فشلتْ كل السيناريوهات .. و"سيد " الذي جاءهما بعد ثلاث بنات مازال يتملّمل كلّما انطلق الصوت هادراً محشرجا . في البداية كان يجزع ويستيقظ فجأة مفزوعاً،ثم يغمض عينيه بعد أن يدعكهما بأصابعه الصغيرة ..وينام ،وسرعان ما تطور الأمر للبكاء والصراخ الذي لا يتوقف، و"أم سيد" تستغفر وهي تحكي لجارتها :" أنا خايفة يكون الواد لابسه بسم الله الرحمن الرحيم .. ده أدان ربنا يا أم نجلاء !". قرأ الشيخ "إسماعيل" وهمهم علي رأس "سيد" بالآيات وانتظر موعد الأذان ولم يتململ" سيد" ،بل نام نوماً هادئاً وعميقا حتي أن "أم سيد" أقسمتْ لأم نجلاء انه كان يبتسم كأنما يري ملائكة الرحمن، ونذرتْ أم سيد أن تفرق الرز باللبن علي الشارع كله بإذن الله . لكن الغريب أنه في الليلة التالية وبعد أن فعل الشيخ إسماعيل ما فعل الليلة الماضية زاد تململّ "سيد" مع انطلاق صوت المؤذن!، بل إنه صرخ من وسط رأسه الصغير وراح ينوع في الصراخ بين النهنهة والهدوء ثم الانطلاق ثانية ،واتشحتفتْ أم سيد وهي تري وجهه الصغير يحتقن كأنما دم كثير سينفجر من انفه ، واختلط صوت صراخ سيد مع صوت المؤذن وساد التوتر المكان وراح سيد يتنقل من كتف إلي آخر والجميع يردد ويتصعب :"بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن "،حتي هدأ واستسلم للنوم وهو يشهق شهقات خفيفة تتبع بكاءه دائماً،وعندما طلع النهار كانت أم سيد تسح دموعا غزيرة وهي تتأمل ملامح ولدها النائم مهدودا ،وصعب عليها حالها فَسحتْ دموعا إضافية علي حظها وعلي أمها وأبيها وأموات المسلمين . "..الحكاية دي تاخد لها 300 جنيه ..ودا عشان خاطرك يا أم سيد وحياة ربنا ..وربنا يعلم .. الكونتر غالي قوي اصله ..مش بتقولي عشان صوت العربيات وكدا .. يبقي مش هينفع غير الكونتر هو اللي هينفع ،بس الالموتان بتاع الصالة مش هينفع معاه ".. هكذا قال "صبحي" النجار وهو يشرب شفطتين من الشاي واقفاً . "الواد أهم من المصيف ،أنا ها اقول لأم نجلاء وان شاء الله ..ان شاء الله .. مش هترفض " ،هكذا قالت "أم سيد " واكتفي "أبوسيد" بنظرة ضعيفة واهنة وهو يقص أظافره ويمضغ الزوائد بأسنانه. وبالفعل لم ترفض أم نجلاء ،وقبضتْ "أم سيد" الجمعية هذا الشهر بدلاً من حسين بتاع الدش الذي تنازل عن طيب خاطر ، وجاء "صبحي " وظبط الشبابيك ،وفرحت أم سيد وقالت لأبو سيد : ربنا عالم بعبيده ". وهدأ البيت تماماً وسادت حالة رضا تودع أياماً عصيبة ،ولمعتْ في عين أبو سيد رغبة جارفة ، ومضي كل شيء في طريق تلك الرغبة ، فقد ابتسمت أم سيد وهي تخرج من الحمام ورائحة الصابون تفوح من جسدها الحلال الذي يحبه أبو سيد . نام "سيد " في أوضة النوم وخرج الزوجان إلي الصالة التي لم ينفع معها الكونتر ،وقلّبت "أم سيد" في ريموت التليفزيون وتذكرت أن أبوسيد زهق من تمثيلية "الضوء الشارد" التي تحبها ولا تشبع منها أبداً ،فأغلقت التليفزيون ،وقلّبت في كرتونة الشرايط وشغلت أم كلثوم ،وانسجما سويا لدرجة انهما راحا يرددان " وانام واصحي علي ابتسامتك بتقول يا .. ...."،قفزت أم سيد فجأة كالملدوغة لتغلق الكاسيت عندما سمعت نحنحنة المؤذن ،وساد الصمت لحظة ،وتأخر صوت المؤذن ، وكتم أبوسيد الكحة التي داهمت صدره فجأة ،وهزّ رأسه بأسي وأشعل سيجارة وهو يشعر بارتخاء بطيء يسري كالمخدر بين فخذيه ،فشبتْ أم سيد علي أطراف أصابعها لتلقي نظرة علي "سيد "، وانطلق صوت المؤذن، ولم يستجب "سيد" وظل هادئاً في نومته ،ولم يستطع أبوسيد التحكم في الكحة وانطلق يكح بينما علا صوت المؤذن ،وصرخ "سيد" صرخة طويلة تبعتها صرخات ونهنهات . رشتْ أم سيد البيت بالماء والملح وملّست علي وجه سيد بالماء الطاهر ،وعلّقت "كف مريم "علي حلق الباب، وأطفأت البخور ، وضبطت الراديو علي إذاعة القرآ ن الكريم وتأكدت من إغلاق أنبوبة البوتاجاز ، قبل أن تغلق باب شقتها يوماً وليلة كما نصحها الشيخ إسماعيل "عشان لو فيه لاقدرالله حاجة كده ولاّ كده تنصرف بمشيئة الله". في الحلمية قضي الجميع ليلتهم في شقة "محاسن" التي كانت سعيدة بونس أولاد شقيقتها ،وقشروا برتقال كثير وقزقزوا لب أبيض وسوبر وشاهدوا التليفزيون وأحب أبوسيد مسرحية "الواد سيد الشغال " التي شاهدها كاملة لأول مرة ،وقرر أن يشتريها مسجلة علي شريط فيديو، وبدا جسد "أم سيد" مقسماً وبديعاً في جلابية محاسن الخفيفة ،وعاودته رغبته ،ولكزّ ام سيد لكزة خفيفة بكوعة في صدرها وهي عائدة من المطبخ بالسحلب ، فابتسمتْ .. وحاول ،لكنها خجلتْ ،فحاول ثانية ،فهمستْ :احنا مش ف بيتنا ياراجل .. ومع كلمة "يا راجل "تحديدا رفض "أبو سيد" تأجيل رغبته ، وكان مستمتعا بالهمس وسرقة اللذة وبيت محاسن.