بالأغاني الوطنية والأعلام.. جنوب سيناء تحتفل بالذكرى ال 51 لانتصارات أكتوبر –صور    بأعلام مصر والزي العسكري.. تلاميذ المدارس يحتفلون بانتصارات أكتوبر في بورسعيد -صور    18 جنيها لكيلو البطاطس.. أسعار الخضراوات والفاكهة في سوق العبور اليوم الأحد    بمناسبة نصر أكتوبر.. فتح جميع حدائق القاهرة بالمجان اليوم    تجدد الاشتباكات العنيفة شمال غزة بين المقاومة وقوات الاحتلال    شوقي غريب يكشف كواليس فشل مفاوضاته مع الإسماعيلي لتدريب الفريق    "الزمالك فاوضنا عن طريق هذا الشخص".. وكيل بلعيد يفجر مفاجأة    عمار حمدي يتحدث عن.. مغادرة الأهلي.. أداء إمام عاشور وحب جماهير الزمالك    إصابة طالب برش خرطوش في مشاجرة بسوهاج    "مزمار الشيطان في بيت رسول الله".. رمضان عبد المعز يوضح: ماذا رد النبي يوم النصر؟    «الإسكان»: إعادة فتح باب التقدم لاستيفاء طلبات تقنين الأوضاع في صحراء الأهرام    البنوك إجازة اليوم بمناسبة ذكرى نصر 6 أكتوبر    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقى السفير السويدي وكبرى الشركات السويدية لدى مصر    أكرم القصاص: كلمة الرئيس السيسى خلال ذكرى نصر أكتوبر تحمل رسائل مهمة    مصر تعلق على دعوة الرئيس الفرنسي لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل    اكتشاف كبير.. اثنان من القتلة شاركا في تدمير الحياة قبل 66 مليون سنة    ميقاتي يشيد بدعوة الرئيس الفرنسي إلى الكف عن تسليم الأسلحة لإسرائيل    منظومة التعليم العالي تشهد تقدمًا غير مسبوق بسيناء بدعم من القيادة السياسية    في ذكري النصر .. تعرف علي استعدادات القوات المصرية لسحق جيش الاحتلال فى أكتوبر 1973    أسعار السلع التموينية اليوم الأحد 6-10-2024 في محافظة الدقهلية    تشاهدون اليوم.. مواجهات قوية للمحترفين في الدوريات الأوروبية    "يصعب موقفه".. قرار صارم من حسين لبيب بشأن تجديد عقد زيزو    بمشاركة طارق شوقي.. تكني الإسكندرية تناقش بناء نظام تعليمي مرن    سحب منخفضة شمالًا.. الأرصاد تعلن توقعات حالة الطقس اليوم    مصرع 3 عناصر شديدة الخطورة عقب تبادل إطلاق النيران مع الشرطة في قنا    طرح أغنية "جيش وشعب" ل ريهام عبدالحكيم احتفالا بذكرى انتصارات أكتوبر    القاهرة الإخبارية: صفارات الإنذار تدوى فى مستوطنات شمال غلاف غزة    تجمع نجوم الفن.. 10 صور جديدة من حفل زفاف ابنة علاء مرسي    ابنة شقيق جورج قرداحي تكشف حقيقة مقتله في غارة إسرائيلية على بيروت    «مياه الشرقية» تنظم ندوة لخطباء وأئمة المساجد للتوعية بترشيد الاستهلاك    متصلة: خطيبي بيغير من الشحات في الشارع؟.. وأمين الفتوى يرد    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية كوم أشفين في قليوب ضمن مبادرة «أنت الحياة»    «الدواء» تحذر من عقاقير غير مطابقة للمواصفات.. بينها واحدا لعلاج نزلات البرد    أطعمة تخلصك من حموضة المعدة.. تعرف عليها    تحرير 112 محضرًا تموينيًا بمركزي القوصية والبداري بأسيوط    تفاصيل تفعيل دور صندوق الرعاية الاجتماعية للمعلمين    اللواء المنصوري.. أطلق عليه الإسرائيليون «الطيار المجنون»    دور الأهلى والزمالك فى مباراة الكرامة بذكرى نصر أكتوبر    البالون الطائر يحلق بصور الرئيس السيسي للاحتفال بالذكرى 51 لنصر أكتوبر غرب الأقصر    مفتي الجمهورية: الرفق والحكمة أساس الفتوى.. وملتزمون بالمنهج الأزهري    الكاريكاتير فى قلب الحدث!    قوات الاحتلال تقتحم حي رأس العامود في سلوان وأغلقت مدخل عابود برام الله    نص كلمة الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    «الإفتاء» توضح.. هل يجوز الأكل على ورق جرائد به آيات من القرآن؟    الأزهر: الأسلحة الدقيقة مصطلح صهيونى يستخدم فى تبرير جرائم القتل الجماعى .. من غزة إلى لبنان.. جرائم الكيان الصهيونى مستمرة    تبون: الجزائر دخلت في طريق التغيير الإيجابي وستواصل مسيرتها بثبات نحو آفاق واعدة    الدكتور    طريقة عمل البيتزا في البيت زي المحلات، وبأقل التكاليف    المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض: لقاح جدري القرود آمن تماما ولم يتسبب في حالات وفاة    برج الميزان.. حظك اليوم الأحد 6 أكتوبر: جدد أفكارك    الكويت.. سحب جنسية 63 شخصا بينهم مزدوجان متهمان في قضية سرقة القرن العراقية    الكشف موقف أحمد فتوح من المشاركة في السوبر الإماراتي    من دعاء النبي | اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    جيسوس: الهلال السعودي قوي بدون نيمار    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقة المساكن بمنطقة حدائق القبة    مصرع وإصابة 3 أطفال في تصادم دراجة بخارية وسيارة ملاكي بقنا    البيع تم قبل شهور.. مصدر مقرب يكشف مصير مطعم صبحي كابر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منتخبات بهنا فيلم
ثمانون عاما من السينما
نشر في أخبار الأدب يوم 15 - 03 - 2014

في إحدي شقق عمارة قديمة بالمنشية في الإسكندرية، وبعد أن تتجاوز "قهوة الهندي" الشهيرة" التي تقع أسفل العمارة، تصادفك في الطابق الأول بوابة مكتوب عليها "منتخبات بهنا فيلم. تركة رشيد بهنا ". الشقة نفسها مكان سحري، متعددة الغرف والممرات، كأنها أرشيف عملاق. يبدو بوضوح انتماؤها لأوائل القرن العشرين. وترميم المكان يحافظ علي هذا المظهر أيضاً، الحجارة هي نفس الحجارة القديمة والطلاء هو نفس الطلاء القديم. في هذا المكان تمت المشاركة في إنتاج أول فيلم مصري ناطق "أنشودة الفؤاد"، وفي هذا المكان، الذي يتم افتتاحه اليوم، يستعد مجموعة من الشباب السكندريين للكشف عن تراث السينما المصرية المفقود، وإقامة مساحة فنية مستقلة في مدينة الإسكندرية.
بدأ الموضوع بظهور بازيل بهنا في الحياة الثقافية السكندرية. التقي الفنانون سامح الحلواني وعلياء الجريدي وعبد الله ضيف به في 2008 في جلسة شخصية. تعرفوا عليه بوصفه شخصا مهتما بالسينما وقادما من عائلة تعمل في الفن، ويحاول استرداد تراث شركة بهنا التي وضعت تحت الحراسة في العام 1961 . بدأ الفنانون، الذين كانوا يعملون في مؤسسة جدران للفنون والتنمية بالإسكندرية، التفكير في استغلال المساحة الفنية التي لدي وكالة بهنا، مساحة فنية تخدم شباب المدينة وأهل المدينة وتعتني بالأرشيف السينمائي الموجود. كان بازيل بهنا مهتماً بإحياء ذكري شركة أهله من منطق فني، وليس من منطق تجاري، كان واعياً أن العمل الثقافي يكون في الغالب غير هادف للربح. وكانت مؤسسة جدران، تبحث عن المناطق غير المأهولة، لتحويلها إلي مساحات فنية. هكذا بدأ التعاون.

قصة عائلة بهنا تحكي الكثير عن تاريخ الإسكندرية، وتاريخ المنطقة بشكل عام. يحكي علي العدوي، المسئول عن وحدة الأرشيف في وكالة بهنا، أن العائلة هي عائلة سريان تحركوا بين العراق والشام ووصلوا في نهاية القرن التاسع عشر إلي مصر مع رشيد بهنا وإخوته. بدأت العائلة في العمل بالتبغ، ثم سرعان ما عملوا مع غيرهم علي تأسيس نشاط السينما في الإسكندرية. كان هذا عصرا من الازدهار السينمائي. دور سينما كثيرة يتم افتتاحها. الجميع متشوقون لصناعة أو لمشاهدة هذا الفن الجديد. عمل الإخوة بهنا في السينما من مدخل تجاري كموزع سينمائي، وبدأت العائلة في المساعدة في إنتاج الأفلام، ما بين أفلام صامتة وناطقة. ساعدت في إنتاج أفلام التحريك "مشمش أفندي" للإخوة فرنكل، و"الفانتازيا العربية"، و"أنشودة الفؤاد" وغيرها.
بازيل بهنا هو واحد من ورثة هذه العائلة. أخذ علي عاتقه، كما يقول العدوي، استعادة ميراث العائلة واسترداد شركته التي كانت قد وضعت تحت الحراسة. بازيل الذي عاش حياته بين الإسكندرية وباريس كان مقتنياً للفنون. وله مشاريع كتب مع نقاد مثل إبراهيم دسوقي وسامي حلمي عن التصوير في الإسكندرية. هو سكندري متعصب لسكندريته جدا، كما يقول العدوي ضاحكاً، وهو مهتم بتبيان كيف أنه كان هناك شيء مختلف تماما يحدث في الإسكندرية مختلف تماما عما يحدث في القاهرة.
رجع بازيل من فرنسا ورفع قضايا لفك الحراسة عن شركته. وفيما بعد بدأ الكلام مع مؤسسة جدران السكندرية حول استغلال المكان وتحويله لمساحة فنية. كان مهتماً، يضيف العدوي، بأن يحتوي المكان علي أرشيف للمواد البصرية المنتمية للقرن العشرين، ولكن أيضاً بأن يعمل المكان كمركز ثقافي معاصر. مهم أن يكون للمكان قيمة أرشيفية، يشاهده الناس ويعرفون شيئاً عن ماضيهم، ولكن من المهم أيضاً أن يضيف المكان إلي الحراك الذي يحدث الآن.
يحكي الفنان عبد الله ضيف عن دور شركة بهنا كدور رائد في ثلاثينيات القرن العشرين، فدور الموزع كان جديداً تماماً بالنسبة لسوق السينما. بعدها بدأت السينما بالازدهار. نري وثيقة محفوظة داخل أحد أدراج الوكالة مكتوب فيها: "منتخبات بهنا فيلم. 1 شارع الكنيسة المارونية. بالإسكندرية. بعد التحية. نرجوكم موافاتنا بكشف مبيناً به آخر منتجاتكم من الأفلام واسم كل منها وكذا أسماء ممثليها وقيمة إيجار كل فيلم عن سبعة أيام فقط. وتجدوا في الانتظار لردكم برجوع البريد. وتفضلوا بقبول فائق احتراماتنا." الرسلة مرسلة بتاريخ 26 أبريل 1948 من "سينما فكرية بالاس بأبو قرقاص بالمنيا". هكذا إذن، قبل شهر واحد من الحدث الذي سيقلب المنطقة العربية كلها رأساً علي عقب، كان يحدث في مصر، بين الإسكندرية والمنيا، تاريخ من نوع آخر.
تعمل مؤسسة جدران بالأساس علي الأماكن العمرانية المهملة أو المغلقة، الخرائب مثلا بحسب تعبير علي العدوي، وتحويلها لمساحات فنية تخدم الفنانين وتخدم المجتمع المحيط. تستهدف المؤسسة الشارع بشكل أساسي. منذ 2008 وحتي 2010 كانت أماكن التدريب نادرة بالإضافة إلي عدم وجود أجهزة حقيقية تساعد الفنانين. كان هذه هي هي الفكرة المشتركة التي جمعت بين مؤسسة جدران وبين المساحة الخالية في المنشية التي كانتها "منتخبات بهنا فيلم". يقول عبد الله ضيف: عندما أوفر أجهزة حقيقية لإنتاج الأفلام للفنانين، وأوفر مجهود ما بعد الإنتاج من مونتاج وغيره للفنانين علي هيئة شراكة مني، فهذا سيعطي الفرصة للفنانين لصنع الأفلام. نأخذ نحن هذه الأفلام ونعرضها للناس في الشارع، الشارع الذي نكون نحن متفاعلين معه من قبل. هكذا ستعمل وكالة بهنا، وهكذا عملت وتعمل مساحات فنية أخري في الإسكندرية مثل "الدكان" و"الكابينة" وغيرها.
هل هناك ردود فعل عدائية من الناس ضد مشاريع كتلك؟ يجيب عبد الله إن هناك طريقة إنسانية بعض الشيء للتعامل مع الشارع: "نحن نتجنب الخناق. لا نعطي للآخرين مساحة للصدام معنا". يريني فيديو لحفل أقيم لفريق موسيقي باسم "فوق الصفر"، في "قهوة حمادة" بجانب محطة الرمل. يأتي رجل عجوز ويبدأ في الاحتجاج ضدهم لأن صوت الموسيقي التي يلعبونها يمنعه من الصلاة. يعتذر له الشباب و"يطيبون بخاطره"، يقول أحدهم: "إحنا آسفين يا حاج"، يحكي عبد الله أن الرجل أتي بعد عشر دقائق واعتذر لهم.
علياء الجريدي هي المستشارة الفنية للوكالة. تحكي عن فعاليات يوم الافتتاح، بجانب عرض فيلم "أنشودة الفؤاد، سيتم تقديم ثلاثة أجيال فنية سوياً، هناك علي عاشور الذي يقدم لنا معرضا بعنوان "من أول السطر"، حول سيف وانلي، كيف تأثر به وكيف حاول التخلص من تأثره به، يعرض لوحات رسمها هو بنفسه في الستينيات عندجما كان سيف وانلي يقوم بالتدريس له، بالإضافة لعمر السواح وهو فنان في أواسط العمر ويارا مكيوي التي تقدم عمل "فيديو أرت بعنوان "سلطانة، ويعرض مقاطع من فيلم "قصر الشوق"، مع شريط صوتي مختلف: "نحن مهتمون جدا بالتعايش بين الأجيال المختلفة للفن. نحاول حل اللبس في العلاقة بين الأجيال عن طريق التجسير بين الأجيال المختلفة". الفنانون كلهم سكندريون بالصدفة، كما تشرح الجريدي. ولكن ليس هناك أي مانع من استضافة أي فنان من أية محافظة أخري.
الخروج للشارع
تواصل الجريدي: "نحاول أيضاً في المكان التجسير بين فكرة الفن الكلاسيكي والفنون المعاصرة. العنصر المحدد بالنسبة لنا أن يكون العمل قادراً علي الانتقال من مرحلة لمرحلة أخري. بالإضافة إلي الاهتمام الخاص بالأعمال التفاعلية، سواء بين الفنون وبعضها، أو بين الفن والشارع. نريد أن يكون المكان عبارة عن جدران أربعة ننتطلق منها إلي الشارع الواسع".
بالإضافة لهذا، تقول علياء، فواحدة من مشاكل الفن في الإسكندرية إن الفنانين يتخرجون بدون ممارسة للفن، وبدون معلومات حقيقية: "يقولون لنا إنهم قد تعلموا تقنيات ولكنهم لا يستطيعون إنتاج فن. هنا نقدم لقاءات نظرية لهم مع فنانين ليحكوا عن خبراتهم. كما نعمل علي إقامة ورش تجمع بين السينما والتشكيل والكتابة والموسيقي مع الفنانين الذين كانت لهم أعمال سابقة. نسعي للتربيط بين الوحدات المختلفة التي لدينا، وهي الأرشيف ووحدة الفنون البصرية ووحدة صنياعة الفيلم، بحيث تُخرج إلي الناس أعمال أكثر تطوراً وعمقاً".
هذا سيبدأ من يوم الافتتاح، الافتتاح سيحتوي كما أسلف علي عرض فيديو آرت يضم السينما والموسيقي، وسيكون هذا تقليداً أسبوعيا: "مجموعة من الموسيقيين يلعبون أسبوعياً بشكل لايف علي مشهد سينمائي. يفككون شريط الصوت في المشهد السينمائي ويلعبون موسيقي. نريد ربط فناني الفيديو آرت بالسينمائيين. "
كانت لهذه الفكرة تاريخ في جدران. أقامت علياء الجريدي مع الشاعرين عبد الرحيم يوسف وحمدي زيدان معرضاً رسمت فيه بالاستيحاء من كتاباتهم: "لمدة شهر كنا نتكلم. أسألهما ويردان علي الأسئلة، وكانت النتيجة معرضاً للتشكيل في الفراع بين الرسومات والجدران." لهذا فلا تبدو فكرة التفاعل بين الفنون غريبة عن المكان، ولكن أيضاً فكرة التفاعل مع الشارع لا تبدو غريبة.
تقوم الجريدي الآن بتحضير ستديو تصوير متحرك في إيطاليا. "سنمشي في الشوارع ومعنا حقيبة الماكياج والكاميرا ونتحدث مع الناس. سنقوم بعمل ميك أب للناس ويساهمون هم في رسم خلفيات الاستديو، وسنصور الناس وهم سيصورننا. هذا المشروع ستكون المرحلة الأولي به في إيطاليا والمراحل التالية ستقام هنا في وكالة بهنا".
هذا قد يصلح في إيطاليا، ولكن قد لا يبدو صالحا في الإسكندرية!
ليس بالضرورة. نحن نقوم بهذا دائما هنا. تبدأ في الحديث عن فكرة الفن والشارع في الإسكندرية: " سيأتي فنان لديه فكرته الخاصة. كل ما سنفعله أننا سنستضيفه هنا ثم ينطلق هو إلي الشارع مع فنانين أصغر سناً. قد يسألنا عن بعض المعلومات الخاصة بالمكان وينزل لمشاهدة المكان والحديث عنه والتعرف علي الناس. نرسل معه بالتأكيد أشخاصاً قادرين علي التعامل مع المكان. لدينا في جدران تاريخ طويل من التعامل مع الشارع. سنضع شاشاتنا في المقاهي بحيث يشاهد كل الناس ما نعرضه".
"عندما نعمل في الشارع نذهب إلي منطقة نعرفها نسبيا، بعد أن نكون قد أرسلنا مجسّات إليها لنري كيف يبدو الوضع هناك وكيف يمكننا التصرف. وعندما يأتينا الفنان نطرح عليه أكثر من اختيار وهو يختار بينها. وإذا اقترح مكاناً آخر ندرسه ثم نخبره لو كان المكان خطر. الإنسان بشكل عام يخاف ما يجهله، ولكن إذا دخلت المكان بالتدريج سيقبلك". هكذا عملت مؤسسة جدران من قبل علي ترميم بيوت منطقة المكس في الإسكندرية. سامح الحلواني، وهو مدير جدران، يتولي الجزء الخاص بالمناطق المجاورة التي لا تحتوي علي خدمات ثقافية، وعمل من قبل علي مناطق مثل كفر عشري وعزبة زقزوق بالقرب من القباري.
عبقرية المكان
يحكي مأمون عزمي عن تاريخ بناء المكان. الوكالة كان اسمها الأصلي وكالة منفراتو. وأسسها المصمم الإيطالي بيولتو. بدأ البناء فيها منذ نهايات القرن التاسع عشر، واستمر البناء ل12 عاما. مات المقاول في أثناء البناء فتوقف البناء ولكن ليس لفترة طويلة، ثم عاد باسيلي باشا بعد ذلك لإكمال البناء. كان تصميمها في الأساس يتضمن اسطبلات للخيل بأسفل العمارة، حتي يركن التجار المسافرون خيولهم، ثم تحول بعد ذلك ليضم محلات بالسفل ومكاتب بالأعلي. الآن، يوجد أسفل الوكالة مقهي الهندي الشهير بالإسكندرية. أخذت عائلة بهنا، بوصفهم تجار تبغ، المكان عام 1927، ثم سرعان ما حولوا نشاطهم إلي السينما، حتي شاركوا في إنتاج أول فيلم طويل ناطق عام 1931، وهو "أنشودة الفؤاد". يضيف مأمون أن ثمة نزاعاً يدور حول إن كان "أنشودة الفؤاد" هو أول فيلم ناطق يتم عرضه في مصر أم فيلم "أولاد الذوات"، والذي أخرجه محمد كريم وقام يوسف وهبي بالبطولة فيه. ولكن الثابت أن أنشودة الفؤاد قد عرض قبل "أولاد الذوات" في باريس.
تغير تقسيم الوكالة عدة مرات، ولكن آخر مرة تغير فيها في الأربعينيات، حيث تحولت العمارة إلي مكاتب وشقق سكنية. أما اليوم، فإن العمارة كلها مسكونة ربما باستثناء شقة أو اثنتين.
في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، تجمع 27 متطوعاً من 11 دولة من أجل ترميم الشقة متعددة الغرف. الترميم كان حريصاً علي إبقاء الشكل الأصلي للمكان كما هو. الجدران عبارة عن أحجار قديمة. وقطع من السقف مازالت بنفس محتفظة بنفس الرسوم، وباب المدير مبطن بالقطيفة. علي قدر ما أمكن، اجتهد المرممون في الحفاظ علي روح نفس المكان القديم. المكان عامر بدواليب تحوي دوسيهات قديمة تتضمن مراسلات شركة بهنا. يخطر علي الذهن جميع الأعمال الأدبية التي تتناول المكتبات والأرشيفات العملاقة، "اسم الوردة"، "كل الأسماء"، وبالطبع مكتبة بابل العملاقة التي تتيه بين غرفها وتعلق بين أوراقها التي لا تنتهي.
لمن لا يعرف الإسكندرية، تبدو عروس المتوسط مختلفة قليلاً عما يبدو في الأفلام والأعمال الروائية، بفوضاها العملاقة. هذا يبدو واضحاً من أول خطوة لك باتجاه المكان. علي أرصفة المنشية يقف باعة كل شيء، من الملابس والمزهريات والساعات وحتي بطاقات السيسي. فور دخولك العمارة، ذات المداخل المتعددة والضيقة، وحيث كانت اسطبلات الخيل قائمة سابقاً، تصادفك قهوة "علي الهندي"، ذات السقف العالي المزخرف قوطي الطابع، وهي القهوة التي يتجمع فيها الصم والبكم ويتبادلون الحديث بالإشارة. حديثهم الذي تراه بصرياً يمتزج بنداءات القهوجية وصخب روائح محلات الأطعمة، مع جدران سيراميكية تسعينية وصورة كبيرة ل"جمال حبيب الملايين". ذلك كله قبل صعودك إلي مكتبة بابل العملاقة بالأعلي.
أنشودة الفؤاد، لا حزن ولا شجون
الوحدة التي يديرها مأمون عزمي اسمها "وحدة دعم وصناعة الفيلم". يحكي مأمون عن عملية ترميم "أنشودة الفؤاد: حدث هذا عن طريق "سينيتيك دوفرانس"، لأنهم من أوائل من قاموا بعملية أرشفة للسينما، فقاموا بترميم النسخ التي وجدوا "البَكَر" الخاص بها، ولكن كانت هناك مشكلة في شريط الصوت، الذي كانت تنقصه بكرتان، ومنها بكرة تحوي أغنية "أنشودة الفؤاد نفسها. مؤسسة "امار فاونديشن"، والتي تمتلك أرشيفا لتاريخ المواد المسموعة العربية وجد أغنية "أنشودة الفؤاد" نفسها، فأهدتها إلي ماري كلود بهنا، أخت بازيل بهنا والتي كانت تعمل بمعهد العالم العربي بباريس، وهكذا تم ترميم الفيلم كاملاً مع الأغنية.
أغنية الفيلم تقول: "أمسعدي، أنت في مرادي، يا أيها البلبل الحنون، ننشد أنشودة الفؤاد، لا حزن فيها ولا شجون". الأغنية تغنيها المغنية سورية الأصل نادرة علي العود، وهذه تفصيلة واحدة من ضمن تفاصيل كثيرة. تحكي قصة الفيلم قصة عصر كانت فيه السواحل مفتوحة أمام بعضها البعض. أخرج الفيلم المخرج الإيطالي الأصل ماريو فولبي، وقام بالبطولة فيه الممثل لبناني الأصل جورج أبيض، والشيخ زكريا أحمد، الذي لحن أغاني الفيلم وقام فيه بدور لص، وكتب كلمات الأغاني الشاعر اللبناني خليل مطران. قصة الفيلم إذن، مثل قصة عائلة بهنا، هي شاهد علي منطقة أخري تماماً كانتها منطقتنا منذ ثمانين عاماً.
ولكن الماضي ليس كل شيء. لا تهتم وكالة بهنا فقط باستعادة الماضي، وإنما بإنتاج شروط تجعل من هذا الفن ممكناً في المستقبل أيضاً. يضيف مأمون عزمي أن هناك جزءاً تعليمياً غير مباشر تقوم به "وحدة دعم وصناعة الفيلم"، بجانب المساعدة علي إنتاج الأفلام. هناك تدريب شباب السينمائيين واحتمالية إقامة مهرجان في المستقبل. وبالفعل، أنجزت الوحدة ثالث ورشة عمل هذه الأيام. كانت أولي الورشات مع منتجة إنجليزية اسمها أولهام شكيريفار وكانت مهتمة بالأفلام التوثيقية في مصر، ثم أقامت ورشة تصوير سينماتوجرافي مع مدربة فرنسية اسمها آن شابريه، ثم استضافت لمدة أسبوعين ورشة ل"دي كاف" لصناعة أفلام الموبايل، ورشة تتبع مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة.
بدأت الوحدة بالفعل في دعم تجارب شباب سينمائيين مثل شريف زهيري وبلال حسني: "عندما نجد سينمائياً يصوّر ويحتاج أجهزة نوفرها له. هذه المساعدات لا يمكنك تسميتها بشراكة إنتاجية، وإنما هي مجرد دعم".
وما الذي سينتجونه وما الذي لن ينتجونه؟ يقول عزمي إنه بما أن جميع العاملين في الوكالة يعملون في الفن، لذلك فلا يجوز أن تتحكم ذائقتهم الفنية في اختيار المشاريع الإنتاجية: "سنقدم استمارة للتقدم للناس التي تريد الاشتراك، ولسنا مقصورين علي دعم مواضيع معينة دون غيرها. قررنا إقامة لجنة تضم صناع الأفلام في افسكندرية لكي تقرر ما الذي سيتم إنتاجه وما الذي لن يتم إنتاجه، وهناك احتمال كبير أن يكون هناك رئيس للجنة بحيث يتغير من دورة للأخري". الموضوع ليس مقصوراً علي دعم التجارب الاسكندرية بالطبع، وقد يقبلون دعم تجارب من القاهرة، ولكن من وجهة نظر مأمون ف"الحركة في الإسكندرية أكثر احتياجاً إلي الدعم من نظيرتها في القاهرة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.