شمعة جالس علي تلك المنضدة ... صامت أمامها شارد بفكره تارة ويتأملها تارة أخري .... تجرأ ولاعبت أظافره جسدها النحيف لكنها مالبثت أن لسعته بدموعها .... سحب يده بسرعة وعاد لشروده. لم ينتبه إلا علي صوت تلاطم الزجاج بجانبه ودخول تيارات الهواء الباردة ... لم يعد يراها تحسس جيبه ليخرج علبة الثقاب ..... وجدها فارغة .. تمرد بصوت مدو أغلق الباب خلفه وتركها كأرنبة مذعورة تضع يديها علي أذنيها ... بخطي بطيئة تقدمت ... امسكت مقبض الباب بيد واليد الأخري في استعداد .... طرقت طرقة واحدة .... تقدمت نحوه ثم وضعت يدها علي كتفه ... قبل أن تلفظ بكلمه واحدة فرت هاربة من أمامه . بأنين متقطع خرج صوت بكائها قليلاً ... قليلاً .... أكثر فكثر . هربت بمخيلتها لتري الشاب الوسيم الذي تعرفت عليه في ندوة أدبية. تطورت العلاقة إلي الزواج ... هي أول من يعرض أعماله عليها تتردد في البوح برأيها حين تخبره يصيح في وجهها... داخلاً حجرته ثائراً يغلق الباب بصوت مدو يتركها كأرنبة مذعورة ينتظر أن تأتيه معتذرة ... يباغتها بقوله " أنتي أيه فهمك في الأدب ". من هنا جعلها تقلع عن هوايتها الوحيدة .... تنهدت وكفكفت دموعها ... أمسكت القلم .... سطرت أول قصة بعد زواجها ... سمعته يعوي كثعلب فقد مكره ، أغلقت باب حجرتها بقوة . زاد عواؤه لم تجب .. لا مبالاة سرنا صامتين ... أقترب منزلي دخل معي ، جلس جلسته المعتاده علي نفس الأريكة .. جلست أمامه علي نفس المقعد، .... تركنا الدموع تتحدث .... أنصرف بابتسامته الدائمة ودمو عي ال.... أغلقت الباب ... دخلت المطبخ أحضرت صينية وضعت عليها أطباق صغيرة... ملعقة واحدة .... احضرت كوبا لأفرغ شايا ... سقطت مني... أحضرت آخر ... سقط ... ثالث.... رابع شربت الشاي "طعمه لذيذ" أمسك الفنجان بيدي اليمني وورقة في الأخري اقرأ فيها. عينايا تبحثان عن كلمة محددة... وجدتها .... أسقطت الورقة من يدي وضعت الفنجان.... مشيت مختالة في حجرتي استعرض دولاب ملابسي.... مكتبتي الصغيرة.... ألبوم الصور.... خطابات.... وقفت ذاهلة.... عيني حمراء ملتهبة.... شعري اشعث... وعباءتي الريفية متسخة... انتهيت من تزيين نفسي.... جلست علي مكتبي.... بدأت بفتح أول كتاب أمامي.... طرقات علي الباب .. لم أفتح.... زادت... لم استجب .. "عيد ميلاد" كان يوما ,جلسنا فيه ثلاثتنا علي مقعد حجري قديم بجوار شجرة عجوزصديقة اعتدنا الجلوس بجانبها ونستنشق نسمات الهواء النقي عندما تتحرك أغصانها المحملة بأوراق كثيفة في يوم ربيعي هاديء فتخفف من شرودنا الناتج عن لمس المناطق المحظورة من ذكرياتنا التي تبدأ دائما بالتبسم ,الضحك, القهقهة ثم الصمت بعيون تملؤها الدموع التي تحاول كل منا إخفاءها حتي لا يتحول يومنا الي كآبة كما قالت مروة الجالسة علي يميني - يعني اليوم إليّ بشوفكم فيه تخلوه نكد.............. هيه ناقصه، فين التورته يابنتي؟ مروة متزوجة منذ كانت قريناتها لايزلن يلعبن أمام بيتها والأمسيات الوردية تلمع في أعينهن . تجمعنا في هذا اليوم تحديدا لأنه كان عيد ميلادي الذي لا يتذكره غيرهن وهو من الأشياء النادرة التي لا يسمحا للنسيان أن يمر عليها. أغيب عنهما عاما كاملا ويكون دائما بي شوق وحنين لهن حيث تشاركنا تفاصيل كثيرة ومرت سنون ,تعارفنا في الجامعة درسنا نفس التخصص.........لكن لم يستمر غيري . صاحبتي مروة أنجبت بنتا لاتشبهها تحملها معها دائما فهي تقطن بالقاهرة بعيدا عن والدتها الريفية فلا تستطيع ترك ابنتها لأحد لتستمتع بلحظات من الحرية معنا كما تقول . أرضعتها أمامي بلا خجل علي غير عاداتها القديمة وقالت إنها نسيت كل شيء وأن الحب يريد أرضا وهو لايملك غير شاربه الذي يتفنن في تشذيبه أمام المرآة بالساعات ... تعطيها نانا قطعة التورته - كلي يا مروه واسكتي نانا علي العكس من مروة مرحة و أهم مايميزها عينان براقتان من الصعب تجاوزهما رغم أن السر- كما كان يقال- يكمن في طولها الفارع وقوامها النحيل .كانت بنتا لاتملك سوي شخبطة العالم في كراستها وأنوثتها الطاغية تظهر بجلاء في تأنقها الدائم وألوان ملابسها الجذابة والتفنن في رسم تقسيمات الوجه والشفاه بألوان الموضة.....لكنها طالما ودت أن تنعم بدفء رجل يحتضنها ,ولم تكره سوي جملة أن جمالها ظلمها وأنها عانس أو أنه بعد سنوات من الغربة قضت معظمها في العلاج.... تركها ووجد أن ما يغنيه عن حضنها :رغبته الصادقة في الهروب من لعنتها. أعطتني نانا قطعة تورته وهي تسألني عن زميل تقدم لخطبتي ورفضت ودون انتظار قلت لها إن الدكتور كان مخطئا عندما قال بحس رقيق في المحاضرة اصطنعوا النور الأنثوي اصطناعا ... وقعت قطعة التورتة ..لكننا ضحكنا طويلا....... " التعبان" جالسة في يدي تلك الجريدة .... أقرأ ... تتسلل بخفة شديدة .... بهدوء وضعت رأسها علي ساقي ... بعد صمت طويل. ماما أحكيلي حدوته تركت الجريدة .... بذهن شارد .... استحضر أحدي الحواديت التي تحبها ... احتضنتها بشدة. كان يا ما كان لأ ........... ما كنش ولا حايكون طفلة في عمر الزهور بتحلم ببيت صغير بجنينة واسعة... بتجري... بتلعب ... بتتنطط.... لابسه فستان مليان ورد... بتحب الشجرة العجوز... تقعد تحتها والشجرة فوقها حمامة بيضا في عشها زغاليل... كل يوم تفرد جناحاتها وتطير عشان ولادها تجيب الأكل. في يوم طلع التعبان اللعين ... أكل الزغاليل جرت الحمامة ما جرت، .... صرخت الحمامة ما صرخت... بكت الحمامة .................... ما بكت. كانت وحدها .... قالت وحدي انتقم من التعبان نفشت ريشها ... تقرب منه ... يقرب منها ... تطير ماسكه بالحجر ... تحدف بيه التعبان اللي اتعور ودمه سال لكنه لعين ... قدر يطولها .... ضاعت الحمامة لما مص اللعين دمها .................... !!! - لأ .. يا ماما الحدوته مش كده - ابتسمت وعدت لشرودي ثانية !