1 الفضاء الذي لا يجيد القراءةّ لا يَحْتفي بالنجومِ ولا يهب العازفين مقاعِدَ في الليلِ تطفو بهم الهواء ثقيل هنا والغبارُ أميرٌ والسراب تماثيل للماءِ تعدو وتكْبو وأنا لم أجيء من هناك لكي أتثاءبَ في الركنِ أو خلف سورٍ مثل قطٍ عجوزٍ وكي أحتفي بالسرابِ وأزهو بماءٍ تَبَخَّرَ أو صار ظِلاً لا تقُل في الفلاةِ تموت الجهاتُ ويغدو الصدي وطناً والعمي صاحِباً والوراءُ .. أماماً لا تقُل للجليد عَماهُ وللرمل أيضاً عَميً لم أجيء قلتُ كي أتَسَلّي بتَلوين شَعري أو بحَبْس طيوري ومنح الذين يلُفّونَني بابتساماتهم أُفقاً يطيرون فيه وأسماءَ من زَلزلوا وأضاءوا ومن كالغيوم مضوا ومن كالأعاصير جاءوا ومن فازت الكلماتُ بهم وطاروا بها لا تقُل جئتَ كي تستريحَ هنا وتصبحَ كالنيل رَفّاً ترُصُّ عليه المدينةُ في الليل أشباحها أو رصيفاً عليه يَخُطّ المشاةُ بأقدامهم قصصاً عن متاهاتهم أو قصائدَ لا يَقْفز البرقُ منها ولا يلمع الماءُ فيها أتيتُ لكي أسرق النارَ من ذاتها وأدورَ بها صاعداً في المرايا ومُنْحدراً صخرتي فوق ظهري ومائي بعيدٌ هل الماءُ لا شكلَ لهْ ؟ أم هو الشكلُ ترحل أضْدادُهُ فيهِ حين يشق البراري وحين يطيرُ ... ويغدو بحوراً مُعَلقَةً في الفضاءِ وحين يحُط هنا كسماءٍ علي سُلَّم العائلةْ ؟ 2 لم ألوِّث بالأكاذيب ماء النهرْ ولم أُجَوِّع كلبي لكي يَتْبعَني ولم أحْبِس امرأةً في عُلبةٍ أو ورقة ولم أكن جاراً سيّئاً للشجرْ لكنَّني لم أكن مُسلحاً كالملاكِ بالطاعة ولا باطِشاً كالباشا ولا قادراً كالهواءْ لكي أطاردَ الغبار وأحاصر الفوضي وأساعدَ الطيورَ علي تَذَكّر الغناءْ. 3 لا تقُلْ كنتَ تكذبُ حين اقتحمتَ الفضاءَ بطيّارةٍ من وَرَقْ وحين رسمت النساءَ براكينَ والحُبَّ حرباً وحين اقتلعتَ سليمانَ من غَفْوةٍ وبلقيسَ من صَرْحها والهداهِدَ من زُرْقَةٍ وعشوشٍ مبعثرةٍ في الأفقْ لم أجيء من هناك لأضحك وحدي كبئرٍ هنا وكي أتذكّرَ من أقْلعوا ومن بايعوا الكرْكدَنَّ ومن صارعوا كائنات الهواءِ ومن أدمنوا السيرَ مثل الجنودِ بأحذيةٍ من حديدٍ واختراعَ الزوابع والركضَ مثل العمي جئت أبحث عن جَنّةٍ عرضُها الكلماتُ سلالمها الماءُ والنارُ والهذيانُ وأبوابها لا تُري ربما كنت كالنهر أخطو بلا موكبٍ .. أو عصا ربما كان لي ظِلُّ قطٍ أو خريرُ غدير وصمتُ جماميزَ فازَتْ عندما نبتت في الحقول المقاهي بحق اللجوء إلي دَفْتري رُبّما ظنَّني البعضُ باصاً أو جداراً يجوب المدينة في الليلِ كي يتسَلّي أو يلُمَّ الحصي في المدينة لا يغسلون المرايا وينْسون أعينهم في الفتارينِ أو في الصحاري لا تقُلْ من حروب المرايا تسلّلت ذات ضُحيً لتُلْجمَ عصفاً وتَحْبِسَ ريحاً وتغْفو علي شاطيء البحر مُنْتَظراً كالصخور قواربَ تَدْنو مُحَمّلةً بالمحارِ وحوتاً أليفاً لا تقُلْ أصبح البحرُ ضيفاً لأن الدكاكينَ بالموج لا تَحْتَفي الأعاصيرُ كانت .. وظلّتْ ضيوفاً ولكنها بدَّلتْ ومَحَتْ وأنا لم أجيء من هناك فقط كي أشيخَ وأختصِرَ البحرَ في زُرْقةٍ أو ظلالٍ أتيتُ لكي آخذ البحرَ من ثوبهِ ولكي أصْطفيهِ وأرْكضَ فيهِ وأعطيه وجهي وجَمْري ومائي هل النارُ كالماءِ تُحيي وتُرْدي ؟ رأيتهما في الخَفاء يهُدّان سجناً ويَحْتَفلانِ رأيتهما يَسْجنانِ ويَتَّفِقان علي الحَرْقِ والخَنْقِ تعرف أن الشتاءَ له وجهُ بحرٍ وللصيف نارٌ يطوفُ بها ويُخيفُ وتعرف أن الربيعَ هنا والخريفَ يُطِلانِ .. أو يَحْبُوَان فقط في القصائدِ هل جئتَ مثلي لكي تأسِرَ البحرَ أو تسْرقَ النارَ من ذاتِها ؟ من "كتاب الماء والمرايا"