بينما أنا راقدة علي الكرسي الأحمر الكبير المتسع أتأمل زهو ستائري ونظافة غرفة المعيشة والأثاث البراق الذي لم يكسوه التراب بعد وأنظر إلي شاشة الإل سي دي العملاقة الذي دفع زوجي فيها مبلغاً كبيراً لنتفاخر بكوننا الأكثر استهلاكية بين كل الجيران وأدير وجهي لأتأمل مكتبتي الكبيرة وأحاول تذكر عدد السراويل الجينز والأحذية والحقائب الملونة التي تنازلت عن شرائها لامتلك مثل هذه المكتبة. انتبهت إلي أني أمتلك صناديق من الكتب المرصوصة تحت السرير وأن المكتبة أصبحت لا تكفي كل مخزون الكتب فأصبحت أختار بشكل عنصري، أسمح لأصحاب الأغلفة اللامعة والكعوب الفاخرة فقط بالظهور أما الباقون أكومهم دون اهتمام حتي أن كل كتب هيكل كانت في المقدمة وروايتي الغالية سمكة من ذهب ملقاة في الخلف دون اهتمام لأن أوراقها صفراء وغلافها ممزق. أنا قلقة ؟لماذا .. ليس هناك ما يقلق ..الشارع مزدحم بالعابرين والنجار الأخرس يدق علي رأس الكرسي المسكين ..جارتنا السوقية ترفع صوت الراديو وكلما فكرت أن أستأذنها في خفض الصوت أتذكر أنها كسرت ذراع حارس المنزل ومن وقتها وهي لا تناديه الا ب (يا خ ..)..أقنع نفسي بأنني يوما ما سأتجرأ وأقول لها "لو سمحتي من فضلك بعد إذنك وطي الراديو شوية لو مكانش يضايقك". الصبغة الحمراء نجحت تماما في القضاء علي الشعيرات البيضاء في مقدمة رأسي .. لكنها ستزول بعد أسابيع تاركة الشعيرات البيضاء أكثر من مجرد شعيرات .. ابنتي الكبري حصلت علي جيد جداً في الرياضيات ..وحصلت علي ممتاز في اللغة العربية ..أنا أيضا كنت أحصل علي ممتاز في اللغة العربية وها أنا إلي الآن لا اعرف متي ينتهي الجمع بواو ونون ومتي ينتهي بياء ونون. ....الستائر نظيفة لكنها غير متماثلة الأجناب ..الحذاء البني نظيف ..أزلت منه كل أوحال المطر، لكن طرف الرباط الرفيع لا يزال عالقا به كتلة صغيرة من الطين .. دولاب الأحذية بحاجة للتنظيف والسجادة الصغيرة بجوار الباب بحاجه للغسيل ..ونسخة ( الوندوز) تحتاج للتحديث ...البطاطين في منزلنا غير كافية في هذا الشتاء البارد .. ..أنا لست قلقة ..أنا فقط جائعة ..ليس أكثر من قطعة كبيرة من البسبوسة بالقشطة وطبق ملئ ببلح الشام وبار كبير من الشوكولاته السوداء لأصبح أفضل. رنين الهاتف المزعج يربكني أضغط pause بسرعة حتي لا يفوتني الجزء المفضل من الأغنية. المتصلة تخبرني أنها جاءت بالسلامة وانها افتقدتني كثيرا. أزم شفتي زما وأحاول طي لساني بداخل فمي حتي لا أقول لها إنني لا أهتم وأنني قد كففت منذ زمن عن افتقاد الآخرين. ومزقت كل أجندات الذكريات وانتهيت من كل الأوراق النقدية المتخمة بعبارات الصداقة والذكري والشجن. أقول لها (وانتي كمان جدا) وأنهي المكالمة سريعا لأعود لصوت ليونارد كوهين الذي يشبه النحيب وهو يردد: And am sick of pretending Am broken from bending Ive lived to gong on my knees ألتقط الهاتف المحمول وأزيل كل الأرقام التي لا أرغب في محادثة أصحابها. أقذف كل أدوات الماكياج الردئ من النافذة. أمزق كل حمالات الصدر التي تقيد ما خلقه الله حرا وأهمس لقلبي بمكر " نعم نعم ..أعلم أنك قلب متحجر تشبه عقلا عمليا لجراح يوزع المهام ببرود بين مساعديه..قلب قاس يشق قلوب محبيه ببساطة وبقليل جدا من الحرص الذي يشبه حرصي وأنا أرتشف القهوة الساخنة "