسرار إلهية محجوبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورقة عمل مقترحة للنقاش المجتمعي السياسة الثقافية للدولة
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 11 - 2014

ننشر هنا النص الكامل للسياسة الثقافية للدولة المصرية، التي أشرف علي كتابتها د. جابر عصفور وزير الثقافة، ويعمل علي تنفيذها الآن. النص المنشور كاملا يثير العديد من الأسئلة وعلامات الاستفهام.. ومن هنا نطرحه للنقاش العام..ويسعدنا تلقي أية مناقشات حوله لنشرها في أعدادنا القادمة.
مقدمة تمهيدية:
أعتمدت ورقة العمل هذه علي خبرات نظرية وعملية في مجال تقييم السياسات الثقافية، أبرزها المشروع البحثي الكبير الذي وضع خطته وأشرف علي تنفيذه في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الأستاذ السيد ياسين عام 1992 وما تلاه. وقد خرج من هذا المشروع ثلاثة كتب أساسية هي:
- رؤي العالم (1993) بإشراف الدكتور »أحمد أبوزيد«.
- تخصيص الوقت (1998) بإشراف »السيد ياسين« وإعداد »د. ليلي عبدالجواد« والدكتور »علاء مصطفي«.
- المناخ الثقافي (2000) إشراف وتحرير »السيد ياسين« ومشاركة »محمد هاشم«
و »ابراهيم غانم« و »فؤاد السيد«.
- وقد تم هذا المشروع البحثي في إطار برنامج تقييم السياسات والبرامج الاجتماعية، وتم اختيار موضوع تقييم السياسة الثقافية إدراكا منا لأهميتها القصوي في مجال تطوير المجتمع وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
- وقد استند هذا الاختيار إلي عدة اعتبارات تعكس في مجملها أهمية الموضوع وتؤكد علي:
1- أن فهم السياسة الثقافية يفيد في توضيح أبعاد المجتمع والإنسان في كل ما يتعلق بالجوانب الاجتماعية والثقافية.
2- أن أية محاولة تستهدف إعادة تشكيل بناء الإنسان تتطلب فهماً واعياً وعميقاً لمكونات هذا البناء، وخاصة الجوانب الثقافية المصاحبة له في مراحل تنشئته الاجتماعية والمغذية لفكره وطريقة تفكيره وحياته وقيمه ومعتقداته واتجاهاته ومواقفه، ونظرته إلي الحياة ومما ينعكس علي سلوكه الاجتماعي.
3- أن فهم السياسة الثقافية كما تمارس في واقع المجتمع من خلال مجمل الأنشطة الثقافية والمؤسسات والأجهزة الرسمية وغير الرسمية يمكن من فهم وتحليل مضمون الأهداف والرسائل المتباينة المقدمة إلي الجماهير التي تتلقي الرسائل، ورصد مدي الانساق والتناقض فيما بينها. ومسايرة التغير والتطور الاجتماعي في المجتمع وفي العالم الخارجي.
4- أن دراسة السياسة الثقافية دراسة متكاملة وشاملة ينبغي أن تقوم أولاً علي القيام بمجموعة مترابطة من البحوث الثقافية الأساسية تحاول استكشاف ملامح خريطة ثقافية للمجتمع مما يمكن من تخطيط سياسة ثقافية أكثر فاعلية وقدرة علي الأداء لاستنادها إلي الواقع المعبر عن الاحتياجات الفعلية، وتقرير ما ينبغي أن تكون عليه، وذلك في إطار تصور مستقبلي للمجتمع يضع في الاعتبار المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية.
وينبغي منذ البداية التحديد الدقيق لمفهوم الثقافة كما هو معروف في العلم الاجتماعي المعاصر. فالورقة تتبني التعريف الموسع للثقافة الذي يزاوج بين محاور ثلاثة رئيسية:
- الثقافة كمرادف لكل ما هو إنساني، بمعني أن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يضم أنماط السلوك المشترك السائد في مجتمع ما بشقيها المادي والمعنوي مع التركيز علي الجوانب اللامادية.
- الثقافة بالمعني الإبداعي النخبوي الذي يركز علي طبيعة الإنتاج الرفيع المقدم من نخبة من المبدعين.
- الثقافة بالمعني الذي يربط بينها وبين القيمة التي يضفيها الإنسان علي حياته فيكسبها معني ودلالة بمعني التركيز علي نوعية الحياة فالثقافة بهذا المعني تشير إلي رؤية الإنسان للعالم ونوع الأساليب التي يتبعها لكي يكسب معني ويحقق آماله وتطلعاته.
- في ضوء المحاور الثلاثة المتضمنة في هذا التعريف فإن هذه الورقة البحثية تتبناها مجتمعة حيث تهتم بالجوانب والأبعاد التالية:
- الجوانب اللامادية أو المعنوية.
- الإبداع والمبدعين.
- نوعية الحياة والأساليب المؤثرة في صياغة وتشكيل القيم والاتجاهات للجماهير.
- وقد يكون مناسبا أن نعطي تعريفاً محدداً لمفهوم السياسة الثقافية الذي سيتردد كثيراً في هذه الورقة البحثية.
السياسة الثقافية هي: »توجهات الدولة الأيديولوجية معبراً عنها في مجمل القرارات والتدابير والبرامج والأنشطة والأفعال - بما في ذلك الامتناع عن الفعل - والتي توجه إلي الجوانب الثقافية اللامادية في المجتمع: المعتقدات والفكر والرأي والفن والأدب والقيم والعادات والتقاليد والذوق العام والقدرات الإنسانية وبخاصة القدرة الإبداعية والقدرة علي التذوق الفني والقدرة علي التفكير العلمي بهدف تحقيق أهداف وغايات تتفق وتوجهات الدولة الأيديولوجية«.
- وتبني الورقة لهذا التعريف معناه أن السياسة الثقافية التي ستتم دراستها تمتد لتشمل السياسة الثقافية لوزارة الثقافة وغيرها من الوزارات والهيئات كوزارة التعليم ووزارة الشباب ووزارة الأوقاف.
3- تقويم السياسة الثقافية:
في تقويم السياسة الثقافية لابد لنا أن نعتمد علي المعايير التي اتفق عليها جمهرة الباحثين في مجال تقويم السياسات العامة. وعلي تطويعها لتتفق مع هوية المجتمع المبحوث. والواقع أن موضوع تقويم السياسات العامة ومعايير هذا التقويم، من الموضوعات الخلافية في العلم الاجتماعي. وهناك تصميمات منهجية متعددة تطبق في هذا المجال ولايتسع المجال لعرضها.
وهناك مجموعة من القواعد المهمة تعتبر موجهات أساسية في عملية صياغة السياسة الثقافية.
وتتلخص فيما يلي:
1- لابد من دراسة وتحليل الخطاب السياسي الذي يعكس الأيديولوجية السائدة في المجتمع كنقطة انطلاق عند دراسة أية سياسة عامة، والمسلمة هنا أن السياسات العامة عادة ما تعكس الأهداف المحددة في الأيديولوجية.
ويقتضي ذلك استخدام المناهج الملائمة التي تستطيع أن تنفذ إلي جوهر الايديولوجية أو بؤرتها العميقة، وبالتالي لا يجب الوقوف عند مستوي شرح أو تحليل النصوص.
2- لابد من التعرض ابتداءً لمسألة نطاق عمل وتأثير السياسة العامة محل الدراسة، ودراسة تشابكها وتفاعلاتها وعلاقاتها مع سياسة عامة أخري. حتي لو كانت الصلات تبدو بعيدة.
3- ينبغي الالتفات إلي أن تقويم أية سياسة عامة هو عملية مستمرة ومتزامنة مع مراحل مختلفة.
4- في تقويم السياسات العامة ينبغي أن يلتفت إلي أهمية دراسة اتجاهات المطبقين والمستفيدين من السياسة العامة. كما هو الحال في السياسة الصحية والسياسة التعليمية.
5- من المهم أن نلاحظ أن بعض السياسات العامة لا تصاغ دفعة واحدة فأحيانا تنجم سياسة عامة عن عملية تطور تدريجي بطيء يكتمل في مرحلة زمنية قد تقصر وقد تطول.
6- السكوت عن إصدار قرار ما، قد يعبر في ذاته عن سياسة عامة.
7- في مجال المؤشرات الاجتماعية، أحياناً ما تكون المؤشرات الكمية خادعة أو غير صحيحة أو لا تناسب الواقع.
ومن هنا أهمية صياغة مؤشرات كمية دقيقة وصالحة مع الاهتمام بالمؤشرات الكيفية، وكل ذلك بما يتلاءم مع خصوصية كل سياسة عامة. ورئي في هذا الإطار اتباع المعيار المقارن، ونعني بالمقارنة الوضع في المجتمع المحدد بالأوضاع العالمية.
8- هناك أهمية بالغة لتحليل بنية النظام الذي تعمل في ظله السياسة العامة محل البحث، والنظام هنا بالمعني الشامل: النظام السياسي والاجتماعي والثقافي والنظام الاقتصادي.
9- في تقويم السياسات العامة لابد من دراسة كيف تصاغ السياسة العامة وذلك لدراسة درجة المشاركة في صياغتها.
10- في تقويم السياسة العامة لابد من دراسة تأثير العوامل الخارجية (الإقليمية كتأثير النظام العربي. والعالمية كتأثير العولمة).
11- ينبغي في التقويم الاهتمام بموضوع الاستقرار السياسي وتأثيره علي ثبات السياسات العامة أو تغيرها أو تناقضها عبر الزمن.
وفي تقديرنا أن التحرك بإيجابية لوضع سياسة ثقافية جديدة يقتضي التحرك في دوائر ثلاث:
الدائرة الأولي: تقييم السياسة الثقافية الراهنة في ضوء مؤشرات كمية وكيفية.
الدائرة الثانية: القيام بمجموعة من البحوث الاجتماعية الثقافية الأساسية وخصوصاً ما تعلق منها بمسوح اجتماعية في دوائر الأميين والفئات الفقيرة والمهمشة وفي العشوائيات لاكتشاف المواهب الدفينة لمن يصلحون موجهين ثقافيين شعبيين.
الدائرة الثالثة: التخطيط لسياسة ثقافية جديدة محورها «التنمية الثقافية القاعدية» وفقا لتحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية التي سادت المجتمع بعد ثورة 25 يناير، ووفقاً لموجهات أساسية في ضوئها يتم وضع البرامج الثقافية المختلفة.
خطة الدراسة:
أولاً: سنعرض أولاً للملامح الأساسية للمجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير، ثم نقدم عرضاً موجزاً للأوضاع الاجتماعية والثقافية، الراهنة وبعد ذلك تدخل في صميم الموضوع بالتركيز علي التنمية الثقافية الجماهيرية باعتبارها الفلسفة التي تقوم عليها السياسة الثقافية المقترحة، وبعد ذلك نركز علي الأهداف الأساسية للسياسة الثقافية، وأخيراً نقدم مقترحات محددة بمجموعة برامج ثقافية أساسية يدرس فيما بعد طرق تنفيذها.
أولا: قراءة تحليلية لخريطة المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير.
ليس هناك شك في أن ثورة 25 يناير قد غيرت بشكل جذري المجتمع السياسي السلطوي الذي ساد طوال عهد الرئيس السابق «مبارك»، وحولته إلي مجتمع ثوري بكل ما في الكلمة من معان ودلالات.
والمجتمع السلطوي قام علي أساس احتكار السلطة عن طريق انفراد الحزب الوطني الديمقراطي بالهيمنة علي مجمل الفضاء السياسي، عن طرق شبكات الفساد وممارسة التزوير المنهجي لكل الانتخابات: برلمانية كانت أو رئاسية.
ولانقول إن ثورة 25 يناير قد محت بجرة قلم كل ملامح المجتمع السلطوي، لأن السلطوية ليست مجرد نظام سياسي استبدادي، ولكنها أيضاً ثقافة تغلغلت في نسيج المجتمع، وتسببت في الخوف الشديد من السلطة والخنوع الجمعي، وأسست للوعي الزائف الذي مؤداه أن الجماهير تعجز عن مقاومة الاستبداد، وأنها لاتستطيع اتخاذ المبادرة في المعارضة الجذرية لتغيير سياسات النظام المنحرفة، أو في الانتفاضة الثورية لقلب النظام.
جاءت الثورة فغيرت عديداً من هذه الملامح، لأنها أسقطت النظام بالفعل في فترة قياسية، وأجبرت الرئيس السابق علي التنحي، وأبرزت الطاقة الثورية الهائلة الكامنة لدي جموع الشعب، وأكثر من ذلك أثبتت أن الجماهير في ميدان التحرير وغيره من الساحات الثورية، يمكن أن تمارس الضغط الثوري علي السلطة في المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو في الوزارة، لكي تدفعها دفعاً لاتخاذ قرارات معينة أو لتعديل قرارات اتخذت وثبت خطؤها.
والسؤال الذي ينبغي إثارته الآن: ما الملامح الأساسية لهذا المجتمع الثوري المصري الجديد الذي خلقته ثورة 25 يناير؟
قبل الإجابة علي هذا السؤال المحوري لابد من الإشارة إلي أننا نعيش في عصر ما بعد الحداثة.
وأهم سماتة سقوط السرديات الكبري أو الأنساق الفكرية المغلقة التي كانت تأخذ عادة شكل الأيديولوجيات المصمتة كالماركسية المتطرفة أو الرأسمالية الجامحة. كما سقطت أيضاً أوهام الحقائق المطلقة. أو المواقف الفكرية الثابتة التي لاتتغير حتي لو انقلبت الأحوال، وبرزت ظواهر جديدة غير
مسبوقة تحتاج إلي إطار نظري جديد يحاول الغوص إلي أعماق المشكلات في عصر لابد فيه من الاعتماد علي الانساق الفكرية المفتوحة، التي تستطيع أن تؤلف تأليفاً خلاقاً بين متغيرات متعارضة، كان يظن أنه لا يمكن الجمع بينها في مؤلف فكري أو سياسي واحد. كالتأليف بين العلمانية والدين، أو بين الاشتراكية والرأسمالية، أو بين الحرية والعدالة الاجتماعية.
والكاتب المنهجي وهو يخوض في غمار العواصف السياسية والاجتماعية والسلوكية التي أحدثتها ثورة 25 يناير يحاول أن يستخدم في استراتيجية الكتاب تكتيكات مختلفة، كالتقدم والتراجع، والدفاع عن موقف محدد ثم العدول عنه، أو تبني رأي ما وتغييره في فترة قصيرة، لأنه ثبت من خلال الممارسة خطؤه، وبالتالي الحكم علي الكاتب أنه متناقض نتيجة قراءة سطحية غير متتبعة لمقالاته في مجموعها يعد إدانة لا محل لها، وليست لها أي قيمة معرفية.
ولذلك كان من الضروري رسم الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثوري المصري، من خلال المراقبة المنهجية لأحداث ثورة 25 يناير وتحولاتها.
وأول ملامح هذا المجتمع الثوري المصري الوليد، أن دور المثقف التقليدي والذي ساد طوال القرن العشرين، والذي كان يقوم علي أساس تبني رؤية نقدية لأحوال المجتمع والاهتمام بالشأن العام من خلال تبني أيديولوجيات متعددة، قد سقط لحساب دور جديد ناشئ لمن يطلق عليه »الناشط السياسي«.
وهذا الناشط السياسي نجده ممثلاً في الأعمار كافة، وليس من الضروري أن يصدر عن أيديولوجية محددة. ولكن ما يميزه حقاً قدرته الفائقة علي تحريك الشارع في اتجاه معارضة السلطة، سواء في ذلك السلطة السلطوية أو السلطة الحالية في مرحلة الانتقال. ومما يميزه أن تحريك الشارع يتخذ - بحكم الثورة الاتصالية الكبري - أشكالاً مستحدثة غير مسبوقة، مثل: الاستخدام الفعال لشبكة الانترنت بما فيها من أدوات »الفيس بوك« و»التويتر« بالإضافة إلي الأشكال التقليدية مثل: رفع وعي الجماهير من خلال رفع شعارات ثورية صارخة، تدفعهم دفعاً إلي الخروج إلي الشوارع في مظاهرات كبري، أو اعتصامات مفتوحة، أو وقفات احتجاجية.
والملمح الثاني من ملامح المجتمع الثوري هور ظهور فئة »الحشود الجماهيرية الهائلة« والتي حلت محل فئة الجماهير التقليدية التي كان يمكن أن تخرج إلي الشارع للمعارضة في صورة مظاهرة لا يتعدي عدد أعضائها المئات، ممايسهل مهمة قوات الأمن في تفريقها. غير أن الحشود الجماهيرية حين يصل أعداد المشاركين فيها إلي مئات الآلاف أو الملايين في بعض الأحيان، فمعني ذلك عجز أي قوة أمنية عن تفريقها أو وقف انتشارها.
غير أن أخطر ما في ظهور الحشود الجماهيرية كفاعل أساسي ليس في كثرة الأعداد فقط، ولكن في أن سيكولوجية الحشد تتسم بسمات أساسية، أبرزها: الاندفاع الذي لا حدود له، وتجاوز كل الحدود، والتطرف في رفع الشعارات التي يصوغها عدد من المحترفين الثوريين، والارتفاع بسقف المطالب أحياناً لدرجة تجعل من المستحيل تحقيقها في وقت قصير، أو التناقض الشديد في المطالب، كل ذلك مع تشرذم الآراء السياسية، وبروز الانقسامات الخطيرة مثل تحول المجتمع إلي معسكرين: معسكر الليبراليين واليساريين، ومعسكر الإسلاميين، سواء أكانو من الإخوان المسلمين أو السلفيين.
والملمح الثالث من ملامح الخريطة المعرفية للمجتمع المصري بعد الثورة هو بروز التناقض بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية.
الشرعية الثورية ظاهرة معروفة في كل الثورات، وتعني أن من قاموا بالثورة من حقهم أن يسقطوا الشرعية القانونية القديمة التي تأسست في عصر السلطوية المستبدة، ويتخذون من الإجراءات الجذرية ما يدفع للتغيير الثوري حتي لو كان ذلك مضاداً للقانون السائد.
أما الشرعية الديمقراطية فهي التي تقوم علي أساس إجراء انتخابات نزيهة وشفافة تعكس القوي السياسية الناجحة التي ستكون - في تعاونها مع قوات سياسية أخري معارضة - المعبرة حقاً عن الإرادة الشعبية.
وأبلغ مثال لهذه الشرعية الديمقراطية علي حساب الشرعية الثورية التي يزعم بعض شباب الثوار أن ميدان التحرير ومظاهراته هي المعبرة عنها، حتي لو خالفت الشرعية الديمقراطية!
والملمح الرابع من ملامح المجتمع الثوري هو إصرار الجماهير علي المشاركة الفعالة في اتخاذ القرار من أول المستوي المركزي حتي أدني مستويات المستوي المحلي، ليس ذلك فقط ولكن الرقابة الفعالة علي تنفيذ القرار.
ويبقي هذه الملمح مطمحاً من مطامح ثورة 25 يناير، ولكن لم يتح له أن يتأسس في شكل مؤسسات سياسية جديدة مستحدثة حتي الآن.
هذه هي الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثوري المصري.
ثانياً
الأوضاع الاجتماعية والثقافية السائدة
الأوضاع الاجتماعية:
نحتاج لرد هذه الأوضاع في الاعتماد علي المؤشرات الكمية المتنوعة التي صاغها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وفقاًللبيانات المتنوعة التي يجمعها، وأهمها علي الإطلاق عدد السكان وتوزيعهم علي مختلف المحافظات من الحضر والريف وميزانية الأسرة وتطوراتها إلي غير ذلك من البيانات الاجتماعية الأساسية.
ودراسة وتحليل هذه المؤشرات بالغة الأهمية لأنها تكون البنية التحتية لأية سياسة ثقافية رشيدة.
يكفي للتدليل علي ذلك تأمل المؤشرات الكمية التالية: 40٪ معدل الأمية بين السكان، 26 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، 16 مليون مواطن يقطنون في العشوائيات. وغني عن البيان أن هذه المؤشرات تشير بوضوح إلي الأسباب العميقة لتدني الوعي الاجتماعي والثقافي مما سمح للتيارات الدينية المتطرفة - سواء في ذلك تيار الإخوان المسلمين أو التيارات السلفية - أن تغزو عقول هؤلاء المواطنين والتي تؤدي إلي نشأة ظواهر التعصب الديني والتطرف، والتي تعد هي الأسباب الكامنة وراء الإرهاب.
وإذا كانت »المؤشرات الكمية« بالغة الأهمية في دراسة الأوضاع الاجتماعية فليست »المؤشرات الكيفية« بأقل أهمية، وفي مقدمتها مقاييس جودة الحياة quality of life التي أصبحت في العلم الاجتماعي المعاصر المقاييس الموضوعية لقياس مدي نجاح برامج التنمية المختلفة.
3- ومما لاشك فيه أن ينبغي الالتفات - في مجال دراسة وتحليل الأوضاع الاجتماعية - إلي الفجوة الطبقية الكبري بين سكان »المنتجعات« الذين يمارسون أساليب للحياة تقوم علي الاستهلاك التفاخري، وسكان »العشوائيات« الذي يعيشون حياة لا تليق بالآدميين، وانعكاس ذلك كله علي السلوك الاجتماعي بأنماطه المختلفة.
ويكفي أن نشير إلي أنه منذ سنوات قدر إجمالي ما ينفق علي التليفون المحمول في السنة الواحدة بستة عشر مليار جنيه.
ومن المؤكد أن هذا الرقم قد زاد في عام 2014 وقد لاحظ علماء الاجتماع أن أسراً متعددة متوسطة أو فقيرة يمتلك أعضاؤها أربعة أو خمسة تليفونات محمولة، مما يشير إلي خطورة ظاهرة التقليد الاجتماعي.
وقد قامت عالمة الاجتماع الدكتورة »مني أباظة« بتأليف كتاب بالغ الأهمية عن أنماط الاستهلاك في المجتمع المصري وقارنت بين الستينيات والتسعينيات مقارنة لافتة للنظر.
الأوضاع الثقافية
أبرز هذا الأوضاع التي استفحلت في الفترة الأخيرة هي شيوع الاتجاهات الدينية المختلفة والمتطرفة ابتداء بأيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية - بالرغم من خوائها الفكري وقصورها السياسي المخزي - وانتهاء بالتيارات السلفية المعادية للحداثة بكل صورها السياسية والاجتماعية والفنية.
ويمكن القول إن شيوع الآراء الدينية المتطرفة إعلان جهير عن فشل المجتمع بسياساته المختلفة بما فيها السياسة الثقافية المصرية، والذي أدي إلي صياغة »عقول مغلقة« لا تصلح للتعامل الفعال مع المجتمع المعاصر ولا في أجواء »العولمة العالمية«.
ولذلك لابد من الحفر المعرفي لتحديد جذور تكوين هذا »العقل التقليدي« والتي تتمثل في ازدواجية التعليم بين تعليم ديني يقوم علي النقل ولا يقوم علي العقل، وتعليم مدني ينهض علي أساس قشور من المعرفة العلمية، تصاغ من خلال عملية، »تلقين« ميكانيكية مما يؤدي إلي خلق »عقل اتباعي« لا يتسم بالإبداع.
وقد ثبت علمياً أن »العقل التقليدي« هو المقدمة الضرورية لنشأة »العقل الإرهابي« الذي يمكن أن يؤدي بصاحبه إلي الهلاك، وخصوصاً في صورة تفجير الإرهابي لنفسه ومصرعه الحتمي، مما يكشف عن خطورة تغلغل الأفكار المتطرفة والتكفيرية في عقول الناس.
وإذا تركنا جانباً أخطر الأوضاع الثقافية السائدة فنحن نواجه بظاهرة تحتاج إلي الدراسة وهي انصراف أجيال الشباب عن القراءة التقليدية، ونعني قراءة الكتب.
وهم يظنون أنهم يقرءون ما يشاءون علي شبكة الانترنت غير أن ذلك فهم سطحي لعملية التكوين الفكري الأساسية للعقل النقدي، والذي لا يمكن أن يتكون إلا بالقراءة التقليدية المتعمقة، وهؤلاء الشباب يظنون وهماً أنهم يستطيعون الحصول من الشبكة علي أية معلومة. غير أنهم لا يعرفون قانوناً معرفياً أساسياً وهو »أن المعلومات لا تكون بذاتها معرفة«!
لأن المعرفة تتطلب عقلاً تحليلا ونقدياً قادراً علي تقييم المعلومات والمفاضلة بين الآراء المتنوعة.
ثالثاً:
التنمية الثقافية الجماهيرية
باعتبارها أساس السياسية الثقافية المقترحة
استقر الرأي بين علماء الاجتماع المعاصرين بعد دراسة وتحليل عديد من تجارب التنمية في العالم علي القصور الشديد لصيغة التنمية من فوق Development From above والتي تعتمد علي الخطط التي يضعها السياسيون والاقتصاديون علي مكاتبهم، بغير أن يولوا أدني اهتمام للمطالب الجماهيرية.
ومن هنا اقترحوا صيغة جديدة هي »التنمية من أسفل« Development From below « التي أطلقنا عليها »التنمية الجماهيرية«.
وقد تم تطبيق هذا المفهوم عملياً في إطار بحث سوسيولوجي بجهاز تنظيم الأسرة في عهد الدكتور »عزيز البنداري« لتنمية مجموعة من القري أبرزها »برج نور الحمص«.
وقد نزل فريق البحث - الذي شارك فيه د.نادر فرجاني ود.عبدالباسط عبدالمعطي والأستاذ السيد يسين والفنان عزالدين نجيب - إلي القري التي اختيرت للدراسة، وأجري مقابلات متعددة ومتعمقة مع الفلاحين وتعرف علي مطالبهم الأساسية، وحدد احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتبين أن أول مهمة ينبغي أن يبدأ بها هي محو الأمية وفق أسلوب جديد غير ما تقوم به الهيئات البيروقراطية الحكومية في هذا المجال. وكلفنا عزالدين نجيب بتأليف كتاب لمحو الأمية في ضوء نظرية عالم الاجتماع الكبير »باولو فريري« الذي أبدع نظرية تعليمية شهيرة عمادها أن التعليم جوهره رفع الوعي الاجتماعي والسياسي للمتعلم.
وتم تنظيم فصول ناجحة لمحو الأمية أقبل عليها الفلاحون والفلاحات، إلا أن مباحث أمن الدولة أدركت أن هذه - في نظرها - محاولة يسارية لرفع وعي الفلاحين، ومن ثم قامت بجمع نسخ الكتاب وأعدمتها وصدر قرار بإيقاف البحث.
والغرض من ذكر هذه التجربة هو إثبات أن تطبيق ما يعرف ب »التنمية الثقافية الجماهيرية« يحتاج إلي إجراء مسوح اجتماعية وثقافية تخترق الكتل المليونية من الأميين والفقراء وسكان العشوائيات لاكتشاف المواهب الكامنة لمن يصلحون - بعد تدريبهم في وزارة الثقافة - موجهين ثقافيين شعبيين بحكم صلتهم العضوية بالجماهير.
ويتصور أن هذه المسوح الاجتماعية والثقافية عليها أن تعتمد علي »قصور الثقافة« كمحور للبحث والتقصي، والمفروض أن قصور الثقافة المنتشرة في البلاد تقوم بأنشطة متعددة تستطيع من خلالها - وفق خطة منهجية محكمة وبعد تحديد المواصفات الضرورية - أن تكتشف هذه المواهب تخضع من بعد لبرامج تدريبية مدروسة.
غير أن التنمية الثقافية الجماهيرية - أهم من ذلك - عليها أن تهتم باكتشاف كيف يبدع المجتمع المصري ثقافته في الريف والحضر؟
لأن هناك وهم مؤداه أن وزارة الثقافة هي التي تبدع الثقافة! وليس هذا صحيحاً علي الإطلاق. لابد أن نفهم كيف يشبع المصريون حاجتهم الروحية ولماذا ينضمون إلي
الطرق الصوفية وكيف يبدعون فنونهم الشعبية. هذه معرفة ضرورية حتي يتاح لنا أن نصوغ سياسة ثقافية رشيدة.
فموضوع التنمية الثقافية الجماهيرية يحتاج إلي دراسات وتحليلات أعمق.
رابعاً:
الأهداف الأساسية للسياسة الثقافية
لابد من أن نحدد تحديداً واضحاً الأهداف الأساسية التي تهدف إلي تحقيقها السياسة الثقافية الجديدة.
وفي مقدمة هذه الأهداف:
1- تكوين العقل النقدي: يتطلب ذلك في الواقع ثورة تعليمية شاملة تحاول إلغاء عملية التعليم التلقينية السائدة والتي تصوغ عقولاً اتباعية عاجزة عن الإبداع، ولاتستطيع أن تحل المشكلات بحلول مبتكرة.
غير أنه بالإضافة إلي الثورة التعليمية المرجوة ينبغي علي وزارة الثقافة - في سلاسل الكتب المختلفة التي تنشرها - التركيز الشديد في مجال الكتب المؤلفة والمترجمة علي فئات الكتب التي تحض علي التفكير والمساءلة في مختلف فروع المعرفة، وسواء ذلك في العلوم الطبيعية أو الاجتماعية أو الإنسانيات.
وفي هذا المجال لابد من الاهتمام بالمراجع الأساسية في حقول ثلاثة:
- تاريخ العلم.
- فلسفة العلم.
- سوسيولوجيا العلم.
وقد سبق للمركز القومي للترجمة أن ترجم كتباً مهمة في هذه الحقول، غير أنه مطلوب إعداد خطة شاملة.
2- نشر ثقافة التجدد المعرفي الدائم، وذلك في ضوء المسلمة السائدة الآن في العالم وهي أهمية «التعليم مدي الحياة»، بعبارة أخري التقاليد البالية التي تقضي بنهاية التعليم مع الحصول علي الشهادة - أيا كان نوعها - انتهت في العالم المتقدم.
وأصبحت هناك مسئولية ثقافية علي عاتق الرواد في المجتمع من الأكاديميين والساسة والمثقفين والمفكرين وهي التجدد المعرفي الدائم.
وذلك لأن عصر العولمة بما أنطوي عليه من استحداث شبكات التواصل الاجتماعي وفي مقدمتها شبكة الإنترنت، قد أدت إلي انفجار المعرفة في كل الميادين، وأهم من ذلك سهولة الحصول علي المعرفة الجديدة لحظة تبلورها.
وذلك يفرض مسئولية كبري علي المجتمع المعاصر لكي يساعد أفراده من مختلف الطبقات علي أن يتفاعلوا مع المعرفة المتجددة.
3- تجسير الفجوة بين التعليم الديني والتعليم المدني: لأن التعليم الديني في مصر يقوم علي النقل ولايقوم علي العقل، والتعليم المدني يقوم علي التلقين وحفظ قشور المعرفة العلمية.
لابد للقضاء علي ظاهرة الانفصام الثقافي الخطيرة أن تجدد في برامج التعليم الديني من ناحية، وأن نعيد النظر كلية في مناهج التعليم المدني بما ينفق مع تطورات العالم المعاصر.
4- تتردد كثيراً هذه الأيام الدعوة لإنتاج «خطاب إسلامي وسطي»: حيث يقوم الأزهر بمكانته الحالية بالدور الأكبر في هذه العملية الضرورية والمهمة.
غير أن هناك رؤية ثقافية مغايرة لهذا المطلب البالغ الأهمية.
وجوهر هذه الرؤية أن ترك المجال للمتخصصين في الدين للقيام بعملية التجديد قد لاتكون مجدية بحكم تطبيقهم بالضرورة لقواعد معرفية موروثة في مجال التفسير والتأويل قد تعوقهم عن تخطي الحدود الجامدة للمعرفة الدينية السائدة.
وينبغي أن نلتفت إلي حقيقة مهمة هي أنه لاكهانة في الإسلام. وتقتضي هذه القاعدة ألا تترك عملية التفسير والتأويل لمن يتخصصون في الدين فقط، بل ينبغي أن تفتح لكافة المفكرين المؤهلين للدخول في عملية تجديد الفكر الإسلامي بما يلائم حاجات العصر، وخصوصاً إذا كانوا قد درسوا بعمق «أصول الفقه» والتي يمكن اعتبارها هي مناهج البحث الإسلامي.
ومن الحقائق المعروفة أن علم «أصول الفقه» يدرس في كل كليات الحقوق في مصر، وقد ألف فيه أساتذة فضلاء في مقدمتهم أستاذنا الشيخ «أبوزهرة» والشيخ «عمر عبدالله» والشيخ «خلاف» وأخيراً الشيخ «علي جمعة».
ومن هنا يمكن القول إن لدينا قاعدة عريضة من الحقوقيين الدارسين بأصول الفقه مما يسمح لهم بالاجتهاد الفكري - وفق خطة مدروسة - في مجال تجديد الفكر الديني وربما كانت كتب المستشار «سيد العشماوي» نماذج ساطعة علي أهمية الاجتهادات القادمة من خارج المؤسسات الدينية التعليمية.
5- تغير الاتجاهات المتطرفة: هناك في علم النفس الاجتماعي مبحث خاص عن مناهج وطرق تغيير الاتجاهات السلبية، ويندرج تحت هذا الموضوع تغيير اتجاهات التعصب والتطرف والنزوع إلي الارهاب.
ونحتاج في هذا المجال إلي نشر سلسلة كاملة من الكتب في هذا المجال، بالإضافة إلي ابتداع وسائل متعددة في مجال الندوات الفكرية والبرامج التليفزيونية سعياً وراء تحقيق هذا التغيير.
6- تجديد القيم المصرية: من الملاحظات المهمة فيما يتعلق بالتغيرات الكبري التي حدثت في مصر للمجتمع بعد ثورة 25 يناير ظهور أزمة حادة في مجال القيم، وهذه الأزمة سبق لعلم الاجتماع العالمي أن درسها وأطلق عليها ظاهرة ال anomie أو اختلال القيم، بمعني عجز أفراد المجتمع عن التمييز بين السلوك المشروع والسلوك غير المشروع.
وهذه الأزمة لها مؤشرات متعددة، لعل أهمها الخلط بين الثورة والفوضي، وهو ما أدي إلي صدامات دامية بين فئات من النشطاء السياسيين مع قوات الأمن، سقط فيها عشرات الشهداء ومئات المصابين.
ولعل جذر هذا الموضوع هو ما أشير إليه من قبل في القراءة التحليلية لخريطة المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير من الخلط بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية، أو بين شرعية الميدان وشرعية البرلمان!
وتبدو الأزمة في أن ائتلافات شبابية متعددة تريد أن تواصل المظاهرات في أي وقت احتجاجاً علي أي وضع لا ترضاه، بزعم أن شرعية الميدان ينبغي أن تبقي قائمة إلي الأبد مهما كانت الأوضاع الدستورية قد استقرت.
ومن مظاهر أزمة القيم أيضاً نسف التراتبية الاجتماعية Soclal Stretification بمعني عدم الاعتراف بالمديرين والرؤساء وشرعية الانقلاب عليهم ومحاصرتهم في مكاتبهم والدعوة إلي فصلهم أو تغييرهم، بعبارة مختصرة عدم الاعتراف بالمكانات الإدارية والاجتماعية بزعم أن هذه من أخلاقيات الماضي.
ومن المظاهر الحادة للأزمة محاولة نفي الأجيال القديمة باعتبار أن أوانها قد انقضي، ولعل شعار «تسقط دولة العواجيز» تعبر عن هذا الاتجاه خير تعبير.
ومعني ذلك أن النشطاء السياسيين - ربما بغير وعي منهم يدعون إلي صراع مفتوح بين الأجيال بدلاً من أن يقيموا حواراً فعالاً بين الأجيال تنقل فيه الخبرة بهدوء وسلاسة من الأجيال القديمة إلي الأجيال الشابة.
وأزمة القيم تدعو إلي أن يكون «تجديد القيم المصرية» هدفاً أساسياً من أهداف السياسة الثقافية.
وفي هذا المجال لابد من التركيز علي «مدنية الدولة» في ضوء برنامج متكامل يهدف إلي تأصيل الثقافة السياسية Political cithure، وفي هذا المجال المهم ينبغي التركيز علي ترسيخ قواعد الحوار الديمقراطي واحترام الاختلاف في ضوء احترام مبدأ التعددية.
وذلك بالإضافة إلي إعلاء قيمة النقد الذاتي ونشر الكتب المهمة في هذا المجال وسواء في ذلك النقد الذاتي الذي قام به مفكرون أو النقد الذاتي للمؤسسات (الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني).
والاهتمام بترسيخ قاعدة الإنفتاح النقدي علي العالم بتياراته السياسية والاقتصادية والثقافية والمعرفية.
ونحتاج إلي تجسير الفجوة بين النظر والعمل كقيمة عليا، بمعني ضرورة التفاعل مع الشارع والنزول إلي مستوي القواعد الجماهيرية.
ومن ناحية أخري لابد من التركيز علي نشر ثقافة التطوع وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وخصوصاً تلك التي تقوم بأدوار تنموية وثقافية.
7- السياسة الثقافية في عصر العولمة: أهمية نشر ثقافة المعلوماتية وفهم قوانين ووسائل التفاعل الاجتماعي والثقافي في شبكة الانترنت، والاهتمام بتحليل تراث المدونات، والتحليل النقدي لوسائل التواصل الاجتماعي لمعرفة اتجاهات الشباب ورؤاهم للعالم (الفيس بوك والتويتر).
وفي هذا المجال - ولأننا نعيش في عصر الصورة - لابد من استخدامها كوسيلة أساسية للتثقيف والتنوير (أفلام وثائقية وتسجيلية وحية) ويمكن القول إن «المواقع الإلكترونية الإخبارية والثقافية أصبحت وسيلة زائعة للتواصل، ويقبل عليها الشباب، ومن هنا أهمية أن تكون لهيئات وزارة الثقافة المختلفة مواقع إلكترونية متعددة واستخدامها في نشر الثقافة ومتابعة تطوراتها وأخبارها.
خامسا:
برامج ثقافية أساسية
1- إحياء الذاكرة التاريخية المصرية (الحقبة الفرعونية والحقبة القبطية والحقبة الإسلامية).
وذلك من خلال سلاسل مدروسة من الكتب والأفلام.
2- إحياء الذاكرة الثقافية العربية.
وذلك من خلال سلاسل خاصة تعيد نشر إبداعات النهضة العربية الأولي والنهضة المصرية الليبرالية ابتداء من «رفاعة الطهطاوي» و "محمد عبده"، وصولا إلي أهم رموز الفكر الليبرالي الحديث مثل «أحمد لطفي السيد» وطه حسين وسلامة موسي وغيرهم.
3- رسم خريطة معرفية متكاملة للفكر العربي الحديث والمعاصر يرصد بصورة نقدية التيارات الإسلامية التجديدية والتيارات الليبرالية والتيارات اليسارية علي مستوي الدراسات النقدية الكلية وعلي مستوي الشخصيات البارزة.
وفي هذا المجال يقترح أن تتبني وزارة الثقافة إعادة طبع كتاب الدكتور حسن حنفي وعنوانه "حوار الأجيال"، لأنه من أهم الكتب النقدية التي صدرت عن تاريخ الفكر المصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.