الفلسفة في أحد تعريفاتها هي دراسة ما ينبغي أن يكون، بمعني أن الفلسفة هي استشراف للمستقبل بكل أبعاده.. هذا ما أراد أن يؤكده المشاركون في مؤتمر قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة القاهرة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للفلسفة (الفلسفة والمستقبل). وفيه أكد د. جابر نصار، رئيس الجامعة، وأستاذ القانون الدستوري، أن الفلسفة هي الحياة، وأساس استشراف المستقبل والتقدم فيه، وان الانسان بدون الفلسفة كأي كائن حي، يأكل ويشرب ولا يفكر، حيث أن ما يميز الانسان قدرته علي التفكير العقلي وهذا التفكير العقلي هو الفلسفة. وأوضح د. مصطفي النشار، رئيس المؤتمر، ورئيس قسم الفلسفة بالكلية، انه اذا ما أردنا حقا الخروج من نفق التخلف المظلم إلي مبشرات التقدم والنهضة، فلا سبيل أمامنا إلا باستشراف المستقبل ومعرفة أبعاده وممكناته، وكيفية التفاعل الايجابي مع هذه الممكنات وفق امكاناتنا الذاتية، وهذالايتحقق إلا بالاستقلال عن الآخر وهيمنته وتسلطه، ولا يتأتي ذلك إلا بنشر فلسفة التنوع والاختلاف والتي ستكون ذات فائدة قصوي لتجاوز الصراع الدائر الآن - بين كل فئات وأطياف المجتمع والمجتمعات العربية إذ أن هذا الصراع يكشف عن استقطاب حاد أحادي الجانب يرفض الرأي الآخر ويرفض الحوار معه، والاستفادة من قدراته الابداعية، بل يرفض وجود نفسه. وفي مداخلته، تساءل د. حسن حنفي: هل غاب مفهوم التقدم في تراثنا القديم؟ وأجاب: التقدم المقصود هنا ليس التقدم المادي كما هو الحال في الغرب حاليا، معدل الانتاج الصناعي، والزراعي، ووفرة الخدمات، وارتفاع مستوي المعيشة، وزيادة الأجور وانتشار التعليم، بل التقدم - نعني به - كرؤية، أو كبناء نفسي، كغاية، أو هدف، كمطلب أو مقتضي، وهو ما يوجد في الخطاب العربي المعاصر عندما يناضل المفكر العربي من أجل التقدم. وأورد د. مقداد عرفة (تونس) ما قاله فلاسفة العرب والاسلام عن الفلسفة ومستقبل الانسانية. فعرض قول الفارابي الذي أكد "إن مصير البشرية هو الهلاك لو لم توجد الفلسفة، وهنا تكون الفلسفة الوسيلة الوحيدة ل نجاة البشرية، لأن حصول المعرفة العلمية، يتيح للبشرية اقامة مجتمع علي أسس علمية تحقق السعادة للانسان لانها تلائم طبيعته وفق رؤية علمية. وركز د. المهدي سعيدان (الجزائر) علي قضية الفلسفة والتواصل وناقش فيها علاقة الفكر الفلسفي بواقعه الحضاري بالنظر فيما اذا كان نشاط الفلسفة وفاعليتها يقترنان بشكل محدد من أشكال التواصل السائد في هذا الواقع، وبيان ما اذا كان وجود الفلسفة يقترن أساسا بازدهار التواصل القائم علي الكتابة والمعتمد أساسا علي الكتاب، وكيف أن الكتاب كوسيلة لتناقل الأفكار وتداولها، هو الذي سمح، ويسمح دائما بوجود الوعي الفلسفي، وهو الذي يجعل لهذا الوعي فاعلية في مجتمع ما. وعن المواطنة وحيادية الدولة في الخطاب الليبرالي المعاصر، ركز د. حمدي الشريف، بوجه خاص، علي مباديء هذا الخطاب حول علمانية الدولة، والحيادية بشأن المعتقدات الدينية والأخلاقية السائدة في المجتمع عند عملية اتخاذ القرار السياسي، أي حيادية الدولة أو النظام السياسي في تصورها ل "مجتمع الخير". وفي مداخلتها تعرضت د. دعاء محمد للمفهوم الثوري للذات الانسانية في الفكر الفلسفي المعاصر، حيث أوضحت أن الثورة تبدأ عقليا قبل أن تتحقق فعليا، وليس بالضرورة أن تتخذ شكلا من أشكال الانقلاب والعنف أو تتخذ أشكالا سلبية مشيرة إلي أن وسائل الاتصال كانت هي المعين الاكبر لأحداث ثورة 25 يناير في مجتمعنا المصري، وأن هذا يجعلنا ننطلق بصورة أشمل لمفهوم الثورة وتأثير التقنية بشكل عام، في تأكيد الذات الانسانية وتحقيق كرامتها، خاصة وأن الحرية مسعانا وقبلتنا، فأينما تكون الحرية فثم وجه الفرد. وحول جدلية العلاقة بين الدين والأخلاق. أكدت د. نهي عبدالعزيز أن جدلية الدين والأخلاق تعبر عن نفسها في الثقافة السائدة لكل زمان ومكان اختاره يطغي التصور الديني علي التصور الأخلاقي، وتارة أخري يطغي التصور الأخلاقي مع انحسار التصور الديني لأسباب مختلفة، مشيرة إلي أن أخلاق اليونان كانت مرتبطة بأساطيرهم وحكايات هوميروس، ولكن هذا لم يمنع فلاسفتهم من انتاج قيم اخلاقية قائمة علي أساس عقلي، فموضوع الأخلاق عند فلاسفة اليونان يدور حول حب الخير، والعدل والجمال. أما اليهودية والمسيحية لديانات توحيدية، ترتبط بالوحي، وعبرت عن الأخلاق من خلال وصايا الإله في العهدين القديم والجديد. أما في الاسلام فقد قال النبي محمد "صلي الله عليه وسلم" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وأنتج فلاسفة الاسلام فكرا، وفلسفة للأخلاق خاصة بهم تجمع مباديء الدين مع الفلسفة العقلية اليونانية.