خضىر البورسعىدى الخط أصل الروح له جسدانية في سائر الأعمال..هكذا يؤسس الناقد والمفكر المعتزلي العربي القديم "ابراهيم بن هاني النظّام " ، لروحانية بصرية تتجلي حين رؤية العين للخط العربي، مهما كان اختلاف ثقافة تلك العين، عن ثقافة أهل الخط أنفسهم ولا تزيّد إن قلنا؛ إن الخط العربي بامتداداته ولانهائية حروفه التي أصلها النقطة، حالة من حالات التهجد و المناجاة عبر التشكيل، و ليس غريبا في هذا الإطار أن يقول الرسام العالمي الإسباني الأصل بابلو بيكاسو؛ عن الخط العربي "إن أقصي نقطة أردت الوصول إليها في الامتداد بالروح و العين معا من خلال فن الرسم، سبقني إليها الخط العربي " عشقي و غيري من الكثيرين للخط العربي، وتأمله كحالة روحانية مبهجة، جاء علي يد بضعة أشخاص بعضهم التقيته و بعضهم لم يسعدني لقاؤه، أول هؤلاء، هما رجلان او ثلاثة ممن كانت تكتب اسماؤهم علي كراسة الخط العربي لتلاميذ المرحلة الابتدائية في الستينيات و السبعينيات، ومنهم الخطاط الأشهر محمد إبراهيم، أما من دخلوا بي الي عالم الخط العربي و خاصة " الثُّلث " منه فكان أولهم المرحوم الفنان التشكيلي جودة خليفة او عم جودة كما كنا نحب مناداته، فكثيرا ماكان يتجول بنا في شوارع و أزقة القاهرة القديمة، ليتوقف بنا امام يافطة باسم شارع أهملتها أيدي اللصوص، و يقول " بص يابابا بص الخط الثلث الجميل وسط المينا الزرقا"، وما ان نجلس علي أقرب مقهي من اختياره هو بالطبع، يبدأ في شرح الفروق بين انواع الخطوط المختلفة، و يبدأها بالهيروغليفي ، قائلا: ده أساسًا خط مقدس وليس لغة ، والثلث لا يقل عنه بل يزيد بهاءً وجمالا لأننا نعرفه"، أما ثاني الرجال الذين رسخوا في الروح عمليا عشق الخط العربي؛ كان الصديق الراحل فنان الخط العربي حامد العويضي، الذي كثيرا ما عايشناه ( كاتب هذه السطور و الصديق محمد الجبيلي) بالساعات في مرسمه بمركز الأهرام للدراسات السياسية و الاستراتيجية، و ليس هناك وصف لما كنت أراه من إنجازه لقصائد امل دنقل بالخط العربي الديواني و الثلث و غيرهما، سوي أنها المتعة التي لا تتكرر كثيرا. منذ أسبوعين مضيا، قادتني ظروف العمل بصحيفة " أخبار الحوادث" للسفر الي محافظة سوهاج، ولأنه كما يقولون "يموت الزمّار وأصابعه تلعب"، وجدت نفسي منساقا للذهاب الي قصر ثقافة سوهاج، وهناك كأن الله أراد مكافأتي بفسحة روحية وسط ركام الحوادث و القضايا، وجدت لافتة قماشية مكتوب عليها معرض رحالة للخط العربي بسوهاج، وورشة يحاضر فيها نقيب الخطاطين ورئيس الجمعية المصرية العامة للخط العربي الفنان الكبير خضير البورسعيدي، دخلت الي القاعة، وعرفت انها الساعات الأخيرة للمعرض، تجولت بعيني ومعي كاميرا الموبايل وسجلت هذه اللحظات من المتعة البصرية و الروحية، ومايزيد من سعادة المرء هو ماتراه أن جُلّ انتاج المعرض من لوحات الخط العربي كانت لشباب و شابات، و مايلفت في معرض حروف "رحالة" بسوهاج، أن بعضهم اتخذ من التشكيل الحروفي و الكلامي منهجا، بحيث طغت حالة التشكيل علي ترنيمات الحرف في تنوعاته وضم المعرض لوحات لنخبة من فناني الخط العربي منهم: أحمد شركس، أنور الفوال، أحمد القشيري، إسماعيل عبده، خالد أبوحرشة، حسني أحمد، رضا الأنور، عادل جمعة، عبدالوهاب رضوان، علاء القاضي، فوزي جلهوم، محمد عبداللطيف، محمد صلاح، محمد رمضان، محمد عبدالحي، مصطفي عمري، مصطفي الشيخ، محمود جمال، نبيهه الرفاعي، هاني صيرة، وليد المنشاوي، محمد العربي.